< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: حكم غيبة الولي المنقطعة
  بقي في الولايات بعض المسائل.
 حكم غيبة الولي المنقطعة:
  تسقط ولاية الولي إذا كان غائبا ولو غيبة منقطعة، في حال كان في استئذانه مشقة شديدة. صرَّح بذلك الشيخ الطوسي (ره) في الخلاف والسيد في الرياض، وصاحب الحدائق والشيخ الانصاري، وارتضاه كثير من الأصحاب على ما نسب إليهم، وقد نقل عدم الخلاف فيه.
  إلفات: فرع من مسألة العضل: لو منعها من غير الكفو، فلا يسمى عضلا؛ فلا تسقط ولايته.
  مسألة: لو منعها من كفؤ مع وجود كفؤ آخر: فهل تسقط ولايته ويكون الخيار خيارها مطلقا؟
  بعبارة اخرى هل ادلة العضل تجري هنا وتشمل هذه الحالة؟
  نقول: نحن اتباع الدليل والدليل هو الذي يوصلنا إلى الحكم، وبحسب الدليل نصل إلى الفروع أيضا. الدليل على سقوط الولاية مع العضل تارة الإجماع وتارة الروايات، أي النص اللفظي أو غيره.
  إن قلنا إن الدليل على سقوط الولاية مع العضل هو الإجماع، فلا اطلاق له حتى نقول انه لو اراد البعض لبيّن. فالولاية عليها باقية، لان الإجماع دليل لبِّي يقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو خصوص ما لم يكن كفو آخر. هناك حالتان: الاولى مع وجود كفو آخر والثانية مع عدم وجود الكفو الآخر. فالقدر المتيقن من العضل المحرَّم هو عدم وجود الكفو الآخر، هذا الذي تسقط فيه الولاية، ويبقى الباقي تحت الولاية.
  وإن قلنا بالأدلة الاخرى اللفظية، فقد يصدق عليها انه منعها من الكفو، فتسقط ولايته في الحالتين، الحالة المتيقنة والحالة المشكوكة التي هي مع وجود الكفو، لصدق عنوان العضل والمنع من الكفو، أو عدم وجود مصلحة، أو وجود مفسدة.
  الولاية على البالغ الذكر الرشيد:
  لا ولاية عليه بلا خلاف ولا إشكال، وقد ادّعي الإجماع عليه، وفي كشف اللثام قال: إجماعا منا ومن العامة.
  ويدل عليه:
  1. الاجماع. وفيه ما فيه من الاشكال عليه كبر وصغرى، مع انه مدركي لاحتمال استناد المجمعين إلى بعض الروايات.
  2. الروايات. وقد افرد لها الحر العاملي (ره) في وسائله بابا خاصا هو الباب 13 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ونذكرها:
  الاولى: محمد بن بعقوب عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد عن علي بن الحسن بن رباط عن حبيب الخثعمي عن ابن ابي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: إني أريد أن أتزوَّج امرأة وإن أبوي أرادا أن يزوِّجاني غيرها؟ فقال: تزوَّج التي هويت ودع التي يهوي أبواك (الظاهر يهوى). ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله.
  اولا: السند معتبر. وحبيب الخثعمي ثقة ثقة وهو نفسه ابن المعلى.
  ثانيا: الدلالة واضحة، ونستفيد منها دلالة أخرى في فرع فقهي مهم، وهو أن طاعة الأبوين ليست واجبة مطلقا.
  الثانية: وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه اراد أن يتزوج امرأة قال: فكره أبي فمضيت فتزوجتها ... الحديث.
  اولا: السند معتبر. [1]
 
  ثانيا: الدلالة واضحة.
  الثالثة: وبإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن جعفر البغدادي عن ظريف بن ناصح عن أبان عن ابي عبد الله (ع) قال: إذا زوَّج الرجل ابنه كان ذلك إلى ابنه، وإذا زوَّج ابنته جاز ذلك.
  اولا: السند مخدوش بموسى بن جعفر البغدادي (مهمل له كتاب).
  ثانيا: الدلالة واضحة بل هي أقوى لأن حق فسخ الزواج بعد تحققه أقوى في الدلالة منه قبل تحققه.
  ولاية الحاكم على المجنون:
  إذا لم يكن للمجنون وليٌّ من أب أو جدّ أو وصي، فالحاكم الشرعي هو الولي، والظاهر أنه من المسلمات، وقد نقل الاجماع عليه كما صرَّح به في الجواهر.
  ويمكن الاستدلال له بأمور:
  1. الاجماع.
  2. كونه من الامور الحسبية وهي الامور التي نقطع بعدم تهاون الشارع فيها وأنه لا يتركها سدى وذلك مثل: الاوقاف التي لا ولي فعلي لها، والطفل الذي لا ولي له يرعاه، وغير ذلك. فإن للحاكم الولاية عليها حماية ورعاية لها.
 إلفات: هذان الدليلان، الاجماع وكونه من الامور الحسبية وإن أفادا القطع لذلك قدمناهما ولكنهما دليلان لبيان يقتصر فيهما على القدر المتيقن وهو الولاية عند حاجة المجنون أو المجنونة، فلا يشمل هذان الدليلان الولاية على التزويج عند عدم الحاجة.
  • تطبيق الرواية المفسِّرة لقوله تعالى " من بيده عقدة النكاح " على الحاكم، فكونه وليا للمجنون في ماله فيكون وليا عليه في زواجه، وإليك الرواية:
  س ج 14 ب8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح 4، محمد بن يعقوب بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي أو غيره، عن صفوان عن عبد الله بن ابي يعفور عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن الذي بيده عقدة النكاح؟ قال: هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري، فأي هؤلاء عفا فقد جاز.
  أما السند فقد خدش بقوله: البرقي أو غيره، فإنا لا نعلم من هو هذا الغير؟
  وأما من حيث الدلالة، فهي واضحة في التطبيق على الحاكم باعتباره وليّ مال المرأة. وأما شمولها للمجنون الذكر البالغ فهو بالقطع بوحدة المناط وعدم الفرق بين حكم المرأة والرجل المجنونين.
  ثم بضميمة الرواية التالية وهي الثانية من نفس الباب أن الذي " بيده عقدة النكاح " هو ولي أمرها نستفيد أن وليَّ أمر المجنون والمجنونة هو الحاكم.
  والرواية هي التالية: ح 2 من نفس الباب السابق، محمد بن يعقوب عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها.
  والسند صحيح هنا.
 والحمد لله رب العالمين.
 الاتعاظ الاسبوعي:
  هناك أمر مهم ولعلله بنفس اهميّة الدرس، الإمام الخميني (قده) له كلمة جميله، يقول أن هذه الدروس عبارة عن دراسة مصطلاحات وقواعد ولكنها احيانا لا تصفي النفوس. في الواقع هذا الدرس لا يصفي النفوس الله عز وجل يريد منا أن نكون على خلق عظيم اسوة برسول الله (ص). فهذه الدروس تمهيد لمعرفة الشرع المقدس، فيجب أن نعمل على انفسنا.
  أريد أن الفت اليوم النظر إلى مسألة بدأت وللأسف في بعض مجتمعاتنا العلمية والحوزوية تفقد تطبيقاتها، نتصدى لها من الآن حتى لا تستشري، وهي مسألة احترام الشيبة واحترام السن.
  تربينا في النجف الاشرف على احترام السن وان يقدم الاكبر سنا، وهذه المسألة موجودة بالفطرة عند عموم البشر. لكن اتصور أن علينا أن نركزها باعمالنا في مقام التقديم والاحترام، فالروايات واردة بالحث على توقير كباركم والرحمة بصغاركم ، كما ورد في خطبة شهر رمضان عن النبي الاكرم (ص).
  واحب أن اذكر بعض الروايات الواردة في هذا الشأن.
  باب فيه توقير الكبير وإجلال ذي الشيبة المسلم. مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 9 - ص 14/ أقول: روي عن ذكريا الأعور قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يصلي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له. فأراد أن يتناولها، فانحط أبو الحسن (عليه السلام) وهو قائم في صلاته، فناول الرجل العصا، ثم عاد إلى موضعه من الصلاة.
 قد يقال: بأن الرواية هنا في مقام بيان استحباب مساعدة الآخرين مطلقا سواء أكان المساعَد كبيرا أو صغيرا أو شابا.
 فيجاب بنعم، فعل المعصوم (ع) دليلُّ لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو جواز المساعدة أثناء الصلاة بالاتنتقال من مكانه لخصوص الكبير ويبقى تحت عموم المنع من الكثير الماحي لصورة الصلاة. وفي هذا إشارة إلى احترام خاص للرجل الكبير.
  وفي مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 8 - ص 14/ باب توقير الكبير ورحمة الصغير. عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد والطبراني وإسناده حسن. وعن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. رواه أحمد والبزار بنحوه والطبراني باختصار وزاد ويعرف لنا حقنا. وفي أحد إسنادي البزار قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري وضعفه غيرهما، وبقية رجاله ثقات.
  وفي صحيح ابن حبان - ابن حبان - ج 2 - ص 202 203/ - 457 - ذكر الزجر عن ترك توقير الكبير أو رحمة الصغار من المسلمين. أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن بن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر.
  وفي صحيح ابن حبان - ابن حبان - ج 2 - ص 210 211/ - 463 - ذكر الزجر عن ترك توقير الكبير أو رحمة الصغير من المسلمين. أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن بن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر.
  وفي بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث - علي بن أبي بكر الهيثمي - ص 251/1 - باب توقير الكبير ورحمة الصغير: (799) حدثنا يعلى، حدثني عبد الحكم، عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا فليس منا ".
  هذه المسألة وجدانية خُلقية فطرية دليلها معها لا تحتاج إلى دليل، ونستضيء بالروايات لان لها الاثر الكبير بالنفس. ولذلك عندي طلب من الاخوان ومن نفسي: أن نوقر ونقدم كبيرنا لان السن والعمر والشيبة في الاسلام لها احترام، فمثلا لو كان هناك جنازة ووجد جمع من اهل العلم فليقدم الاكبر سنا، طبعا بعد اكتمال الشروط الشرعية أو الامور المأخوذة استحبابا. وهذه قاعدة لها أثر طيب لان الروايات اولا تطلب منا توقير الاكبر سنا، وثانيا لها الاثر الكبير في تمتين اللحمة النفسية في الحنان والتحابب بين الاخوة الطلبة.
 
  والحمد لله رب العالمين.


[1] التذكر بما قلناه سابقا عن حركة الواقفة وما نؤيده ونميل اليه من الفهم لحركتهم الامنية لحفظ الامام (ع). فليراجع ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo