< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/12/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان:حكم ابتداء النساء بالسلام.
نكمل، ان رسول الله (ص) كان يسلم على النساء من دون تقييد ويرددن عليه، أي هو يسلم ويسمع السلام منهنّ أي ان السلام سبب لسماع صوتها فيكون هو الموجه له.
وقد أجاب بعضهم على ذلك: بأن النبي (ص) أبٌ لهذه الأمّة جميعا، كما يظهر من قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [1] ولذلك حرُمَ التزوج بهنّ بعده، فلا تبقى في الرواية دلالة على جواز ابتداء الأجنبية بالسلام.
ورده السيد الخوئي (ره) في كتاب النكاح ج 32 من موسوعة الإمام الخوئي: [ إنما يتم في خصوص ما روي من فعله (ص)، فيبقى فعل أمير المؤمنين (ع) حجةً على الجواز بل الاستحباب ].[2]
ونعلّق على كلام السيد الخوئي (ره): بأن جوابه أيضا مردود حيث ورد: " أنا وأنت يا عليّ أبوا هذه الأمة ".
والجواب الصحيح أن المراد من الأبوة هو الرعاية والحنو والإرشاد، فلا يستنبط منها حكم شرعي، وأزواج الرسول أمهات المؤمنين بمعنى عدم جواز نكاحهن بعد الرسول (ص).
فإذن ما ذكر بأن الرسول (ص) أبو هذه الامة ليس جوابا على هذه المسألة فتبقى الرواية ظاهرة في الامرين: أولا: في استحباب السلام حتى على الشابة بذاته. وثانيا: بشرط أن لا يدخل عليه منها شيء. العلّة هنا كما انها تضيّق أيضا هي توسع، حيث أن الحكم يدور وجودا وعدما مدار العلّة، ولو فرض دخول شيء في النفس عند السلام على العجوز يسقط الثواب حينئذ، وأن كانت الشابة هي موضوع هذه الرغبة بحسب طبيعة البشر.
أدلة جواز السلام بل استحبابه:
وجود عمومات استحباب التسليم: ورد في علل الشرائع: حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن إبراهيم بن خارج الأصم البستي بها في مسجد طيبة قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن الجنيد قال: حدثنا أبو بكر عمرو بن سعيد قال: حدثنا علي ابن زاهر قال: حدثنا حريز، عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أتخذ الله إبراهيم خليلا، إلا لإطعامه الطعام، وصلاته بالليل والناس نيام. [3]
وغير الكثير من المطلقات. قد يقال " افشاء السلام " مقابل الحرب والعنف والقهر، نقول: لا مانع من الجمع، ولكن هو خلاف الحمل على الظاهر بالسلام العادي المتعارف بين الناس الذي هو مقدّمة لإنشاء علاقة بين افراد المجتمع. أي هي مقدمة لإنشاء السلام بالمعنى الأول.
النتيجة: على هذا يتحصل مما تقدّم: أن ابتداء المرأة بالسلام كابتداء الرجل به، أمر مستحب ومرغوب شرعا من دون تقييد بالمحارم أو غيرها، نعم في خصوص السلام على الشابة إذا خاف الرجل أن يعجبه صوتها بحيث يأنس به يلتزم بالكراهة، بل نستطيع ان نعمم الكراهة حينئذ لكل امرأة تحصل هذه الحالة معه.
فرع آخر: سماع صوت الأجنبية:
-سماع صوت الأجنبية محل ابتلاء كثير، وتردنا بعض الأسئلة عن صوت النساء في مكبرات الصوت ومنها صوت قارئة العزاء..
نسب إلى المشهور حرمته حيث يقول المحقق الحلي (ره) في الشرائع: [ الأعمى لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية لأنه عورة ]. [4]
ويقول صاحب الجواهر في شرحه على الشرائع ج 29 ص 97: [ المسألة (الثانية): (الأعمى) فضلا عن المبصر (لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية) مع التلذذ أو الريبة وخوف الفتنة قطعا، أما مع عدم ذلك فقد يظهر من المتن والقواعد والتحرير والإرشاد والتلخيص الحرمة أيضا (لأنه عورة)، فيحرم سماعه حينئذ ويجب عليها ستره على كل حال، بل قيل: إنه المشهور وإنه مقتضى المستفيض من محكي الاجماع، ولعل مراده ما تقدم في الصلاة من حرمة الجهر عليها مع سماع الأجانب، فإن في كشف اللثام وغيره الاتفاق على أن صوتها عورة، ولذا حرم عليها ذلك، بل وبطلت صلاتها كما حررناه في محله. قال الصادق (عليه السلام) في خبر: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ولا تبدؤوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام، فإن النبي صلى الله عليه وآله قال: النساء عي وعورة، فاستروا عيهن بالسكوت واستروا عوراتهن بالبيوت " وقال (عليه السلام)، أيضا في خبر غياث بن إبراهيم: " لا تسلم على المرأة " وغير ذلك مما سمعته وغيره الذي، منه النهي عن الجهر بالتلبية بل قد تقدم في كتاب الصلاة ما يقتضي المفروغية من حرمة الجهر عليها بالقراءة مع سماع الأجانب، وبدونه مخيرة، وكذا الكلام في الأذان ].[5]
إذن نلخص أدلة المحرمة التي ساقها في الجواهر في نقاط:
-المشهور، أو الإجماع المحكي.
-عدم جواز الجهر في الصلاة.
-قول المؤمنين عن النبي (ص): " استروا عيَّهنّ بالسكوت ".
-خبر غياث بن إبراهيم: " لا تسلم على المرأة ".
-النهي عن الجهر بالتلبية.
يجيب صاحب الجواهر بأمور، يقول: [ لكن ذلك كله مشكل بالسيرة المستمرة في الأعصار والأمصار من العلماء والمتدينين وغيرهم على خلاف ذلك، وبالمتواتر أو المعلوم مما ورد من كلام الزهراء وبناتها (عليها وعليهن السلام)، ومن مخاطبة النساء للنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) على وجه لا يمكن إحصاؤه ولا تنزيله على الاضطرار لدين أو دنيا، بل قوله تعالى: ) فلا تخضعن بالقول ( دال على خلاف ذلك أيضا، ولعله لذا وغيره صرح جماعة كالكركي والفاضل في المحكي عن تذكرته وغيرهما ممن تأخر عنه كالمجلسي وغيره بالجواز، بل بملاحظة ذلك يحصل للفقيه القطع بالجواز، فضلا عن ملاحظة أحوالهم في ذلك الزمان، من كونهم أهل بادية، وتقام المآتم والأعراس وغيرها فيما بينهم، ولا زالت الرجال منهم مختلطة مع النساء في المعاملات والمخاطبات وغيرها. نعم ينبغي للمتدينة منهن اجتناب إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع وتحسينه وترقيقه حسبما أومأ إليه الله تعالى شأنه بقوله: ) فلا تخضعن بالقول ( إلى آخره، كما أنه ينبغي للمتدينين ترك سماع صوت الشابة الذي هو مثار الفتنة حسبما أومأ إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في تعليم الناس فيما رواه عنه الصدوق قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلم على النساء ويرددن عليه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلم على النساء ويكره أن يسلم على الشابة منهن، ويقول: " أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي من الإثم أكثر مما أطلب من الأجر "، بل ينبغي ترك ما زاد على خمس كلمات لخبر المناهي [6]قال: " ونهى أن تتكلم الامرأة عند غير زوجها أو غير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لا بد لها منه "، المحمول على الكراهة قطعا، لضعف سنده، واشتماله على كثير من النواهي المراد منها ذلك، ولإجماع الأمة على جواز الازيد مع الضرورة، وفي المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة تميت القلب: أحدها كثرة مناقشة النساء، يعني محادثتهن " إلى غير ذلك مما لا يخفى على من أعطاه الله تعالى معرفة لسانهم ورمزهم ظهور إرادة الكراهة، وبالجملة سماع أصواتهن كسماعهن أصوات الرجال في القطع بالجواز ما لم يكن أحد الأمور السابقة، من غير فرق بين الأعمى والمبصر ].[7]
إذن نتيجة الكلام: ان سماع الأجنبية بهذه الكثرة الهائلة التي وردت من أقول الأئمة (عليهم السلام) من كلامهم مع النساء وكلام النساء معهنّ مما لا يمكن حمله على الاضطرار كما يمكن أن يقال في خطاب الزهراء (ع) والسيد زينب (ع).
ونحن بدورنا نذكر قضيّة حبابة الوالبية: وهي من المحدِّثات ورجال الحديث بالمعنى الاعم، روى الكشي وغيره مدحها وحسن حالها وأنها بقيت من زمان أمير المؤمنين (ع) إلى زمان الرضا (ع) وروت عنهم جميعا واطلعت على كرامتها. يقول في جامع الرواة ج 1 ص 177، أقول: وقال الكشي (53): 1 - " محمد بن مسعود، قال: حدثني جعفر بن أحمد، قال: حدثني العمركي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عنبسة بن مصعب وعلي بن المغيرة، عن عمران بن ميثم، قال: دخلت أنا وعباية الاسدي على امرأة من بني أسد، يقال لها حبابة الوالبية، فقال لها عباية: تدرين من هذا الشاب الذي هو معي؟ قالت: لا، قال: مه ابن أخيك ميثم، قالت اي والله، اي والله، ثم قالت: ألا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام، قلنا: بلى، قالت: سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول: نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث الله عليها محمدا صلى الله عليه وآله، وسائر الناس منها برآء. [8] [9]
غدا ان شاء الله نكمل شرح هذا الحديث.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo