< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/01/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
- المحرمات النسبة.
-الكلام في عدم توحيد القرآن الخطاب للمرأة.
-لماذا لم يذكر: حّرِّم عليكنَّ آباؤكنَّ.
أولا تحريم النسب الذي ذكر في كتاب الله عز وجل: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ ﴾ [1] ثم يكمل في تحريم الأسباب.
ذكرت سبعة أصناف للتحريم لان بعضها كان متداولا عند بعض الأديان السابقة من التزوج من الأخت والخالة والعمة.
ذكرنا معنى النسب وتحريم الأم ومعناها، وان ليس المراد من الأم خصوص الأم المباشرة بل الأم وإن علت أي تشمل الجدة، قلنا ان نفس لفظ الأم لا يشمل الجدّة لغة إلا من باب المجاز الكثير، لكنه محل اجماع ان الجدة لا يجوز نكلحها، بل هو من المسلمات، بل هو من الضرورات. سنبحث بعد ذلك في ثبوت النسب، هل يثبت ولد الزنى؟، الولد بغير وطء هل هو ولد أو لا؟ وطفل الانبوب والاستنساخ، والأمور الحديثة هل يكون ولدا أو لا؟
نأتي للمحرمات وقلنا أنه يحرم الأمهات والحكم يشمل حتى الجدة أو الجدات سواء كانت لأم أو لأب، وهذا من المتسالم عليه، لكن البحث في كيفية الدلالة.
-ويحرم البنت وإن سفلت، أي الحفيدة.
-والأخت، وهي المشتركة معك في أب أو أم وليس فيها علو ولا سفل.
-والعمّة وإن علّت، وهي كل انثى تكون أختا لذكرٍ وَلَدَك من أب أو ام.
-والخالة وإن علت، وهي كل انثى تكون اختا لانثى ولدتك من أب أو أم.
-وبنت الأخ وإن نزلت أي بنت البنت.
-وبنت الأخت وأن نزلت.
تنبيه في دلالة الآية: وجهت الآية الكريمة الخطاب إلى الرجل، ولم توجهه للنساء فهل يحرم آباء المرأة عليها وأعمامها وأخوالها وهلمّ جرا؟ مع العلم أن تحريم الأب على البنت من المسلمات بل من الضرورات. لماذا لم يقل في القرآن مخاطبا النساء: " حُرَّم عليكنَّ آباؤكنَّ وإخوانكنَّ ... "؟ هل الشارع اتكل على فهم اللغة والعرف للآية أو اتكل على أمور أخرى؟ لماذا لم يذكر القرآن حرمت عليكنّ؟
هذا الاستفهام يرد في كثير من المواضع التي ذكرت في القرآن الكريم ولم يخاطب فيها النساء. قبل الشروع في حل هذه
المسألة وعلى أي شيء اتكلوا في مقابل التحريم.
نقول: أن القرآن ابن البيئة والعرف واللغة، واللغة تأتي على حسب بيئتها، والعالم إلى يومنا هذا يجد أن الذكورة هي الأساس في مقام التخاطب، خالق الكون مع أنه لا ذكر ولا انثى لم يخاطب بخطاب انثوي.
هل هذا الخطاب خلاف لحقوق المرأة واستهانة بها كما قد يحاول بعض المجدِّفين الترويج له؟ وإذا خوطبت الانثى يكون خلاف لحقوق الرجل، وإذا كان الخطاب مشتركا ينبهم المخاطب. فاحد أربعة أمور: إما أن نخاطب بالذكورة، أو بالأنوثة، أو بهما معا، أو لا نخاطب. فالعالم بأكمله حتى في اللغات الأجنبية كالفرنسية في مقام الخطاب حتى ولو كانت النساء اكثر من الرجال يكون الخطاب للذكور وليس للإناث. القرآن لم يأت لترجيح فئة على فئة وجنس على جنس، بل جاء لبيان حقائق الكون وبيان عقيدة وتشريع، ويستخدم اللغة التي كانت موجودة لتفهيم الناس لأنه يتكلم مع الناس بلغتهم وبعرفهم، وخطاب الله عز وجل بلغة الذكورة لا بلغة الانوثة لأن العرف على ذلك، فلو خاطب العرف بغير ما هو المتداول عليه لسخروا منه واصبح في مقام استهزاء.
بعض الفقهاء حل الأمر بوجود ملازمة عرفية بين الذكورة والأنوثة فالإتيان بخطاب آخر بان يأتي بآية أخرى فيقول: " حرمت عليكنّ آبائكنّ وامهاتكنّ وبناتكنّ وخالاتكنّ وعماتكنّ إلى آخره "، يصبح هذا الخطاب الثاني لغوا. هذا توجيه.
وتوجيه آخر يقول بعدم وجود هذه الملازمة، فيمكن أن يكون عقد واحد ويختلف الطرفان في الحكم. واخرون قالوا حتى مع وجود العقد الواحد يمكن أن يكون من جهة حرام ومن أخرى حلال، مثلا في البيع يوم الجمعة وقت النداء، حيث يكون أحد الطرفين مقيما والآخر مسافرا، فيختلف حكما الطرفين.
هذه المسألة أحببت أن أسلط الضوء عليها، وهي تفيدنا في فهم أحكام أخرى من غير المنطوق وذلك بالملازمات العرفية. وثانيا هل في مورد واحد وعقد واحد يمكن أن يكون هناك حكم بالحلية من جهة وحكم بالحرمة من جهة ثانية، أو لا؟
يقول صاحب الجواهر: وكيف كان فيستفاد من الآية مضافا إلى ذلك أن مثلهنَّ من الرجال يحرم على النساء، فيحرم الأب وإن علا على البنت، والولد وإن سفل على الأم، والأخ وابنه وابن الأخت على الأخت والعمّة والخالة، وإن علا وكذلك الخال على بنت الأخ وبنت الأخت، والضابط من لو كان امرأة وهي رجل كان محرما مع بقاء النسب بعينه، لأن التحريم من أحد الطرفين هنا يستلزم التحريم من الطرف الآخر [2]، ولعلّ ذلك هو السبب في تخصيص الله تعالى في الآية المحرّمات على الرجال ولم يذكر العكس. انتهى [3].
هذا الاستلزام مسلّم به فهو عرفا كذلك ومسلّم عند الجميع، ومعه لا حاجة لبيان ذلك فهو خلاف البلاغة.
نعم وقع الكلام في سبب هذه الملازمة، وهذا نتركه لغد إن شاء الله تعالى.


[2] صاحب الجواهر تخلص من الاشكال بأن السبعة الأخرى نستفيدها من الدلالة الالتزامية البينة بالمعنى الأخص للأولى. ومع فقد هذه الدلالة البينة بالمعنى الأخص تنتفي الدلالة ونحتاج حينئذ إلى بيان، إلى مورد استنباط واستدلال إذا كانت الدلالة بينة بالمعنى الاعم أو غير بينة. لأن البين بالمعنى الأعم يحتاج إلى إلفات نظر للموضوع وغير البيِّن يحتاج إلى نظر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo