< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
-هل طفل الأنبوب يثبت نسبا أو لا؟
-وما هو نسبه أما أو أبا؟
المسألة الثانية: هل تثبت طريقة طفل الانبوب نسبا؟ بعبارة أخرى: هل المولود بواسطة الأنابيب ليس له نسب، فلا أم له ولا أب؟ وهل نسب الإنسان أمر ضروري؟
الكلام في هذه المسألة ليس في عالم الاثبات بل الكلام في عالم الثبوت.
الظاهر أن له نسبا في الجملة، فإن له أماً وله أبا ًكل ما في الأمر تعيين الأم يحتاج إلى دليل والدليل على ثبوت النسب هو ما ذكرناه سابقا من قاعدة وهي أن استعمال الشارع للفظ كان موضوعا عرفا لمعنى دليل على اعتباره هذا اللفظ بمعناه العرفي، استعمال الشارع للفظ معناه اقرار له على هذا المعنى. استفدنا من هذه القاعدة في الملكية، واثبات ملكية الجّهة، وقد يستفاد منها في اثبات الملكية الفكرية، وفي الزواج المدني بانها زوجة، وفي مني المرأة. واستفدنا منها في كيفية الاستفادة من الروايات الضعيفة بل المقطوع كذبها كرواية العشرة المبشرين بالجنّة.
ولا شك في عدم وجود نسب عرفا ولا شرعا لمن ولد من غير ماء رجل أو امرأة مثل آدم (ع) في الآدميين، وناقة صالح في الحيوانات وكبش إبراهيم الخليل (ع). أما مَنْ تكوَّن من ماء رجل وماء امرأة فلا شك في ثبوت النسب عرفا، بدليل أن العالم يبحث له عن نسب حتى من ليس لهم دين. وما ثبت عرفا ثبت شرعا، واسقاط النسبية يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك. هذه القاعدة ذكرناها سابقا وقلنا هناك كيف انتقلنا من القضية المهملة إلى القضية المحصورة، أي من نفس المعنى إلى الكليّة،[1] فصار كل ملك عرفا هو ملك شرعا.
وبناء على هذه القاعدة كلمة الابوة والبنوة والولدية موجودة عند العرف والشارع استعملها في القرآن والروايات، وعندما نجد العرف يبحث لطفل الانبوب عن أم وعن أب، يعني أنه يعترف بولديته وأن له نسبا، وإذا ثبت عرفا فقد ثبت شرعا. ولذلك قلنا في تقنية الاستنباط ان إسقاط النسب يحتاج إلى دليل لا إثباته، كما في إسقاط ولد التبني أو ولد الزنا.
المسألة الثالثة: من هو الأب؟
تارة نتكلم في الأب العرفي وتارة في الأب الشرعي.
أما الأب العرفي فهو في عرف الدنيا أحد اثنين:
-الأب البيولوجي أي صاحب النطفة.
-الأب بالتبنّي.
بناء على القاعدة وهي كل من سمي أبا عرفا سمي أبا شرعا وقد أسقط الإسلام الثاني، أي أنه لم يسقط مفهوم الأبوة أو البنوة، بل أبقاها كما هي في المعنى العرفي، أي لم يعتبر المفهوم، نعم تدخّل في بعض أفراده أو أسباب حصوله، فاسقط التبنّي كسبب لتحقق الأبوة، ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[2] واسقاط الابوة هو الذي يحتاج إلى دليل.
أما الأب البيولوجي وهو صاحب الحيمن من الرجل يحتوي على 23 كروموزوما ما سمي بالصبيغيات، واحد منها لتحديد الذكر أو الانثى والباقي تحمل بقيّة الجينات الصفات الوراثية، التي تعيّن صفات العين شكلا وطولا. الولد يأخذ 23 من الرجل و23 من المرأة يندمجان 46، لذلك كل ما عند الانسان من خلايا هي 46 إلا الخليّة الوراثية فتتضمن 23 كروموزوما. ونجد ان العرف اللغوي العام يتبع هذه القاعدة البيولوجية ايضا، ما كان منه 23 كروموزوما فهو الأب، وما كان من 23 الباقية فهي من البويضة وهي تحتوي كروموزوم الأنوثة x، لذلك في الاستنساخ إذا اخذت الخليّة من الرجل التي تحتوي على 46 كروموزوم يكون المستنسخ أخاً للرجل وليس أبنا، وابوه صاحب الـ 23 كروموزوم التي تحتوي yوأمه صاحبة الـ 23 الاخرى. أما في طفل الأنبوب الخليّة المأخوذة هي 23 من الرجل و23 من المرأة، فيكون أبنا لهما.
إذا القاعدة هي اثبات الابوة فلنرى ما هي مسقطات الابوة. بعضهم اشترط المباشرة الجنسية ما ذكره الشيخ محمد جواد مغنية (ره) في كتابه الفقه على المذاهب الخمسة ص376. فقرة التلقيح الاصطناعي حكم الحمل عن السيد محسن الحكيم في مسألة التلقيح الاصطناعي ما هذا نصه : " أما بالنسبة إلى صاحب النطفة فقال السيد الحكيم إن الحمل لا يلحق به لأن إلحاق الحمل بالرجل يتوقف على أن يباشر بنفسه عملية الجنس، سواء أَقَدر عليها أم عجز عنها ولكن سبق منه الماء إلى العضو التناسلي أثناء المحاولة، أو انتقل ماء الرجل إلى عضو المرأة بواسطة المساحقه كما جاء في الرواية المتقدّمة عن الإمام الحسن (ع). ولا يلحق الولد في غير ذلك بصاحب النطفة وإن كان زوجا ……… . وعلى هذا لو ارتكب هذا التلقيح المحرَّم إنسان، وحصل الحمل، فلا ينسب الولد إلى الزوج لأنه لم يتولد من مائه، ولا إلى صاحب النطفة لأنه لم يباشر عملية الجنس بنفسه لا زوجا ولا شبهة، ولكنه ينسب إلى الحامل لأنه ولدها حقيقة، فيكون ولدها شرعا ـ [3]
في مقام الجواب نقول: إن ادعاء اشتراط المباشرة في العمليّة الجنسية أو ما شاكلها لإلحاق الحمل بالأب هو ادعاء بدخالة ذلك في مفهوم الولدية، فاصبحت الشيهة مفهوميّة، أي ما هو مفهوم الولدية أو الأبوة؟
وقلنا في كل شبهة مفهوميّة هناك تسلسل متّبع: اولا اطرق باب الشارع فان لم أجد انتقل منه واطرق باب العرف، فان لم اجد اطرق باب اللغة، فان لم أجد آخذ بالقدر المتيقن، فان لم اجد اصبح الدليل مجملا وأعود إلى دليل آخر.
الحاق الحمل بالأب أي الابوة هل لها حقيقة شرعية غير الذي عند العرف؟ [4]لم نجد ذلك في الولدية. الولدية في المعنى العرفي يشترط فيها لا المباشرة ولا شبه المباشرة في الجنس، وما كان ولدا عرفا كان ولدا شرعا واشتراط هذه الامور هو الذي يحتاج إلى دليل، أي اسقاط الولدية باشتراطات هو الذي يحتاج إلى دليل. إذن كلام السيد الحكيم (ره) لا دليل عليه. فلما كان صاحب الحيمن هو الأب بدون شروط فايضا الشرع يعتبر انه هو الاب، اشتراط المباشرة هو الذي يحتاج إلى دليل.
البيولوجيون لم يخرجوا عن هذا العرف العالمي بل لا علاقه لهم بتحديد مفهوم الأب، عملهم فقط في تحديد من اين أتى هذا الولد، وتقنية الولد لا دخل لهم في تحديد من هو الأب ومن هي الأم، العرف هو الذي يحدد ذلك وإذا كان له احكام شرعية أصبح من شأن الفقهاء تحديد ذلك. التقنية في طفل الأنبوب للبيولوجيين ولكل علم مجاله، ومجال من هو الأب للعرف ان يحدد وهو يرى أن صاحب الحيمن هو الأب واسقاط الابوة عنه هو الذي يحتاج إلى دليل وليس اثبات البنوة هي التي تحتاج للدليل. نعم تدخل في أحكام البنوة كما في حرمانه من الإرث، لكن تغيير الأحكام شيء وتغيير المفهوم شيء آخر.
غدا ان شاء الله نكمل من هو الأب.


[1] والفرق بين المهملة والمحصورة: ان المهملة لا تحصر الافراد بعكس المحصورة.
[3] الفقه على المذاهب الخمسة ص376 فقرة التلقيح الاصطناعي: حكم الحمل.
[4] كما اشتهر ذلك في الصلاة مثلا، حيث نقلت من المعنى اللغوي إلى معنى آخر، ولما طرقنا باب الشارع سألناه: هل للصلاة معنى خاص عندك؟ هل لها حقيقة شرعية؟ أجابنا: نعم الصلاة اصبح معناها عندي العبادة المشتملة على ركوع وسجود , .. هذه الحقيقة الشرعية لا نجدها في الأبوة ولا البنوة ولا الاخوة ولا غيرها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo