< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الأجنبية
- مسألة: اشتباه من يجوز النظر إليه بمن لا يجوز، ما هو الأصل؟

نكمل كلام صاحب العروة الذي ذهب إلى حرمة النظر بقاعدة المقتضي والمانع، المقتضي موجود وهو ثبوت الحرمة للنظر، والمانع مشكوك وهو العناوين المجوزة للنظر كالمحرم والزوجة، ونحكم بعدمه بأصالة العدم، فتتم علّة الحكم وهي وجود المقتضي وانتفاء المانع . وليس من باب التمسك بالعام بالشبهة المصداقية " كل امرأة لا يجوز النظر اليها إلا المحرم "، وطبعا هي ليست شبهة مفهومية لأن الفاظ وعناوين العام والخاص واضحة.
القدماء ذهبوا إلى جواز التمسك بالعام بالشبهة المصداقية، عند الشك في خروج هذه المرأة فتبقى تحت العام من جواز النظر. جل المتأخرين قال بعدم جواز التمسك بالعام بالشبهة المصداقية أي لا يجوز ان اتمسك بعموم عدم جواز النظر للأجنبية.
سنقرأ كلام السيد كاظم اليزدي (ره) في العروة الوثقى وتعليق السيد الخوئي (ره) عليه، ثم نعلق على كلام السيد الخوئي. تحت رقم 3682، (مسألة 50): إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع [1] وكذا بالنسبة إلى من يجب التستر عنه ومن لا يجب، وإن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوية فإن شك في كونه مماثلا أو لا أو شك في كونه من المحارم النسبية أو لا، فالظاهر وجوب الاجتناب لأن الظاهر من آية وجوب الغض أن جواز النظر مشروط بأمر وجودي [2] وهو كونه مماثلا أو من المحارم، فمع الشك يعمل بمقتضى العموم العموم [3]، لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية. بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك [4]، فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع حتى يكون من موارد أصل البراءة بل من قبيل المقتضى والمانع.
العلامة (ره) في الوجه الأول اثبت الحرمة بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وصاحب العروة (ره) قال بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لكن اثبت الحرمة بطرق قاعدة المقتضي والمانع.
قلنا ان هذه القاعدة غير تامة، فذهب السيد الخوئي (ره) إلى مسألة الاستصحاب لتثبيت الحرمة، وسنصل إن شاء الله للقول بعدم وجود الحرمة مطلقا بل هناك تفصيل.
لا بأس بقراءة كلام السيد الخوئي (ره) لما فيه من بعض الفائدة:
على ما نسب إلى بعض ( العلامة ) بدعوى أن العام قبل التخصيص شامل لجميع الأفراد، فما علم بخروجه منه بعد التخصيص فهو وبقي الباقي بما في ذلك الأفراد المشكوكة تحت العام [5]، حيث لم يحرز خروجها بالتخصيص وعليه ففيما نحن فيه حيث ثبت وجوب الاجتناب وحرمة النظر مطلقا ثم خصص ذلك الحكم بعناوين معينة كالزوج، والأب، وغيرهما من المذكورين في الآية فإذا شك في كون فرد من مصاديق هذه العناوين أو لا ثبت له حكم العام لظهور العام في شمول الحكم له قبل التخصيص وعدم احراز كونه من مصاديق المخصص.
وفيه: أن ذلك لو تم إنما يتم فيما إذا كان التخصيص بدليل منفصل أما لو كان التخصيص بدليل متصل فلا يتم للعام ظهور في شمول الحكم لجميع الأفراد [6]حيث لا ينعقد للعام ظهور إلا في غير الخاص كما هو أوضح من أن يخفى.
وحيث إن مقامنا من هذا القبيل فإن استثناء هذه العناوين في الآية الكريمة متصل فلا ينعقد ظهور العام في شمول الحكم لجميع الأفراد بل الحرمة إنما تثبت من الأول في غير هذه العناوين المذكورة، وعليه فلا يحرز كون الفرد المشكوك داخلا تحت العام من الأول ومعه لا يكون مشمولا للحكم حيث إن شمول الحكم له فرع احراز كونه مصداقا لذلك الموضوع.
وبعبارة أخرى: أنه لا بد في ثبوت الحرمة للفرد من احراز كونه من غير العناوين المذكورة في الآية الكريمة حيث إن الحكم إنما ثبت لمن لم يكن مصداقا لتلك العناوين فإذا لم يحرز ذلك فلا وجه للتمسك بالعام فيه [7]، على أن التمسك بالعام في الشبهات المصداقية في غير محله حتى ولو كان التخصيص بدليل منفصل وذلك لما ذكرناه في محله من أن المخصص المنفصل وإن لم يكن رافعا لظهور العام في شمول الحكم لجميع الأفراد إلا أنه إنما يكشف عن عدم تعلق الإرادة الواقعية بجميع الأفراد من بادئ الأمر وأن الحكم من الأول كان متعلقا بحصة خاصة هي غير الخاص وعليه فكيف يصح التمسك بالعام في الفرد المشكوك والاحتجاج به على المولى ؟. [8]
سنكمل الكلام إن شاء الله لما فيه من الفوائد في تطبيق القواعد.





[1] بناء على أن العلم الإجمالي منجز في الشبهة المحصورة، وهذا ما اشتهر بين الأصوليين. ونحن سنذكر في مباحث العلم الإجمالي حيث قالوا انه تجب الموافقة القطعية عقلا، وتحرم المخالفة القطعية عقلا. اننا لا نذهب إلى ذلك، نقول انه تحرم المخالفة القطعية، وتجب الموافقة القطعية، لكن الموافقة الاحتمالية غير كافية والمخالفة الاحتمالية جائزة. .
[2] الأمور على قسمين: وجودية وعدمية. المماثلية والمحرمية وجود. اما الامر العدمي كالعمى العدمي الذي يقابله البصر وجودي. .
[3] العموم الأول آية الغض: " يحرم النظر إلى كل امرأة " ثم جاء المخصص " إلا المحارم "، اشك في فرد انه من المحارم أو لا، اشك في هذا الامر الوجودي أي في ثبوت عنوان المحرمية ارجع لعموم آية الغض. يقول (ره) ان العمل بالعموم ليس من باب جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بل هو من باب المقتضي والمانع.
[4] سنصل إلى انه (ره) لم يفرق بين المماثلية والمحرمية وغير ذلك، سنرى أن هنا فرقا بين هذه العناوين، مثلا: شككت ان هذه المرأة اسلمت أو لا. إذا اسلمت حرم النظر اليها. .
[5] مثلا: " أكرم العلماء إلا الفساق " زيدٌ عالم يشمله العموم أي وجوب الاكرام، اشك في خروجه يبقى تحت العام.
[6] نعود لمسألة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية عند بعض المتأخرين حيث فصّل بين المخصص المنفصل والمتصل. مثال المتصل: " اكرم العلماء إلا الفساق "، والمنفصل أقول " اكرم العلماء " ثم بعد مدّة أقول " لا تكرم الفساق ". الفرق بين المتصل والمنفصل لا يكون بتتالي الجمل والاسطر، بل المتصل هو ما كان قبل نهاية الكلام حتى ولو كان اكثر من صفحة. أما في المنفصل فهو بعد نهاية الكلام ولو كان الكلام جملة واحدة. وهذا ظاهر من كلام العرف. والثمر من نهاية الكلام في المنفصل انه يكون قد انعقد للكلام ظهور فانعقد للعام ظهور، إذا كان "زيد عالم " فيجب اكرامه لانه تحت العام والخروج عن الاكرام هو الذي يحتاج إلى دليل. بينما في المتصل لا يكون للعام ظهور لأن الكلام لم ينته، والظهور ينعقد بعد نهاية الكلام، وما كان قبل نهاية الكلام فهو خطور لا ظهور.
[7] هنا ينتقل السيد الخوئي (ره) إلى القول بعدم الفرق بين المخصص المتصل والمنفصل، كلاهما لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. لكن نقول: أن هناك اشكال في كلامه (ره) في مقام التطبيق، الآية تقول: } قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ { النور 31. بناء على المستفاد اطلاق آية الغض هو حرمة النظر. هنا السيد (ره) طبق على الآية الاستثناء المتصل.
نقول: ان الكلام متصل وليس من باب الظهور، لكن هذا من باب التخصيص المتصل، أي ان اخراج هذه العناوين أو غيرها من التخصيص المتصل أو المنفصل؟ في الآية ذكر احد عشر عنوانا وهناك عناوين لم تذكر كالأعمام والاخوال، الآية لم تستوف جميع العناوين. وخصوصا أن السيد الخوئي (ره) قال بانه ليس هناك تلازم بين جواز الابداء وجواز النظر، إذن مسألة جواز النظر لم يفهمها (ره) من الآية، الآية تذكر جواز ابداء الزينة ولم تذكر جواز النظر، وهو ذهب إلى ذلك. الكلام أصلا في حلية النظر ولم يستفده من الآية، فيكون بنظره الشريف ان حلية النظر غير مستفادة من الآية. بعبارة أخرى: ان تطبيق جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقة في المخصص المتصل تطبيقا غير تام على رأيه الشريف. وعلى ما ذهبنا اليه يكون تمسك بالعام في الشبهة المصداقية في المخصص المتصل، لكن بما ذهب اليه (ره) ليس من المخصص المتصل بل من المخصص المنفصل، ومع المخصص المنفصل يجوز التمسك بالعام لوجود الظهور عند بعضهم، أما عند السيد الخوئي فلا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية سواء كان المخصص متصلا ام منفصلا. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo