< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
- ثبوت النسب، الدليل الثاني: كل ولد عرفي هو ولد شرعي.
5 - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن علي بن أبي حمزة، عن إسحاق ابن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أتى رجل امرأة فاحتملت ماء [ه] فساحقت به جارية [يته] فحملت رجمت المرأة، وجلدت الجارية، والحق الولد بأبيه .[1]
إلا أن فيها " فساحقت به جاريته" في نسخة اخرى، فتكون تطبيقا صريحا في مقامنا هو إلحاق الولد بزوجته أو مملوكته.[2]
الدليل الثاني على أن الأب هو صاحب النطفة: ( الاصل اللفظي) هو أن الأبوة والبنوة والأخوة والولديّة ليست مفاهيم شرعية بلا هي بعينها المفاهيم العرفية أي ليس هناك حقائق شرعية فيها وان كان يمكن ادعاء ذلك لان بعضهم نفى الابوة عن ولد الزنى باعتبار ان " ولد الزنى لغية لا يورّث " كما ورد في الرواية، لذا فكل ولد عرفي هو ولد شرعي، وكل أب عرفي هو أب شرعي، وهكذا الأم والابن والبنت والخال والخالة والعمة والجد والجدة وهكذا. وهو أصل لفظي وإنما قدّمنا النصوص عليه مع أن كليهما أمارة لكون النص أخص أو لرفع موضوع الأصل.
وذلك لأن الاصل عدم النقل، فالمفهوم العرفي هو نفسه المفهوم الشرعي، وعليه فإسقاط الأبوة عن الأب العرفي هو الذي يحتاج إلى دليل وإن كان أمرا حادثا، وبهذا يكون إلحاق النسب في وطء الشبهة على القاعدة. نعم إذا وصلت النوبة للأصول العملّية فالأصل عدم كونه أبا.
بل أزيد من هذا، فقد وردت الروايات في اعتبار ولد الزنى ولد، نذكر منها: في الكافي، ح1: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ إِذَا وَقَعَ الْحُرُّ والْعَبْدُ والْمُشْرِكُ بِامْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَادَّعَوُا الْوَلَدَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَكَانَ الْوَلَدُ لِلَّذِي يَخْرُجُ سَهْمُه.[3]
وفي الوسائل، ح3: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع الحر والعبد والمشرك بامرأة في طهر واحد فادعوا الولد أقرع بينهم فكان الولد للذي يخرج سهمه.[4]
من حيث السند الرواية معتبرة. وفي شرح السند هناك طريقين: عن الحلبي ومحمد بن مسلم، فإذا قلنا أن الاستفاضة تكون بسندين وما فوق صار السند مستفيضا.
ومن حيث الدلالة، فلا يخلو الأمر: إما أن تكون حلال أحدهم شرعا، زواجا أو ملكا أو تحليلا، بحيث ينطبق عليه أنه فراش شرعا، فالقاعدة حينئذ هي نسبة الولد، ولا مجرى للقرعة.
وإما أن يكون الثلاثة قد زنوا بها، فالمورد حينئذ مورد القرعة، فإنها لكل أمر مشتبه أو مجهول [5] كما ورد في نصوص القرعة، انظر الوسائل ح11: وباسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن موسى بن عمر، عن علي ابن عثمان، عن محمد بن حكيم [ حكم ]، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شيء فقال لي: كل مجهول ففيه القرعة، قلت له: إن القرعة تخطئ وتصيب قال: كلما حكم الله به فليس بمخطئ. محمد بن علي بن الحسين باسناده عن محمد بن حكيم مثله.[6]
ومع كون الولد ولد زنى فقد نسبه لأب واحد منهم.
نذكر ايضا الرواية الثانية في اعتبار ولد الزنى ولد وهي معتبرة.
الكافي، ح 2: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ u قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّه r - عَلِيّاً u إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَه حِينَ قَدِمَ حَدِّثْنِي بِأَعْجَبِ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّه أَتَانِي قَوْمٌ قَدْ تَبَايَعُوا جَارِيَةً فَوَطِؤُوهَا جَمِيعاً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَوَلَدَتْ غُلَاماً واحْتَجُّوا فِيه كُلُّهُمْ يَدَّعِيه فَأَسْهَمْتُ بَيْنَهُمْ وجَعَلْتُه لِلَّذِي خَرَجَ سَهْمُه وضَمَّنْتُه نَصِيبَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ r إِنَّه لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ تَنَازَعُوا ثُمَّ فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِلَّا خَرَجَ سَهْمُ الْمُحِقِّ.[7]
والظاهر أن الثلاثة قد زنوا بهذه المرأة لأن الوقوع تمّ في طهر واحد بدون عدّة، فادعاء الولد يعنى أن المغروس في الأذهان هو أن الولد لصاحب الماء، والشرع جعل الولد للذي يخرج سهمه باعتبار أن صاحب الماء غير معروف، وليس هناك قاعدة يمكن الخروج من الاشكال فيها والقرعة لكل أمر مجهول.
إلى هنا ننتهي في مسألة ثبوت النسب إلى ان النسب يثبت لمن كان صاحب الماء ولو من غير وطء ومباشرة، واصالة عدم كونه أبا لا تجري لأنها اصل عملي والاصل العملي لا يجري مع وجود الروايات والاصل اللفظي، إذن النكاح الصحيح يثبت النسب، ووطء الشبهة ايضا يثبت النسب، وكذلك انتقال الماء من غير وطء الولد يكون لصاحب الماء سواء كان عن وطء شرعي زواجا أو ملكا أو تحليلا أوعن وطء غير شرعي، وسواء وطء أم لم يطء.
هذا بالنسبة للأب، أما بالنسبة للأم فكذلك يلحق بأمه التي حملته وهي صاحبة البويضة.
غدا ان شاء الله نكمل مسألة طفل الانبوب.


[2] فائدة: نلاحظ انه في الروايات هناك اهتمام بملاحظة الطرف الآخر، ذكر في الرواية وفي غيرها انها " قامت من حموتها " إي انها لم تستوفي حاجتها، وزانها وزان " من بات واصبح ولم يهتم بشؤن المسلمين فليس بمسلم "، وكما ذكرنا سابقا بانه يمكن تلخيص رسالة الاسلام الاجتماعيّة بانها ارادت خروج الناس من الظلمات إلى النور، من الحالة الاعرابية إلى الحضارة، من البداوة التي تحركها الغرائز همه نفسه أنانيته، لذلك الدكتور جواد علي في كتابه " تاريخ العرب قبل الاسلام " يقول: ان العربي كان يناصر الامير فإذا انهزم الامير كان اول من يسلبه. ويذكر ايضا انه في بعض الادعية كان العربي يدعو الله ويقول: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا احدا. الاجدر هنا ان يقول الدكتور ان هذه النفسية هي نفسية الاعراب ) الأعراب أشد كفرا ونفاقا ( وليس نفسية العرب، لان العرب عنصر من العناصر الجيدة في العالم، منهم رسول الله (ص) وأهل البيت سلام الله عليهم. وذكرنا سابقا ان الاعراب ليس عبارة عن اشخاص في مجتمع وليس عبارة عن عنصر، بل هم عبارة عن منهج. نذكر بعض الروايات التي تهتم باستيفاء الحالات الجنسية:
* مكارم الاخلاق، ص217: عن رسول الله r: خير الرجال من أمتي الذي لا يتطاولون على أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم.
* ميزان الحكمة، محمد محمدی ری شهری، ج5، ص98: عن رسول الله r: قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا.
*ميزان الحكمة، محمد محمدی ری شهری، ج5، ص101: وعنه r: إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى فم زوجته. ( " رفع اللقمة " معنى كنائي المراد أن يشعرها بحنان واهتمام).
* مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج14، ص150: وعنه عليه السلام، أنه قال: " جاء عثمان بن مظعون إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله إلى أن قال وهممت أن أُحرِّم خولة على نفسي يعني امرأته قال: لا تفعل يا عثمان، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، وحضرتهما الملائكة، فإذا اغتسلا لم يمر الماء على شعرة (من كل واحد) منهما، إلا كتب الله لهما (بها) حسنة، ومحا عنهما (بها) سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة، قال الله عز وجل للملائكة: انظروا إلى عبدي هذين اغتسلا في (هذه) الليلة الباردة علما أني ربهما، أشهدكم أني (قد) غفرت لهما، فإن كان (لهما) في وقعتهما تلك ولد، كان لهما وصيفا في الجنة، ثم ضرب رسول الله .r بيده على صدر عثمان وقال: يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإن من رغب عن سنتي، عرضت له الملائكة يوم القيامة، فصرفت وجهه عن حوضي ".
* لآلي الأخبار ص233: روي عن الصادق u: إذا أتى أحدكم أهله فليكن بينهما ملاعبة، إن الجماع من غير مزاح وتقبيل مثل فعل الحمار.
* الكافي، الشيخ الكليني، ج11، ص309، ح10397: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مِسْمَعٍ أَبِي سَيَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه u قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه r إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَه فَلَا يُعْجِلْهَا.
* الكافي، الشيخ الكليني، ج11، ص135، ح10128: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيِّ عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه u قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه r إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْتِيهِنَّ كَمَا يَأْتِي الطَّيْرُ لِيَمْكُثْ ولْيَلْبَثْ قَالَ بَعْضُهُمْ ولْيَتَلَبَّثْ.
واذكر ايضا انه في احد المحاضرات في الجامعة اليسوعية سئلت عن التربية الجنسية في المدارس؟ كان الجواب: ان هذه التربية موجودة في بطون الكتب الفقهية كثيرا وموجود عندنا أكثر من الف سنة، وبطريقة مؤدبة ومهذبة تؤدي إلى صلاح الناس وليس إلى خرابهم وافسادهم كما هو في التربية التي تريدونها. وكما ورد في مضمون الحديث " اياكم ان تقبلوا على نسائكم اقبال البهائم وعليكم بالرسول، قيل: وما الرسول، قال: القبلة والمداعية.
هذه الامور كما ذكرنا تريد ان تخرج الناس من الظلمات إلى النور، من الانانية والغرائزية المحضة، كما هو الحال في عالمنا المعاصر التوجه نحو مصالح الشخص وغرائزيته وحاجاته فقط، اما الطرف الآخر فلا اعتبار له ولا التفات اليه، وكأن رسول الله (ص) يريد أن يقول لنا: لا تقم عن حليلتك إلا بعد أن تشبع حاجتها كما اشبعت حاجتك. وهذا الحال يختلف عن ما ذكر في الرواية حيث إنها قامت من حموتها وساحقت أخرى، أي قبل أن تستوفي حاجتها الجنسية.
[5] وليس كما ورد بان القرعة لكل امر مشكل، لان للعنوان اثر، فموضوع القرعة يختلف حينئذ. فإذا كان لكل أمر مشكل يدل على ان الابواب جميعا قد سدت امامنا فتأتي القرعة، إما إذا قلنا لأنها لكل أمر مجهول لا يقيّد بسد جميع الابواب، وكذلك الامر في عنوان المشتبه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo