< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/03/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الولاية على الثيب
  بعد الانتهاء من الحديث حول الولاية على البنت البالغة الرشيدة في الزواج المؤقت والدائم على التفصيل الآنف ذكره، بقي الخوض في الولاية على الثيب والولاية على من فقدت أباها وجدها وبعض الفروع في المقام.
  • الولاية على الثيب: لا خلاف يُعتد به بين الفقهاء في عدم ولاية الأب والجد على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيبا، تزوج نفسها من شاءت من دون استئذان أحد، وعن الشيخ الأعظم (ره) دعوى اتفاق النص والفتوى عليه في كتاب النكاح، وعن جامع المقاصد دعوى اتفاق علمائنا عليه، وهذا الإدعاء ليس بغريب حيث أن النصوص زاخرة بالصراحة والصحة في مدلولاتها، هذا بالإضافة إلى موافقة الإدعاء للأصل، أي أصالة عدم ولاية أحد على أحد، دفع توهم: عندما نقول بمؤيدية الأصل يجب أن نلتفت إلى أن اصطلاح المؤيد: هو الامر الذي لا يصل إلى مرحلة الدليل الذي يمكن الخدش فيه، وكما ذكرنا في معالجة الشبهة الحكمية: تراتبية الاستدلال تكون على الشكل التالي: علم، علمي، اصل لفظي، اصل عملي فالتفت. وعلى هذا تكون الادلة: اولا: الروايات باعتبارها علميات وقدمت على العمومات القرآنية لكونها أخص منها ومفسرة لها وقد مر في دراسة علم الأصول أن الكتاب يخصص بخبر الواحد. ثانيا: اطلاقات الكتاب " واحل لكم ما وراء ذلك " واطلاقات السنة " النكاح سنتي " أي نطرد الشروط بإطلاقات الكتاب.ثالثا: الاصل العملي " لا ولاية لاحد على احد ". وقد عقد الحر العاملي(قده) له بابا خاصا في الوسائل تحت عنوان باب: لا ولاية لأحد من أخ ولا أب ولا غيرهما على الثيب البالغة الرشيدة، وهو الباب الثالث من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ومن المهم أن نشير إلى بعض الروايات التي وردت في مقام الإستدلال.
  نذكر من هذه الروايات:
  الحديث الاول: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الفضيل بن يسار ومحمد [1] بن مسلم وزرارة وبريد بن معاوية كلهم عن أبي جعفر (ع) قال: المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها يغير ولي جايز.
 السند صحيح، ورواه الكليني والشيخ.
  أما الدلالة: فقد استدل بها على عدم الولاية على الثيب بناء على تفسير ملكت نفسها بالثيب، ولكن قد علمت أننا قد ذهبنا إلى تعريفها بكونها صاحبة القرار، فعندها تكون النسبة بين الثيب والمالك أمرها عموما وخصوصا من وجه، فقد تكون ثيبا ولا تملك نفسها، وقد تكون تملك نفسها وهي بكر، وقد يجتمعا، وقد تقدم ذكر أدلة ما تبنيناه فمن شاء فليراجع تعريف المالكة أمرها.
  الحديث الثاني: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبد الحميد بن عوّاض، عن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تُخطَب إلى نفسها؟ قال: هي أملك بنفسها تولى من شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت زوجا قبل ذلك.
  السند معتبر.
 أما الدلالة، فهي صريحة في ولاية الثيب على نفسها [2] ، علما بأن هذه الرواية ستنفعنا في تحديد معنى الثيب ومعنى البكر حكما وتفصيلا من حيث كيفية فقد البكارة وما شاكل بالتفاصيل المذكورة عند الفقهاء على ضوء الأدلة والعمومات.
  الحديث الرابع: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن داوود بن سرحان عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال في المرأة الثيب تُخطب إلى نفسها قال: هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله.
  سندا الرواية معتبرة ورويت بأكثر من إسناد.
  أما دلالة فهي واضحة وصريحة في الثيب بالنص بخلاف الرواية المتقدمة.
  الحديث الخامس: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء، ألها مع أبيها أمر؟ فقال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثب. [3]
 
  الرواية تامة سندا ودلالة من حيث المفهوم لا المنطوق.
  استدل بعضهم كالحر العاملي (قده) بروايات " المالكة أمرها " بناء على تفسيرها بالثيب، ويرد عليه ما أوردناه سابقا.
  نعم وردت رواية معارضة وهي الحديث الخامس عشر من نفس المصدر: محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن سعيد بن اسماعيل عن أبيه، قال: سألت الرضا (ع) عن رجل تزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من قراباتها، ولكن تجْعَل المرأة وكيلا فيزوجها من غير علمهم؟ قال: لا يكون ذا.
 قال الشيخ (قده): أن " ذا " راجعة إلى البكر والحمل على الثيب يأتي من باب الاستحباب أو التقيّة لما تقدَّم .... الخ. انتهى كلام الوسائل.
  أقول: أما الحمل الاول، أي الحمل على خصوص البكر فهو حمل تبرعي خلاف الظاهر، وأما الحمل على الاستحباب فيحتاج إلى استظهار، وهو غير بعيد لولا اقتران الثيب بالبكر التي نعلم اشتراط إذن الأب فيها، فالأولى سقوط الرواية لمعارضة الروايات الكثيرة التي ذكرناها، وذلك لأمور:
  اولا: هذه الرواية عن سعيد بن اسماعيل عن ابيه، وكلاهما مجهول، فيكون السند ضعيفا ولا يقاوم الاسانيد الصحيحة لباقي الروايات.
  ثانيا: روايات عدم الولاية أكثر بكثير وأصح سندا وموافقة للكتاب فضلا عن الأصل.
 قول ابن أبي عقيل (قده) ورد صاحب المسالك (قده) عليه:
  أما ما ذكره ابن أبي عقيل العماني (قده) من ثبوت الولاية عليها، فشاذٌ ضعيف لا مدرك له.
  يقول في المسالك إنه ليس ما يمكن الاستناد إليه في هذه الفتوى إلا رواية عامية، ورواياتنا خاصة خاصية، وهي مقدمة عند التعارض.
  نقول: لا تصل النوبة إلى التعارض لأن التعارض يكون بين الروايتين المعتبرتين، لا بين المعتبر وغيره.
  ولاية البنت على نفسها عند فقد الأبوين:
  لا ولاية عليها إجماعا لكثرة النصوص المتسالم و المجمع عليها، انظر الوسائل ج 14 ب 4 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، و عليه ننتهي إلى هنا من الحديث حول الولايات.
 والحمد لله رب العالمين.
 
 
 الاتعاظ الاسبوعي
  ما يجب علينا أن نفعله:
  أيها الاخوة قد منَّ الله عز وجل علينا بتحمل مسؤولية الرسالة المحمدية على اكتافنا،فهنيئا لمن استطاع سبيلا لذلك، لكن يجب أن نذكر أنفسنا دائما عدم حاجة المولى عز وجل لنا كأفراد لنشر رسالة الاسلام حيث أنه المتكفل بحفظها فقال في محكم كتابه: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "، بل الله تعالى كرَّمنا بأن جعل لنا دورا واحتراما بين الناس لعمائمنا حتى وصل هذا الاحترام والتأثير لغير المتدين بل وحتى الكافر، فيجب علينا إبداء الشكر بامتثال التعاليم الحميدة والعمل الدؤوب على رفع شأن الانسان في كل مكان وذلك لا يتم إلا عبر تطهير أنفسنا، فقد ورد عن أمير المؤمنين(ع): " كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا "، والتأثير يتم بأبسط الأمور وأيسرها ومفتاحها الصدق، وهذا واقع عشته بنفسي عندما كنت أذهب للمجتمعات الاخرى أو أسافر إلى الخارج.
  فلنحافظ على هذا الشرف الكبير، ولنكن كما أراد الله عز وجل بطاعته، وهو خير لدنيانا وآخرتنا وخير للأمة أيضا، ومن هنا أريد منكم أن لا يصبح ديدنكم الانعزال في البيوت وانتم علماء، فهل النبي محمد (ص) كان كذلك؟ بل زار (ص) من آذاه في الرواية المعروفة عن جاره اليهودي، " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " والاسوة هي الاقتداء به، فاقتدوا به وكونوا مع الناس، ومضمون الحديث يقول " إياكم والشعاب وعليكم بالمساجد والناس والجماعة "، وهذا علي بن ابي طالب (ع) يجلس في دكان ميثم التمار ويحمل معه بضاعته ويساعد الناس، نعم لا نستطيع أن نكون مثله ولكن " الا وانكم لا تستطيعون على ذلك ولكن اعينوني بورع وسداد وعفة واجتهاد ".
  المطلوب مني أن أدنو من الناس وادخل إلى بيوتهم سواء كان مؤمنا أو فاسقا أو حتى كافرا، الاحظ أن هناك حالة تستشري في الامتناع من الدخول عند الناس والتنصل من تبليغهم، هنا نسأل كيف لنا أن نؤثر في مجتمعنا ونحن عنه بعيدون؟! فرسول الله (ص) كان رسولا محتاجا لمجتمعه، مع العلم ان الدنيا خلقت لأجلهم، أي بمعنى أن الرسول (ص) لا يتم معه التلبس بمبدأ الرسالة إلا إذا كان هناك مرسل إليهم، و عليك أخي العزيز أن تتمعن بمعنى قوله تعالى:" بلِّغ ".
  أحببت أن اضئ على هذه النقطة لما فيها من النفع والثواب، جزاكم الله خيرا وتقبل أعمالكم.
 
  والحمد لله رب العالمين.


[1] فائدة: بن تعرب نعت، وأب بدل أو عطف بيان. واما اعراب محمد بن علي، المقصود ان يقول: روى محمد بن علي ولكنه لا يوجد اصلا حذف الفعل ويبقى الفاعل، فيكون أن محمد بن علي روى باسناده.
[2] لفتة حول الخلاف في معنى النكاح: ان قلنا ان النكاح بمعنى العقد فالقيد المتقدم في الرواية الأخيرة سليم، وإن قلنا أن النكاح بمعنى الوطء بسبب شرعي، فيمكن أن تحمل الرواية على الثيب، وهذه احدى ثمرات فهم معنى لوضع، ومن المفيد أن نعلم أن احد الادلة على اختلاف معنى الزواج والنكاح، أن النكاح يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أو أربعة: النكاح الدائم والمؤقت وملك يمين ويمكن الحاق التحليل ووطء الشبهة، أما الزواج فلا يمكن القول إلا ان له قسمين: الدائم والمؤقت، واختلاف التقسيم ينتج اختلاف المفهوم، ولا ينافي هذا استعمال النكاح في العقد كثيرا أو في الزواج كذلك لكون أصل الوضع هو كما تقدم، والله العالم.
[3] لعل الأصح: تثيب بتشديد الياء، أي إن الأصل تتثيب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo