< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 تقرير الاستاذ
 الولاية على البكر الرشيد في عقد النكاح.
 تطبيقا للمنهجية المتبعة في علم الأصول عند الشك في اشتراط الولاية، نقول:
 إن الزواج مفهوم عرفي وهو ينطبق على تزويج البكر الرشيدة البالغة نفسها بدون إذن أحد، ومع انطباق العنوان تكون الولاية لأي أحد هي التي تحتاج إلى دليل وقد سبق أن ذهبنا إلى أنه لا ولاية للأخ ولا العم ولا الخال ولا الأم ولا أي أحد ما عدا الأب على تفصيل تابع للأدلة.
 فلنبدأ بالأدلة:
 الكتاب: استدل بعض الفقهاء على استقلالية الأب وصحة تزويجه لابنته البالغة البكر الرشيدة ولو مع عدم رضاها بقوله تعالى: " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم " النور آية 32. يقول الشيخ الطوسي في الخلاف: دليلنا قوله تعالى- الآية- والأيّم التي لا زوج لها، بكرا كانت أم ثيبا، فالظاهر أن له إجبار الكل، لأنه لم يفرق بين الصغيرة والكبيرة، فوجب حمل الآية على عمومها، إلا أن يقدّم دليل على تخصيصها ... ثم يقول أنه قام الدليل على التخصيص بروايات استقلالية الثيب في الولاية على نفسها في عقد النكاح.
 وفي هذا الاستدلال أسئلة:
 منها: إذا كان الأمر للرجال لظهور " واو الجماعة "، فهو لا يشمل النساء اللواتي تملك عبيدا وإماء، وهو كما ترى.
 ومنها: إن " الواو " في قوله تعالى " إن يكونوا فقراء " إن رجعت للمجموع من الإماء والصالحين فإن العبيد لا يملكون شيئا، والإماء كذلك، ثم إن النفقة والمهر ليست على النساء سواء كانت حرّة أو أمة " وإمائكم " وإن رجعت للبعض فهو من الاستخدام الذي هو بحاجة إلى دليل.
 ولا أريد أن أطيل، فإن الآية ظاهرة في الطلب من ولي الأمر في عقد النكاح من جميع الناس أن يسهِّلوا عملية التزويج، وأن لا يقفوا حجر عثرة في زواج من لهم ولاية عليه، سواء كان حرا كالمرأة البكر البالغة، أو مملوكا كالعبيد والإماء، ولا يخشوا فقر طالب الزواج فإن الله يغني طالب الزواج الفقير من فضله وهذا هو الظاهر من الآية فهي ليست في مقام التشريع بل في مقام الحث على التزويج، وأقصى ما يقال فيه انها في مقام بيان استحباب التزويج.
 تقرير الطالب
 ذكرنا الاقوال في مسألة الولاية على البنت الرشيدة البالغة، ونشرع اليوم في تطبيق المنهجية المتبعة في علم الاصول عند الشك في اشتراط الولاية.
 أولا: قلنا أنه نبحث على أن هذا العقد عرفي أو شرعي، هو حقيقة شرعية أو لا؟. ثم نرى انطباق العقد على ما فعلنا، فإذا انطبق نأتي ونقول: أن كان هناك دليل خاص على هذا الشرط، فإذا لم يكن هناك دليل نحكم أصالة الاطلاق، فطرد الشروط، فإذا لم نحكم أصالة الاطلاق نأتي إلى الاصل العملي وهو أصالة الفساد. بهذا الترتيب تكون المنهجية المتبعة في الاستدلال، من البيع إلى كتاب النكاح وفي كل العقود، وهذا أسسناه في علم الأصول.
 هنا نقول: أن الزواج مفهوم عرفي كما بيّنا مرارا، هذه المرحلة الاولى.
 المرحلة الثانية: هل ينطبق عنوان الزواج على العقد على البكر الرشيدة البالغة أو لا؟ هذا عقد زواج فإذن ينطبق العنوان.
 المرحلة الثالثة: وهي تطبيق العنوان على هذه المسألة، قد تم. ومع انطباق العنوان تكون الولاية لأي أحد عليها هي التي تحتاج إلى الدليل، وقد سبق أن ذهبنا إلى أنه لا ولاية للأخ ولا للعم ولا للخال ولا للام ولا لأي أحد عدا الأب وإن علا، الكلام في ولايتهما وإن كان في بعض الاعراف بأن يكون العم وليا، ولذلك ورد في الروايات أنه لا ولاية لغير الاب والجد.
 فلنبدأ بالأدلة على تفصيل:
 أولا الكتاب:
 استدل بعض الفقهاء على استقلالية الأب وصحة تزويجه لابنته البالغة البكر الرشيدة وإن كانت كارهة له اجبارها، هذا القول الاول- هذا لن نذهب اليه وسننفيه-.
 استدل على الولاية ولو مع عدم رضاها بقوله تعالى " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم " النور /32. يقول الشيخ الطوسي (ره) في الخلاف دليلنا قوله تعالى الآية ويقول: " الأيم" التي لا زوج لها بكرا كانت أم ثيبا " فانكحوا " واو الجماعة، فالظاهر أنه يخاطب به الرجال، وظاهر صيغة الأمر في الوجوب، يعني يجب عليكم نكاح الأيامى يعني أنتم الاولياء، الاستدلال على الولاية بالازم. يقول الشيخ الطوسي (ره) أن له إجبار الكل ثيبا كانت أو بكرا، وخرجت الثيب إلا أن يقوم دليل على تخصيصها ثم ... يقول: أنه قام الدليل على التخصيص بروايات استقلالية الثيب في الولاية على نفسها بعقد النكاح.
 هذه الآية تحتاج للتأمل وسنبيِّن بعض الاشكالات وسنقول ما المراد من الآية.
 نقول على هذا الاستدلال أسئلة:
 اولا: إذا كان الأمر للرجال فقط لظهور كلمة واو الجماعة " وانكحوا " فهو يعني أنه لا يشمل النساء، يعني الشيخ استخرج من الآية أصلا لفظيا يكون مقدما على الاصول العملية وهو كل أب له الولاية مستقلا على ابنته يزوجها ولو بدون رضاها، كما نستخرج من " أوفوا بالعقود " أصلا لفظيا وهو كل عقد يجب الوفاء به، واستنبطنا من كل عقد يجب الوفاء به أصالة الصحة في العقد وكذا في " أحل الله البيع " أن كل بيع حلال. التخصيص يحتاج إلى دليل، حرمة البيع تحتاج إلى دليل، فساد البيع يحتاج للدليل. الشيخ (ره) أخذ الآية واستنبط منها أصلا لفظيا: كل أب مستقل في تزويج ابنته ولو بدون رضاها، بهذا الاطلاق يشمل الثيب والبكر ويشمل المملوكة والحرة. هنا لذلك قلت أن هناك اشكالات كثيرة على أن نأخذ أصلا لفظيا من الآية، قال الشيخ بذلك وهو ليس لوحده بل كثير من فقهاء العامة.
 اولا: أن هذا الامر إذا كان للرجال فقط فهو لا يشمل النساء، أنت تقول " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم " النور /32. المراد من العباد العبيد المملوكين، أي الأمر فقط للرجل. المرأة أيضا عندها العبيد والإماء فليست مجبرة على التزويج بناء على هذا التفسير بأن واو الجماعة للرجال. هذا الكلام غريب منه.
 ومن الاسئلة التي يمكن أن تقال على هذا التفسير أن " الواو " في قوله: " وإن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " فهذا يعني التشجيع على الزواج فلا تقفوا حجر عثرة. الشيخ الطوسي رجل عظيم من الفقهاء فلنبيِّن كلامه، " الواو " في قوله " يكونوا فقراء " من هم؟ طالبين الزواج أو الإماء والعبيد، إن رجعت للجميع من الإيامى والصالحين، فالمملوك لا يملك نفسه، فما معنى " إن يكونوا فقراء " العبد لا يملك شيئا والأمة أيضا كذلك. ثم إن النفقة والمهر ليس على النساء، أنت تستدل على تزويج البنت فإذا كانت مملوكة فهي لا تملك شيئا، النفقة ليست على النساء سواء كانت حرة، الإيماء والأمة والايم التي لا زوج لها وإذا قلنا " يكونوا فقراء " هل رجعت للبعض دون الآخر، أي العبيد دون الإماء أصبحت من باب الاستخدام. والاستخدام هنا لا دليل عليه.
 للتذكير: الاستخدام هو أن أطلق لفظا وأعيد الضمير إلى بعض ما يعود إليه. من قبيل قوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " ثم " وبعولتهن أحق بردهن " المطلقات مطلقة تشمل البائن والرجعية. فالعدة ثلاثة قروء للبائن والرجعي، إذا كان " هن " تجعل للمطلقات أي حتى البائن له الحق بالترجيع، مع العلم أن البائن لا يحق له إرجاعها، فصارت " هن " ترجع إلى بعض المطلقات. وهذا ما يسمى بالاستخدام ولذلك الاستخدام خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة ظاهرة في ذلك ولو كانت منفصلة.
 وهنا ما هي القرينة على ذلك ولا نريد الاطالة، فإن الآية " وانكحوا الايامى منكم " الآيات التي قبل وبعد وإن لم يكن السياق حجة ولكن أحيانا يعطي فكرة في الظهور، الآية تقول بأنه لا تقفوا حجر عثرة في وجه التزويج، في أحسن الأحوال لو كان في مقام التشريع يدل على استحبابه، الآية ظاهرة في الطلب من ولي الأمر بعقد النكاح، من جميع الناس أن يسهلوا عملية التزويج سواء كان حرا أو مملوكا ولا يخشوا فقر طالبي الزواج فإن الله يغني طالب الزواج من فضله وهذا موجود في الروايات أنه جاء رجل إلى رسول الله (ص) قال أنا فقير فقال تزوج ... فإن الله يغنيك" .
 هذا هو الظاهر من الآية فالآية ليست في مقام التشريعات لولاية الأب ليست ناظرة للأب ولا غيره، لا أستطيع استنباط ولاية الأب لا بنحو دلالة الاقتضاء ولا التنبيه ولا الاشارة، لأن الاستدلال بالألفاظ لا يكون إلا بالظهور أو بالدلالات التي ذكرناها وكلها ليست في هذا المقام كليا بل في مقام الحث على التزويج وأقصى ما يقال فيه أنها في مقام استحباب التزويج.
 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo