< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
-طفل الانبوب: من هو الأب؟
-الاستدلال بالكتاب.
-كل أب عرفا هو اب شرعا، إسقاط الأبوة هو الذي يحتاج إلى دليل.
قلنا أن هناك أب عرفي وهل يوجد أب شرعي أو لا؟
أما الأب العرفي ثلاثة: الأب الاول: الأب البيولوجي التكويني صاحب النطفة، صاحب الجينات الوراثية الـ 23 كروموزوم. والأب الثاني: الأب بالتبنّي. والأب الثالث: الزوج بسبب شرعي سواء كانت النطفة منه أم لا، وهذا موجود في بعض القبائل الهندية.
أما التبنّي فقد أسقطه الشارع، وإن كان في أكثر أعراف العالم أبن وينسب ويعتبر ولدا. ونُذَكِّر انه في مقام تقنية الاستنباط: إسقاط الولدية هو الذي يحتاج إلى دليل وليس اثبات الولدية. بعد ثبوت الولدية والابوة والبنوة أو الاخوة أو الزوجية عرفا فقد ثبتت شرعا. بتعبير آخر: بعد انطباق المفهوم فإسقاط المفهوم هو الذي يحتاج إلى دليل. ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[1].التبني اسقطه الشارع وهذا اجماع عند كل فرق المسلمين ومذاهبهم.
أما المفهومان الآخران: الزوج مطلقا أو الأب البيولوجي. إذا انطبق مفهوم الأب عرفا هل يعتبره الشارع أو لا؟
نعود للقاعدة التي ركزناها واسسناها: أن انطباق المفهوم عرفا واستعمال الشارع له دليل على اعتباره شرعا، فإذا اعتبر شرعا ثبتت كل اثار المفهوم واحكامه.[2]
فإذن الأب البيولوجي والزوج هل يثبتان شرعا أو لا؟
نقول: الأب الشرعي لا يخلو أن يكون إلا هذه الثلاثة: الأب البيولوجي الأب العرفي، والاب بمعنى الزوج مطلقا، و أب التبني. وانتهينا إلى انه ليس هناك مفهوما شرعيا خاصا للأبوة ولا البنوة، ولا الاخوة، ولا الزوجية، ولا الولدية، الولد الشرعي هو نفسه الولد العرفي، ونحن للإسقاط بحاجة إلى دليل.
الأب الشرعي من هو؟ أحد الثلاثة العرفيين. التبني بالاجماع قلنا انه ساقط.
أما الثاني الأب البيولوجي صاحب الـ 23 كروموزوم، والدليل على أنه هو نفس الأب الشرعي أمور:
الاول: القرآن الكريم والسنّة.
قد يقال: ان القرآن لم يذكر أبدا أن صاحب النطفة هو الأب.
فانه يقال: بمجرد أن القرآن في عدة آيات الأبوة أو البنوة أو الولدية وهذا اعتبار منه للمعنى العرفي.
كيف استدل بوجود هذه الالفاظ على أن الاب هو صاحب النطفة؟
الجواب: الاستدلال يكون بنفس القاعدة التي ذكرناها: ان القرآن الكريم استعمل كلمة أب وأم ووالد وولد وابن في آيات كثيرة، وبالقاعدة التي ذكرناه يعني أنه هناك اعتبار لهذه الكلمة بهذا المعنى العرفي [3]، فإذا ثبت الأب العرفي يعنى ثبت الأب الشرعي، لأن الأب العرفي هو نفس الأب الشرعي، باعتبار أن المفهوم واحد.
إذن الكلام هل يثبت المفهوم عرفا أولا؟
الجواب: إننا نرى أن الأب البيولوجي هو أب عرفا في كل أنحاء العالم وهذا يعني أنه أب شرعا، وهذا هو الدليل. لكن القرآن لم يذكر ذلك صراحة لكن ببركة هذه القاعدة نستدل من القرآن على أن الأب صاحب النطفة.
هناك آيات قد يستدل بها على أن الأب هو صاحب النطفة من قبيل: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [4] . كلمة " امشاج " فسّرت بتفاسير كثيرة، والظاهر انها بمعنى الامتزاج، نطفة فتكون من امتزاج أمرين، خليط من بويضة [5] المرأة وحيمن الرجل. هل كلمة " أمشاج " تدل دلالة واضحة على أنه مزيج من البويضة والحيمن؟ ومع وجود التفسيرات الأخرى لا يجعل لك اطمئنانا بذلك. لكن أحيانا التطور العلمي يعين على فهم الآيات مما جعلني أميل إلى ذلك، ولعدم الظهور المستحكم جعلنا هذه الآية من المؤيدات.
وكذلك في الآية: ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ﴾ [6]، قد يقال أن هذه الآية دليل على أن صاحب المني هو الأب. لكن نعتبر أن هذه مؤيد، اولا: لأن مني الرجل مبدأ لخلق الإنسان، هو أحد المراحل، وليس دليلا على أنه هو الأب ومفهوم الابوة شيء آخر. وذلك من قبيل قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ﴾ [7] أي التراب فلا يعني أن التراب هو الأب. [8]
وثانيا: قد يقال أنها خليط من مني المرأة ومني الرجل نشوء لأن الانسان من النطفتين لا من مني الرجل فقط. وهذه الآيات القرآنية وغيرها ليست دليلا على تعيين الأب، بل هي مؤيدات لعدم الظهور الواضح الذي نطمئن إليه.
هل المباشرة الجنسية شرط لصدق الأبوة شرعا أو تحقق لعقد، أو تحقق المبرر الشرعي للوطء، أو الانتقال بالمساحقة وشبهها كإراقة الماء على فم الرحم؟
نقول له كقاعدة عامة: عند الشك في اشتراط أمر ما في انطباق مفهوم، كما في مسألتنا هل تقيّد الأبوة بالمباشرة؟
ففي كل ما شككنا في قيد، أو جزء أو شرط، أو مانع هناك حالتان: إما أن يكون في العبادات أو في المعاملات.
في العبادات: اولا: اطبق المفهوم، فإذا انطبق اطرد الشرط بالإطلاق اللفظي، مثلا: إذا انطبق انها صلاة فكل ما اشك في اشتراطه مطرود. فإذا لم ينطبق اللفظ أصل إلى مرحلة الأصل العملي، والأصل العملي في العبادات هو الأقل والاكثر الارتباطيين. فان قلنا في الارتباطيين أن الأصل هو البراءة، فلا نوجب الشرط، وأن قلنا بالاشتغال أوجبنا احتياطا.
أما في المعاملات: اولا: اطبق اللفظ عرفا، فإن انطبق عرفا انطبق شرعا، فإن انطبق شرعا بأصالة الاطلاق اطرد الاشتراط. مثلا: اقول هذا ولد واشك في اشتراط المباشرة الجنسية، فاطرد هذا الشرط. أي إذا انطبق اللفظ مفهوما اطرد الشرط بعد انطباق المفهوم، بأصالة الاطلاق.
إذا لم ينطبق مفهوما نصل إلى مرحلة الأصل العملي وهو في هذه المسائل استصحاب عدم الاثر، أو اصالة الفساد.
فهنا في مسألة الابوة نقول: ان طبقناه عرفا، الأب البيولوجي هو أب عرفا إذن هو أب شرعا، ولما كان أبا شرعا وانطبق المفهوم اشك في اشتراط المباشرة الجنسية أو شبه المباشرة، بالإطلاق أطرد قيد المباشرة الجنسية. إذا لم ينطبق المفهوم انتقل إلى الأصل العملي، وهو اصالة عدم ترتب الاثر فآثار الابوة لا تنطبق.
غدا إن شاء الله نكمل البحث.


[2] مثلا: إذا استعملت كلمة " أكل " والقرآن استمل " كلوا واشربوا " فكلمة " أكل " ليست حقيقة شرعية، مجرد الاستعمال يعني اعتبار لهذا المعنى. لذلك كل ما صدق عليه انه أكل أو شرب فهو مفطر، ولا داعي للتفكير بمعنى الاكل والشرب لأنه شيء عرفا موجود فتثبت آثاره. بعبارة اخرى: الشارع أحد الناس يتكلم بلغتهم، وهذا الامر ينطبق على كل الالفاظ التي استعملت في القرآن الكريم والسنّة الشريفة. اما إذا احتملنا أن الشارع اسقط مفهوم الاكل مثلا عن بعض الاشياء نبحث عنها، فإسقاط المفهوم حينئذ هو الذي يحتاج إلى دليل وليس العكس.
مثال آخر: " وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ." النساء /34. فإذا شككنا في معنى " واضربوهن" تكون الشبهة مفهوميّة، نطرق اولا باب الشارعـ فإن لم نجد فنطرق باب العرف، وإلا فاللغة، وإلا فالقدر المتيقن وإلا اصبح الدليل مجملا.
[3] ردا على سؤال: انها مشتركات. والجواب: العرف لا يرى هذه الالفاظ مشتركات لفظية، لأن الأبوة عند العرف مفهوم واحد وطبق على عدّة مصاديق. أب التبني هو نفس مفهوم الأب الحقيقي، وكذلك مفهوم الزوجية في كل الاديان والشعوب مفهوم واحد طبق، ولكن تطبيقاته وأفراده تختلف من ناحية الاثار والاحكام. لذلك قلنا أنه اخطر ما يكون في عملية الاستنباط اشتباه المفهوم بالمصداق.
[5] تذكير: بييضة كتصريف لكن اشتهر كلمة بويضة، ولما كانت اللغة عبارة عن تعبير وبيان فلا مانع من أن تتغير اللغة بما يناسب البيان، بل يمكن استخدام الفاظ اخرى كالكلمات الاعجمية كما استخدم القرآن. فلنبق على اللفظ المتداول حتى لو كانت خاطئا إذا كان يؤدي إلى توضيح أكثر.(هذه وجهة نظر).
[8] استطراد: لكل علم اختصاصه، التقنيات في الطب والاستنساخ وطفل الانبوب ليس من شأنها أن تعيّن لا الأم ولا الأب، بل هي من اختصاص اللغة والعرف والشرع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo