< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
-ثبوت النسب: السبب الثالث: انعقاد النطفة من غير وطء:
قلنا انه بالنسبة للأب، أي من هو أبوه؟ فالظاهر أنه صاحب الماء ولو لم يباشر الزوج عملية الجنس بنفسه.
فالمسألة تصبح كالآتي: هل تشترط مباشرة الجنس حتى يلحق الولد به، فلا يكفي كونه صاحب الماء؟ بعبارة اخرى: يكون لإلحاق الولد شرطان: الأول كونه صاحب الماء والثاني مباشرة العملية الجنسية الوطء.
الشرط الثاني: مباشرة العملية الجنسية.
قلنا أن هناك قاعدة عامة " كل ولد عرفي هو ولد شرعي، واسقاط الأبوة يحتاج إلى دليل وليس إثبات الأبوة وإن كانت الأبوة أمرا حادثا، فأصالة عدم الحادث لا تجري هنا مع جريان القاعدة المذكورة، ولا شك أن اشتراط المباشرة هو الذي يحتاج إلى دليل.
لكن نقل عن السيد محسن الحكيم (ره) في كتاب الفقه على المذاهب الخمسة للشيخ محمد جواد مغنية، اشتراط المباشرة فيقول ما هذا نصه: أما بالنسبة الى صاحب النطفة فقال السيد الحكيم إن الحمل لا يلحق به، لأن إلحاق الحمل بالرجل يتوقف على أن يباشر بنفسه عملية الجنس، سواء أقدر عليها أم عجز عنها ولكن سبق منه الماء الى العضو التناسلي أثناء المحاولة أو انتقل ماء الرجل إلى عضو المرأة بواسطة المساحقة، كما جاء في الرواية المتقدمة عن الامام الحسن: " ولا يلحق الولد في غير ذلك بصاحب النطفة وإن كان زوجا ".
وعلى ايّة حال فإن التلقيح الصناعي حرام، لا يجرأ على القول بحليته مسلم، ولكن التحريم لا يستلزم ان يكون الحمل بسببه ولد زنا، فقد تحرم المقاربة، ومع ذلك يكون الولد شرعيا، كمن قارب زوجته وهي في الحيض أو في صوم رمضان، فإنه يفعل محرما، ولكنها لو حملت يثبت النسب بين الحمل وبين الأبوين، وعلى هذا لو ارتكب هذا التلقيح المحرم انسان، وحصل الحمل فلا ينسب الولد الى الزوج، لأنه لم يتولد من مائه، ولا الى صاحب النطفة، لأنه لم يباشر عملية الجنس بنفسه لا زواجا ولا شبهة، ولكنه ينسب الى الحامل، لأنه ولدها حقيقة، فيكون ولدها شرعا. وكل ولد حقيقي فهو ولد شرعي حتى يثبت العكس. [1]
إذن القاعدة موجودة عند الشيخ مغنية (ره) بالنسبة للأم، لماذا لا تطبق على الأب؟ إلا أن يقال أنه إعتبر أن الأبوة أمر حادث يحتاج إلى دليل، لكن قلنا بعدم جريانها، مع جريان نفس الشيء بالنسبة للأمومة.
الدليل الثاني على عدم اشتراط مباشرة العملية الجنسية الروايات:
الرواية الأولى ما ورد في الوسائل: 1- محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد (ثقة) عن عمرو بن عثمان (ثقة)، وعن أبيه جميعا، عن هارون بن الجهم (ثقة)، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام يقولان: بينما الحسن بن علي في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل قوم قالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين، قال: وما حاجتكم؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة، قال: وما هي تخبرونا بها؟ قالوا: امرأة جامعها زوجها فلما قام عنها قامت بحموتها فوقعت على جارية بكر فساحقتها فوقعت النطفة فيها فحملت، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن: معضلة وأبو الحسن لها وأقول فان أصبت فمن الله ومن أمير المؤمنين وإن أخطأت فمن نفسي فأرجو أن لا أخطئ إنشاء الله: يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة لأن الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها ثم ترجم المرأة لأنها محصنة، وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويرد الولد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم تجلد الجارية الحد، قال: فانصرف القوم من عند الحسن عليه السلام فلقوا أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما قلتم لأبي محمد؟ وما قال لكم؟ فأخبروه، فقال: لو أنني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر مما قال ابني. [2]
وقبل الكلام في المتن والاستدلال لا باس بشرح السند: فالسند فيه استفاضة:
أما الاستفاضة فهي بلفظ " جميعا " اصبح لدينا طريقان إلى هارون بن الجهم عن محمد بن مسلم. والرواية تصبح معتبرة لتوثيق أحد الطريقين على الأقل. وإنما اعتبرت مستفيضة بناء على أن اصطلاح أن الخبر المستفيض هو ما كان له سندان فأكثر من دون أن يبلغ حدّ التواتر.
أما من ناحية المتن والاستدلال:
-يلاحظ في الرواية أنه يؤخذ من المرأة مهر جارية بكر وهذا خلاف القواعد، إذ أن الجناية كانت على البكارة، فينبغي أن يؤخذ فيها دية البكارة.
-إن الاستدلال هو بفقرة " ويرد الولد إلى أبيه صاحب النطفة ".
-إن المساحَقَة هي جارية بكر، ولا يعلم كونها مملوكة للرجل أم أجنبية، فيأخذ بالإطلاق لتشمل كل الحالات: الاجنبية والزوجية والمملوكة.
الرواية الثانية: 2- محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن علي ابن أبي حمزة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دعاني زياد فقال: إن أمير المؤمنين كتب إليَّ أن أسألك هذه المسألة فقلت: وما هي؟ قال: رجل أتى امرأته فاحتملت ماءه فساحقت به جارية فحملت قلت له: سل عنها أهل المدينة فألقى إلى كتابا فإذا فيه: سل عنها جعفر بن محمد فان أجابك وإلا فاحمله إلىَّ، قال: فقلت له: ترجم المرأة وتجلد الجارية ويلحق الولد بأبيه، قال: ولا أعلمه إلا قال: وهو ابتلى بها. ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن إبراهيم مثله [3]. محمد بن الحسن بإسناده عن علي بن إبراهيم مثله. [4]
الكلام في السند والدلالة:
اما السند ففيه علي بن أبي حمزة وهو البطائني حسب الظاهر، وهو واقفي، يقول عنه الحرّ العاملي في الوسائل: واقفي مضعّف، لكن ذكر الشيخ أن له أصلا رواه عنه ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى، وذكروا أنه قائد أبي بصير فكتابه معتمد، وروايته عن أبي بصير من كتابه معتمد.
فبناء على قاعدة توثيق من روى عنه ابن أبي عمير وصفوان بن يحي وأضرابهما يكون علي بن أبي حمزة ثقة والرواية موثقة.
ومن حيث الدلالة يكون الاستدلال بفقرة " ويلحق الولد بأبيه ".
كذلك الرواية الثالثة والرابعة والخامسة من نفس المصدر:
3 - وبإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن إبراهيم بن عقبة، عن عمرو بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام قوم يستفتونه فلم يصيبوه، فقال لهم الحسن عليه السلام: هاتوا فتياكم فان أصبت فمن الله ومن أمير المؤمنين عليه السلام: وإن أخطأت فان أمير المؤمنين عليه السلام من ورائكم، فقالوا: امرأة جامعها زوجها فقامت بحرارة جماعه [5]فساحقت جارية بكرا فألقت عليها النطفة فحملت، فقال عليه السلام: في العاجل تؤخذ هذه المرأة بصداق هذه البكر لأن الولد لا يخرج حتى يذهب بالعذرة وينتظر بها حتى تلد ويقام عليها الحد ويلحق الولد بصاحب النطفة وترجم المرأة ذات الزوج، فانصرفوا فلقوا أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: قلنا للحسن، وقال لنا الحسن، فقال: والله لو أنأبا الحسن لقيتم ما كان عنده إلا ما قال الحسن.[6]
غدا ان شاء الله نكمل الروايات ونعرج على مسالة مهمة بان الله عز وجل يريد برسالته اخرج الناس من أنانيّاتهم إلى إنسانيتهم العامة، وأن يرتقي بهم في سلّم الكمالات.


[1] الفقه على المذاهب الخمسة، الشيخ محمد جواد مغنية، ص 376، ط دار الجواد.
[3] المقصود من ذكر الصدوق (ره) والطوسي (ره) للرواية، أنها مذكورة في كتب الحديث فتكتسب صفة الشهرة الروائية.
[5] المعروف أن العرب كانت تغلب عليهم حياة البدو النزوات هي الاساس فلا يهتم بحاجة المرأة همه راحته لذلك تبقى هي بحموتها كما عبّرت الروايات، ولذلك ورد في نصوص رواياتنا الانتباه لحاجة المرأة ايضا كما في مضمون رواية " لا تاتوا النساء كالبهائم بل عليكم بالرسول "

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo