< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ العقد الفضولي/ أدلة الصحة

كان الكلام في أدلة القائلين بصحة عقد الفضولي وذكرنا:

الدليل الاول: احتج به في المسالك من كون المقتضي موجودا والمانع مفقودا.

والدليل الثاني: دليل العلامة في المختلف أن العقد صدر من أهله.

والدليل الثالث: في مستدرك النوري رقم 15260 عن الثاقب في المناقب. رواية عروة البارقي، هذه الرواية عامية اشتهرت في كتبنا واشتهر الاستدلال بها.

أما الدليل الرابع: ما أجابوا به عن أن النهي لا يستلزم الفساد في المعاملات. قالوا في الاستدلال على فساد بيع الفضولي بروايات " لا يجوز أن تبيع ما لا تملك ". إن هذه الروايات أقصاها هي النهي عن بيع ما ليس لك، بيع الفضولي. هي معاملة والنهي عنها لا تقتضي الفساد لا يقتضي فسادها، فلا دلالة لهذه الروايات على الفساد.

كمقدمة: هناك مطلب: وهو أن النهي يدل على الفساد أو لا؟. وقسموا المطلب إلى عبادات ومعاملات، والكلام في النهي، أن نفس النهي بذاته بما هو يدل على الفساد أولا؟ . بعبارة أخرى النهي كنهي وليس لقرائن أخرى، نركز على هذه الكلمة لأننا سنأتي إلى كلام صاحب الحدائق بما فيه من فوائد عندما ينفي هذه المقولة الأصولية.سنقرأ كلامه وبالتركيز على هذه الكلمة ستجدون الخلل في كلامه. النهي هل يدل عقلا على الفساد.

هل دلالة النهي في العبادات شيء وفي المعاملات شيء آخر.

في العبادات محور العبادة هو التالي: أن تدور صحة العمل وجودا وعدما مدار قصد القربة، إذا كان هناك نهي يعني هناك مبغوضية، كيف أتقرب بمبغوض، الله تعالى عز وجل نهى عن شيء، عبادة، فكيف أتقرب لله عز وجل بأمر يكرهه. محور الموضوع كله كيف يمكن التقرب بالمبعِّد. ثم يأتي الكلام إذا كان هناك نهي عن جزء أو شرط أو ملازم، مكاني أو زماني، تفاصيل، لكن كل هذه التفاصيل في العبادات محورها: كيف يمكن التقرب بالمبعِّد. هذه الكبرى كيف أطبقها على الأجزاء والشرائط وعلى الملازمات وعلى الموارد وعلى الموضوعات.

أما النهي عن المعاملة فلا تدور صحتها وعدمها مدار التقرب، نعم الثواب وعدمه قد يدور مدار قصد القربة. ولذلك لا دليل أبدا على أن النهي في المعاملة عقلا يقتضي الفساد، بل قال بعضهم أزيد من هذا إن النهي عن المعاملة يقتضي صحتها، لأنها لو لم تكن صحيحة لما كان هناك معنى للنهي عنها، أساس من قال بهذا الكلام أبو حنيفة. لكن اشتهرت مقولة بين الأصوليين المتأخرين وبين كثير من القدماء: إن النهي عن المعاملة لا يقتضي فسادها، سواء كان اقتضاء بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم.

من هنا، هذه الروايات " لا يجوز أن تبيع ما لا تملك ". لا يجوز نهي لا يدل على الفساد، فكل ما ذكرتموه من الدلالة على الفساد من روايات لا يقوم دليلا.

نتيجة هذا الدليل انه إذا باع فضوليا يكون قد باع ما لا يملك، في روايات " لا يجوز " نهي تكليفي ولا دلالة على الفساد إذن البيع صحيح كل ما في الأمر انه ارتكب إثما.

هنا لا بأس بذكر كلام لصاحب الحدائق (ره) لما فيه من فوائد وفي الجواب عليه أيضا فوائد. صاحب الحدائق يقول بفساد بيع الفضولي ويشدد النكير. يقول: ( فهو وإن كان مشهورا بينهم –عدم الفساد – إلا أن كثيرا ما نرى عقودا قد حكموا ببطلانها بسبب النهي الوارد في الروايات )

مثلا في نجس العين روايات نهي، كيف عرفنا أن البيع باطل من الروايات، أو أجزاء نجس العين، علمنا أن البيع باطل من الروايات، يقول: كثيرا ما حكموا ببطلان العقد لوجود نهي عنه أو عن جزئه أو عن شرطه أو عن ملازمه، النهي عنه مطابقة أو تضمنا أو تلازما، وهي كثيرة جدا. ما هي هذه المقولة التي تقول إن النهي لا يدل على الفساد ثم تقرؤون الرواية ثم تحكمون بالفساد -

يقول: ( ومن تتبع كتاب النكاح وكتاب البيع في ما حرموه من بيع الخمر والكلب والخنزير ونحوها ظهر له ذلك )

ثم يستنتج (ره) ( أن ما ذكروه من هذه الكلية أن النهي لا يدل على الفساد، إنما هو اصطلاح أصولي لا تساعد الآيات والروايات على إطلاقه )

، نجعل كلية ونجعل اصطلاحا وأمرا عاما ثم نخالفه في التطبيق ويقال انه يدل على الفساد؟!! هنا صاحب الحدائق يحتار لا يريد أن يضرب هذه الكلية ولا يريد أن يغمض العين عن ما استدلوا به على خلاف الكلية، ولا يريد أن يضرب استنباطهم واستدلالهم.

يخرج بحل فيقول: ( وما ذكروه إنما هو اصطلاح أصولي لا تساعد عليه الآيات والروايات على إطلاقه كما لا يخفي على من أعطى المسالة حقها من التتبع، والذي يخطر بالبال في الجمع بين ما ذكروه من هذه القاعدة، وبين ما ورد من الأخبار الدالة على النهي وحكم الأصحاب بالفساد عملا بمضمونها أن يقال: إن النهي الواقع من الشارع (ع) في ذلك العقد إما أن يكون باعتبار عدم قابلية المعقود عليه لذلك، كالكلب والخنزير، ونجس العين ونحوها في البيع مثلا وإحدى المحرمات في كتاب النكاح ونحوها مثلا )

" و لا تنكحوا ما نكح إباؤكم " استدل بالنهي بالآية على تحريم الزواج من زوجة الأب، هذا النهي إذا كان لا يدل على الفساد، يعني أن الزواج صحيح كل ما في الآمر أني ارتكبت إثما، ومع ذلك يستدلون بنهي الآية على الفساد، وانتم جعلتم كليّة أن النهي لا يدل على الفساد –

( أو يكون باعتبار أمر خارج عن نفس المعقود عليه، مثل كون ذلك في زمان مخصوص أو حال مخصوصة أو نحو ذلك من الأمور الخارجة عن العوضين المتقابلين )

مثلا " لا تبع وقت النداء يوم الجمعة " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " أو لا تبع في بعض الأمكنة،

( فربما يقال ما ذكروه ) إذن هناك حالتان تارة في اعتبار المعقود عليه وتارة في اعتبار خارج عن المعقود عليه، إذا كان النهي باعتبار المعقود عليه هذا لا إشكال بالفساد، أما إذا كان النهي خارجا عن المعقود عليه هذا يدل على احتمال القول بعدم الفساد، وكأنه يميل إلى انه يدل على الفساد مطلقا.

( وتخص القاعدة المذكورة بهذا الفرد ) حينئذ بما ذكروه بان النهي يدل على الفساد مخصوص بما إذا كان باعتبار خارج عن المعقود عليه، كحال أو زمان أو غير ذلك – ( كالبيع وقت النداء فان النهي عنه وقع من حيث الزمان، فيقال بصحة البيع لعدم تعلق النهي بذات شيء من العوضين ) - جعل المحور إذا كان النهي متعلق بذات العوضين هذا لا إشكال في الفساد، أما إذا كان النهي متعلقا بخارج العوضين فربما يقال بالفساد، وكأنه يقول هو بالصحة حينئذ،والدليل على ذلك انظر إلى تتبع كلماتهم في الاستدلال على الفساد وعدمه. ( باعتبار عدم قابليته للعوضية ) النهي إذا تعلق بالمعقود عليه بالعوض يدل على عدم القابلية فصار فاسدا، لان العوض غير قابل للنقل والانتقال غير قابل لان يكون محل للعقد . ( بل وقع باعتبار أمر خارج من ذلك، وإن أثم باعتبار إيقاعه في هذا الزمان المنهي عن الإيقاع فيه ) - البيع وقت النداء إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " أمر بالترك يعني نهي بالنتيجة، فهذا يدل على وجوب الترك، لكن لا يدل على أن البيع باطل، فأنت أثمت بالبيع من دون فساد البيع، البيع صحيح والنقل والانتقال صحيح، فكل ما في الأمر أثم ( وما نحن فيه إنما هو من قبيل الأول لان الظاهر ) نطبق كلامه لان " لا يجوز أن تبيع ما ليس تملك " النهي متعلق بالعوض بالمعقود عليه المملوك، ما ليس تملك، إذن يدل على أن ما ليس تملك لا قابلية فيه للعوضية، يعني النهي يدل على الفساد في هذه الروايات لأنه تعلق بنفس المعقود عليه، هذا كلام صاحب الحدائق – ( إن توجه النهي إليه إنما هو من حيث عدم صلاحية المعقود عليه لذلك، لكونه تصرفا في مال الغير بغير إذنه ) رجع إلى الاستدلال في التصرف في مال الغير، يحاول أن يبرر لماذا النهي عن المعقود عليه هنا باطل، لماذا البيع باطل لماذا دل النهي على البطلان، لأنه تصرف في مال الغير، خرج عن مسألة النهي، يحاول أن يبرر لماذا حكم العقل بالبطلان، فالشارع حكم بالبطلان لان العقل يحكم بأنه تصرف في مال الغير. ( لكونه تصرفا في مال الغير بغير إذنه، وهو قبيح عقلا ونقلا وكتابا وسنة )، - قد يقال إن هذا ليس تصرفا في مال الغير، باعتبار أن بعد ذلك هناك أجازة لاحقة. ( وإذن المالك أخيرا على تقدير وقوعه لا يخرج تلك التصرفات عن كونها غصبا كما تقدم بيانه )[1] – هو عند العقد غصب كتابا وسنة ونقلا وعقلا. ثم يؤيد كلامه بما ورد في المسالك في رد القائلين بالبطلان – حقيقة هذا الكلام غريب منه أعلى الله مقامه-. فلنتأمل أين الخلل في هذا الكلام .

 

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] - الحدائق الناضرة ج18 ص383.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo