< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية المتدينة.
البحث في مكاتبة الصفار ودلالتها وبيان كلام الشيخ الأعظم (ره).
استعرضنا الروايات الواردة في المقام، وقلنا انها لا تدل على الحرمة المولوية، بل تدل على الحرمة الارشادية إلا رواية (العلل وعيون الأخبار) « وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال » تدل على التحريم المولوي لو خليت وشانها, وسنبحث دلالتها بالمقارنة مع الروايات الأخرى.
الرواية 18- مكاتبة الصفار: ( قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر، ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا يجوز له الشهادة حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع عليه السلام : تتنقب وتظهر للشهود ) .[1]
هذه الرواية الامام (ع) يأمر بأن تتنقب [2]، فاستدلوا بالوجوب المولوي للستر الذي يلزمه الحرمة المولوية للنظر.
في مقام الجواب أحب أن اقرأ كلاما للشيخ الأعظم الانصاري (ره) يقول:وأما في المكاتبة، فلعدم دلالتها على وجوب التنقب أولا [3]، واحتمال كون الأمر بالتنقب من جهة إباء المرأة عن التكشف لكونها متسترة مستحيية عن أن تبرز للرجال، فإن ذلك مما يشق على كثير من النساء، وإن كان جائزا، إذ رب جائز يشق من جهة الغيرة والمروة، فإنك قد عرفت جواز النظر إلى وجه من يراد تزويجها وكفيها اتفاقا، مع أن هذا شاق على كثير من النسوان وأهليهن سيما الأبكار


من أولي الأخطار [4]. ويؤيد ذلك أنه لما قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق:( أنت تحل المتعة، فلم لا ترخص نساءك أن يتمتعن ويكتسبن؟ فقال له مؤمن الطاق: ليس كل الصناعات يرغب فيها ). ويؤيد ذلك ما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأهل العراق: [ « نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون؟ »[5] وفي حديث آخر إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أما تستحيون ولا تغارون، نساؤكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج» ]. وحاصل المرام: أنه رب جائز يقتضي الحياء تركه [6].
ومن هذا يظهر وجه النظر فيما ادعي من جريان السيرة على منع النساء من أن يخرجن سافرات، إذ لا يخفى أن هذا المنع ليس بآكد من منع تكشفهن لمن يريد تزويجهن، بل هذا آكد بمراتب شتى، فإن أريد أن سيرة العلماء على منعهن، ففيه: أن هذا تمسك بالاجماع في محل النزاع.
ومن هذا يظهر العجب من بعض المعاصرين حيث ادعى في هذه المسألة - بعد ترجيح المنع -: أن التطلع على النساء المتسترات من المنكرات في دين الاسلام، وقال: - في مسألة جواز النظر إلى من يريد تزويجها - بجواز النظر إلى جميع جسدها [7]، فيا ليت شعري التطلع إلى جسد المرأة الباكرة المخدرة من أولي الخطر بغير اطلاعها - لاختبار خلقتها ولونها وقابليتها للأمور المطلوبة من الزوجات - أنكر عند الناس إذا اطلعوا على تطلعه عليها لأجل الاختبار، أم تطلعه على وجهها لا لقصد الاختبار المذكور، بل لأجل معاملة أو غرض آخر مع عدم قصد التلذذ وعدم الريبة؟! وهل الانكار في المقامين إلا لأجل الغيرة والاستحياء إذا كانت المرأة من أولي الأخطار وذوات الأستار وسكنة الأمصار ؟! [8].
تلخص مما مرّ: ان الادلة التي تدل على حرمة النظر من الروايات كانت ارشادية، والآيات لا تدل على ذلك، نعم بعض الروايات تدل على الحرمة ك « وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال » واضحة في التحريم المولوي، ماذا نفعل بهذه الادلة؟ يجب علينا أن نأخذ بها إلا إذا قام معارض او قام دليل على انها ليست في مقام المولوية. هناك بعض القرائن من خارج الروايات يمكن أن تدل على الارشادية مع ان ظهورها منفردة في المولوية كـما في ﴿ يغضوا من ابصارهم ﴾. في المقابل هناك روايات وادلة يمكن أن تكون دليلا على الحرمة الارشادية فيها أو على اسقاطها لو وصل الأمر إلى التعارض.
فالآية القرآنية:﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها .. تفصل الآية والبحث فيها سيأتي في الباب الثالث مواقع النظر التي يجوز النظر اليها. وما ينفعنا هنا من الآية ما هو الفرق بين الزينتين وما نستفيد منها في تفسير رواية تهييج الرجال. كلمة زينة لغة تدل على نفس الزينة كالكحل والسوار والخاتم وغيرها وليس على مواضع الزينة وإن فسرها البعض بالمواضع. فآخر الآية ﴿ولا يضربن بأرجلهن كي يعلم ما يخفين من زينتهن ﴾ يدل على الخلخال وليس الرِجْل، فكلمة الزينة هي نفسها وردت في الآية.
نقول: اولا النظر إلى نفس الزينة قد يؤدي إلى التهييج كما النظر إلى مواضع الزينة، فالمرأة كلها زينة، وقال بعض الفضلاء حتى ظلها قد يؤثر فيك [9]. غدا إن شاء الله نكمل بيان الآية.












[2] تتنقب ظاهرها في الوجوب، فعل مضارع، جملة خبرية وردت مورد الانشاء تدل على الوجوب بل آكد من الامر في الوجوب، لان الخبر هو كشف عن واقع فعندما يطلب الآمر شيئا بصيغة الخبر كانه امر مع رغبة شديدة بحصوله ولذلك عبّر عنه بصيغة الماضي وكانه قد حصل فعلا، كما في قوله تعالى " ونفخ في الصور " فعل ماضي مع انه امر مستقبلي، كأنما لشدة حصوله المستقبل والمضي شيء واحد.
[4] هنا الشيخ الانصاري (ره) وضع الرواية في زمانها وحاول ان يفهمها كما لو كان في ذلك الزمن حيث كانت الجواري هنّ المتكشفات والسافرات وكانت المرأة الوضيعة اجتماعيا هي السافرة ، والعفيفات هنّ المحجبات المتنقبات، هذا الارجاع والفهم جعله لا يستظهر من تتنقب الوجوب. هنا ترجع المسألة إلى مسألة أن أصالة الحقيقة هي من باب أصالة عدم القرينة أو من باب أصالة الظهور. فلو كان الاستظهار في الوجوب من باب اصالة عدم القرينة، إذ يمكن ان يكون هذا الوضع اجتماعي للمرأة قرينة على عدم الوجوب، فنطرد هذا الاحتمال بأصالة عدم القرينة، والجملة الخبرية في مقام إنشاء الامر تدل على الوجوب. لكن قلنا بان اصالة عدم القرينة لم يثبت جريانها ولم يثبت كونها محكمة، والمحكم في تشخيص المراد " تتنقب " هو الظهور، ومع هذا الاحتمال لا ظهور لكونه متصلا فلا يستطيع الشيخ (ره) استظهار الوجوب من قوله (ع) " تتنقب".
[5] هذه المؤيدات بعد أن حاول الشيخ الانصاري أن يضع الرواية في زمانها ليفهمها، هنا قد يقال ان الرواية التي يفهمها القدماء بفهم وأنا فهمتها بفهم آخر، هل فهمهم حجّة علينا؟ وكذلك في فهم الآية القرآنية وموردها هل فهمهم حجة علينا؟ مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وجعلنا الرياح لواقح ﴾ اختلف في تفسيرها، اما اليوم بعد اتساع الادراك والعلم والمعرفة بوجود اللقاح الذكوري والانثوي في النباتات يمكن ان نستظهر معنى اللواقح الذي لم يكن سابقا معلوما وتكون المعلومات الجديدة قرينة على المعنى الجديد المستظهر، وايضا كما في رواية الامام الصادق (ع) في شبه الولد بأخواله واعمامه، يقول: " تعتلج النطفتان في الرحم فإن كانت نطفة المرأة اغلب أو أسبق جاء الولد يشبه اخواله وإن كانت نطفة الرجل اغلب جاء الولد يشبه اعمامه " الرواية سندها ضعيف لوجود الحسن بن علي بن ابي حمزة البطائني وهو كذاب، ومع ذلك يمكن العمل بالرواية لصحة مضمونها الواقعي بعد الاكتشافات العلمية، فليس كل رواياته كاذبة كي لا نستطيع بالأخذ بكل رواياته، والأمثلة كثيرة. وفهم القدماء ليس حجة علينا، وقربه من عصر المعصوم (ع) ليس دليلا وحجة إلا إذا أدى إلى ظهورها لدينا أيضا.
[6] في بعض البلدان يمكن لطالب العلم الديني ان يستعمل الدراجة كوسيلة نقل، في لبنان لا نستطيع ان نفعلها مع انها بعنوانها الاولي حلال لوجود الهتك لصنف علماء الدين. هنا اقول ان عالم الدين يجب ان يسير ضمن خطين: الاول ان لا يفعل المحرّم ويشترك فيه مع جميع المكلفين. والثاني أن لا يعد عرفا هتكا له بحيث لا يفعله إلا الأدنين. .
[7] رد على كلام صاحب الجواهر لأنه يجوِّز النظر إلى كل البدن إذا اراد التزوّج، مع انه اخطر من النظر إلى وجه المرأة السافرة، ونحن هناك قلنا بانه يجوز النظر إلى كل ما يرفع الجهالة دون العورتين. فإذا كان يعلم بناحية من بدنها فلا يجوز له النظر إليه، جواز النظر لرفع الغبن لأنه " مستام يشتري بأغلى ثمن ". نذكر هنا بان محاولة توهين رأي الشيخ ليست الا لاحترام الرأي، حين سئل صاحب الجواهر عن من نقلّد بعدك اشار بالذهاب إلى الشيخ الانصاري (ره). أتيت بهذه الإشارة لأبين مسألة تربوية، فإن العالم إذا أسقط نظرية عالم آخر فانه دليل على احترامه له، كما أن احترامه لا يعني وجوب موافقته.
[8] ليست من أهل البوادي الذي « إذا نهين لا ينتهين » . .
[9] المجتمعات المتهتكة المتعرية فيها كبت للغرائز الجنسية اكثر من المجتمعات المحافظة التي فيها المرأة محجّبة. كما قلت لبعض الاسبانيين الذي اتهم مجتمعنا بالكبت ان الكبت موجود في مجتمعكم، لان الكبت عبارة عن فعل نفيس يؤدي مع الايام إلى امراض نفسية، في مجتمعاتكم ترى النساء الكثيرات المتبرجات التي ترغبها ولا تستطيع الوصول اليها، فلا شعوريا تشعر بالضغط النفسي ومع التكرار تجد نفسك غير منضبط، لذا نرى عندكم الشذوذ الكثير والاغتصاب والجريمة، سببها التهتك والتفلت الموجود دون ان يشعر، وقد يظن المتوهم ان الحجاب يؤدي إلى الكبت ولكن العكس، سوء فهم الكثير من الاحكام الشرعية والآيات القرآنية والتربية والمسلكية الدينية. المرأة تؤثر بالإنسان ولذا قالوا كلها عورة. واقول أن حكمة وفلسفة الحجاب وليس مسألة العفة فقط بل حتى يبقى مجالا واسعا لحلاوة الدنيا، من دون الحجاب المرأة تفقد اثرها وهذا ما سمعته حتى من الاوروبيين، " كل محجوب مرغوب ". .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo