< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
-انعقاد النطفة من غير وطء:
كان الكلام في ما هي الأمور التي تثبت النسب ليس في مقام الاثبات بل في مقام الثبوت.
بعد ان انتهينا من المحرمات النسبية وقلنا ان البحث سيكون: في ثبوت النسب وانه:
اولا: يثبت بالنكاح الصحيح.
ثانيا: هل يثبت بوطء الشبهة؟ وذكرنا أن ولد الشبهة ولد شرعي سوى ما كان الوطء أثناء ارتفاع التكليف بعذر غير شرعي كالسكران عمدا، فقد ذهب المشهور إلى ان حكم السكران بشرب الخمر حكم الصاحي فالولد ولد زنى، ولكن نحن رجحنا خلافه. وفصلنا هناك بين ارتفاع التكليف بعذر شرعي كما لو كان نائما ثم وطء غير زوجته، إما إذا كان الوطء وهو سكران أي ارتفع التكليف بعذر غير شرعي، قلنا ان المشهور ان السكران كالصاحي في الاحكام ولذلك يقام عليه الحد، ويكون الولد حكمه حكم ولد الزنى.
ثالثا: انعقاد النطفة من غير وطء، هل زرق المني في رحم المرأة يثبت نسبا ويكون الولد ولدا شرعيا؟
رابعا: دخول المني إلى الرحم عن طريق المساحقة هل يثبت نسبا أو لا؟
خامسا: مسألة طفل الانبوب، من هو ابوه ومن هي أمه؟
سادسا: الاستنساخ، من هي الام ومن هو الاب؟
سابعا: القيافة، هل يثبت القيافة النسب أو لا؟
ثامنا: الفحص المخبري للجينات الوراثية الـ " DNA ".
الاول النكاح الصحيح ذكرنا انه يثبت نسبا وهو ابن أبيه وأمه بلا إشكال. والثاني وطء الشبهة ذكرنا أنه أيضا يثبت نسبا وذكرنا أن أحكام الصاحي ليست كأحكام السكران.
الثالث من اسباب ثبوت النسب: انعقاد النطفة من غير وطء:
فلو دخل منيُّ رجل إلى رحم امرأة من غير وطء، كما لو تمّ زرق المني في رحمها، أو أهرق ماءه على باب الرحم، أو لأسباب أخرى، فما هو حكم الولد، وهل يثبت له نسب بذلك فتكون أمه صاحبة الرحم والنطفة، وأبوه صاحب المني؟
هنا حالتان: فتارة تكون زوجته، واخرى أجنبية عنه.
فإن كانت زوجته فلا شك في إلحاق الولد بها إجماعا ولا أجد فيه مخالفا، هذا بالنسبة إلى الام.
وأما بالنسبة للأب، أي من هو أبوه؟ فالظاهر أنه صاحب الماء ولو لم يباشر الزوج عملية الجنس بنفسه.
فالمسألة تصبح كالآتي: هل تشترط مباشرة الجنس حتى يلحق الولد به، فلا يكفي كونه صاحب الماء؟ بعبارة اخرى: يكون لإلحاق الولد شرطان: الأول كونه صاحب الماء والثاني مباشرة العملية الجنسية الوطء.
أما الشرط الاول وهو كونه صاحب الماء، فلا ينبغي الشك فيه، لما سنذكر لاحقا من أنه لا حقيقة شرعية للولدية، بل المفهوم من الولد شرعا هو نفسه المفهوم عرفا [1]، والنقل يحتاج إلى دليل. هذا بالإضافة إلى ما ورد من روايات سوف نذكرها لاحقا.
نعم يظهر من بعض الفقهاء من العامة والخاصة عدم اشتراط كون الاب صاحب الماء. ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بطفل الانبوب والاستنساخ في ص54 تحت عنوان: " أقوال مستغربة " ونذكر منها ما نقله صاحب كتاب المغني ابن قدامة عن أبي حنيفة من أنه لو تزوج رجل امرأة في مجلس ثم طلقها فيه قبل غيبته عنه، أو تزوجها وهو في المشرق وهي في المغرب ثم أتت بولد لستة أشهر من حين العقد لحقه [2]. وقال في المغني: [ ولو تزوج رجل امرأة في مجلس ثم طلقها فيه قبل غيبته عنهم ثم أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد أو تزوج مشرقي بمغربية ثم مضت ستة أشهر وأتت بولد لم يلحقه، وبذلك قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يلحقه نسبه لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ومدة الحمل ..... ] ومنها ما لا نعلم مكانه من الصحة في نظر العلوم البيولوجية، كالذي ذكره صاحب المغني أيضا في نفس المجلد والصفحة: [ إن كان الزوج طفلا له من العمر عشر سنين فحملت امرأته لحقه ولدها ].[3]
واما بالنسبة للخاصة من الشيعة كالذي نقله صاحب المسالك ج2 فصل أحكام الأولاد: [ إذا تحقق الدخول من الرجل ولم ينزل لحقه الولد . ـ .] عن الفقه على المذاهب الخمسة للشيخ محمد جواد مغنية فقرة التبني ص371. ولعل دليله هو الروايات الواردة بإلحاق الولد بالزوج ولو مع العزل، كما في الوسائل: عن عبد الله بن جعفر، في قرب الإسناد عن السندي بن محمد [4]عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال: " جاء رجل إلى رسول الله فقال: كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد فقال " إن الوكاء قد ينفلت فالحق به الولد " .[5]
فهذه الرواية تدل على وجوب الحاق الولد عند الدخول وعدم الانزال، خصوصا إن قول السائل " كنت أعزل ". ظاهر في العلم بعدم وصول مائه إلى الرحم. إلا أن كلامه (قده) في قوله : " إن الوكاء قد ينفلت " تدل على احتمال الإنزال من دون قصد، والوكاء هو ما يربط به الوعاء، وهذا يعني أنه مع احتمال الإنزال وأن يكون الولد منه يلحق به الولد، أما مع العلم بعدم الانزال وأنه ليس منه فلا يشمله الحديث. إلا أن يقال أنه حتى مع الدخول ولو بدون إنزال قد يكون هناك شيء من المني. (وهذه دعوى ادعاها بعض الاخوة الطلبة نقلا عن دراسة علمية بيولوجية).
هذا في الشرط الاول لإلحاق الولد بابيه وهو بان يكون الاب هو صاحب الماء.
اما الشرط الثاني: وهو مباشرة العملية الجنسية: وقلنا ان القاعدة " كل ولد عرفي هو ولد شرعي"، وإسقاط الأبوة يحتاج إلى دليل ولا شك أن اشتراط المباشرة هو الذي يحتاج إلى دليل [6] . وهنا قد يقال أن الابوة أمر حادث فالأصل عدم الابوة فإثبات الابوة يحتاج إلى دليل. نقول: أن الاصل هو الابوة لأن الماء منه فكل أب عرفي هو أب شرعي فحينئذ اسقاط الابوة هو الذي يحتاج إلى دليل، ليس هناك مصطلح خاص شرعي للأبوة ولا للبنوة ولا للولدية، بل كل هذه المصطلحات مصطلحات عرفية كانت موجودة استعملها الشارع.
غدا ان شاء الله نكمل شرط الاشتراط المباشرة للوطء


[1] تذكير: في الشبهة المفهومية عندما لا نعلم المفهوم للفظ ما، اولا نطرق باب الشارع، الحقيقة الشرعية. ثانيا نطرق باب العرف. ثالثا: نطرق باب اللغة، وإلا فالقدر المتيقن، وإلا اصبح الدليل مجملا.
[2] ولعلَّ دليه هو اطلاق قول رسول الله " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولعله فهم أن الولد للزوج الشرعي وإن لم يقارب زوجته للإطلاق. إلا اننا قلنا أن الرواية واردة مورد ضرب القاعدة وهي أن الولد للزوج عند الشك، وأما مع العلم بأن الولد ليس منه، فلا ترد القاعدة. وقد سمعت ايضا، عن بعض المفسرين في قوله تعالى: ) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ .( سورة الحجر أية22، بأنه مطلق التلقيح ومنه ما نحن فيه!
[3] المغني، عبد الله بن قدامة، ج9، ص54.
[4] ثقة وجه من أصحابنا القميين.
[6] فائدة: كل لفظ يمر في رواية حتى ولو كانت الرواية غير صحيحة أو معتبرة بل حتى لو كانت الرواية كاذبة وكنا نقطع ونعلم بكذبها، لكن مجرد استعمال الامام للفظ يدل على قبول اللفظ شرعا وحينئذ يلزمه اللوازم نفسها. هذا المبنى او هذه القاعدة غير موجودة في الاصول، ومفادها: إن الكذب يكون في الاخبار والنسبة لا في المفردات لأنه يكون خطأ في الاستعمال، وذكرنا كمثال لذلك مسألة الملك، والملك عرفا هو الملك شرعا وهو ينسب إلى اثنين: إلى الشخص وإلى الجهة كالجمعية والدولة وغيرهما، فالجهة تملك لان العرف يعتبرها مالكة إذن الشرع يعتبرها مالكة، واسقاط الملكية عنها هو الذي يحتاج إلى دليل، وهذا خلاف ما ذهب اليه بعض الاساطين كالسيد الخوئي (ره) فقال ان الجهة يمكن ان تملك ولكن الاثبات هو الذي يحتاج إلى دليل. ولكن نحن نقول ان الاصل ان الجهة تملك لكن اسقاط التمليك هو الذي يحتاج إلى دليل، ولذلك ورد الاسقاط في المالك والمملوك والسبب. وهذا ينفعنا في كثير من الموارد كاثبا أصالة الصحة في الايقاعات الواردة في النصوص غير موجودة ويمكن اثبات هذه الاصالة التي وردت بالروايات بهذه القاعدة والفائدة التي ذكرناها، ومن دونها لا يمكن اثبات اصالة الصحة في الايقاعات، إذ لا توجد عند العقلاء هكذا اصالة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo