< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ العقد الفضولي/ أدلة البطلان

كان الكلام في " لا بيع إلا في ملك " توجيه هذه الروايات، وما معناها، ما معنى هذا السؤال، هل يمكن لأحد في الدنيا أن يبيع ما ليس له، ما معنى ذلك وتأكيد الأئمة على ذلك، أكدت ايجابيا وسلبا، وجب الشراء فيما يملك ولا يجوز الشراء في ما لا يملك. هناك نوع من التأكيد والتوضيح.

قلنا من الناحية الفنية، الإنصاف أن لا بيع إلا في ملك ظاهرا أن غير المملوك بيعه باطل، وكلام صاحب البلغة السيد بحر العلوم يصبح متينا.

لكن قلنا انه إذا تأملنا قليلا نجد أن الآمر ليس كذلك لان الروايات الواردة في النهي " لا بيع إلا في ملك " روايات موردها موضوعها ما فيه شائبة علاقة بين العاقد والمالك. فنلاحظ أن غير المتحرجين في دينهم يأملون التصرف فيه، تملكه، وبيعه وثمنه. مثلا: شخص له قسم من القرية ويبيع القرية بأكملها، امرأة باعت حصة إخوتها، هناك شيء من الشائبة، غير المتحرج في دينه يبيع الكل ويقبض ثمنه، وكما ذكرنا أن الروايات موجهة للنفسية الأعرابية، وهناك فرق بين عرب وأعراب، هذه النفسية وهي موجودة في كل الدنيا ليس عند العرب فقط فيدخل تحتها أيضا غير العرب، والنفسية الأعرابية هي التالي: الإنسان غير المتحرج الذي لا يهمه إلا بطنه وفرجه، والعرب صفة مدح، النبي العربي الأمي التهامي، في القرآن الكريم { الأعراب اشد كفرا ونفاقا } والسبب انه لا يتحرج عما تحت يده، وهذا موجود في كل الأزمنة ليس فقط في زماننا، وهذه النفسية الأعرابية ليس معناه النفسية البدوية. هناك أناس غير متحرجين في دينهم لأقل مناسبة هو مستعد أن يمد يده إلى ما ليس له.

ومثال آخر في قضية الزواج سأل شخص أن هناك امرأة متزوجة طلبت أن يواقعها، ومع خوفه من الحرام والحلال، قال فامهرتها وعقدت عليهاـ فهذا يصبح حلالا بمبرراته. رغم أن هذا حرام وزنا وقد حرمت عليه مؤبدا مع الوطء.

الناس بطبيعتها ترغب في استحلال ما ليس لها لأدنى شائبة، ولذلك أجد أن مضمون هذه الروايات " لا بيع إلا في ملك " أمران:

الأول: بيان موضوع البيع وهو المملوك.

الثاني: النهي والزجر الشديد عن التصرف في مال الغير، النهي عن النفسية الأعرابية، ولذلك في روايات أخرى ورد " فليمنعها اشد المنع ". هذا النهي عن التصرف في مال الغير ولو كان فيه شائبة.

والإنصاف انه من دون هذا التوجيه فان الرواية " لا يجوز أن يبيع ما ليس يملك "، من الناحية الفنية تدل على بطلان بيع الفضولي، " فلا بيع " لا نافية للجنس تنفي ماهية البيع، ليس بيعا أصلا، ولمَّا حصل البيع عرفاً فالأقرب إلى نفي الماهية نفي الصحة وهو الظاهر.

إن لم يكن هذا التوجيه، كلام البلغة من الناحية الفنية متين، وتكون هذه الروايات قوية وواضحة في بطلان بيع الفضولي، لأن " لا بيع " نفي لجنس البيع بعموم أفراده، خرج منها بدليل، الوكالة والمأذون به، فيبقى الباقي تحت النفي، أي بيع الفضولي باطل. لكن قلنا إن موردها ليس هذا.

الرواية الثانية: ( محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن البرقي ، عن محمد بن القاسم بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم ، وكتب عليها كتابا بأنها قد قبضت المال ولم يقبضه فيعطيها المال أم يمنعها ؟ قال:له ليمنعها أشد المنع فإنها باعته ما لم تملكه )[1] .

يعلِّق صاحب البلغة السيد بحر العلوم (ره) يقول: فلو كان البيع الفضولي صحيحا كما يدعونه ودفع الثمن للبائع الفضولي جائزا كما يقولون، لما أمر (ع) بمنعها من الثمن اشد المنع، معللا ذلك بأنها باعت ما لا تملكه.

نجيب على صاحب البلغة أن الإمام (ع) لم يمنعها من الثمن مطلقا، ليس هنا أصالة إطلاق، فلا تجري أصلا، على الرغم من قوله (ع) " فليمنعها اشد المنع " ولا تشمل الرواية بإطلاقها حالة الإجازة اللاحقة. قد يقال الرواية مطلقة " فليمنعها اشد المنع " سواء كان هناك إجازة بعد العقد أم لم يكن، ظاهر الرواية الإطلاق، لكن الرواية لا تشمل حالة الإجازة اللاحقة، إذ لا ظهور لها في الإطلاق من هذه الجهة.

في مقدمات الحكمة أن يكون المتكلم في مقام البيان، وأمكن أن يبين ولم يبين. هل الإمام (ع) في مقام بيان هذه الجهة ، هل هو ملتفت لناحية الإجازة نقول هذا غير محرز. الكلام أنها لا تملك شيئا فلا حق لها بالثمن، هو ليس في مقام البيان من هذه الجهة، إذن مقدمات الحكمة لم تتم، وخصوصا أننا قلنا انه ليس لدينا أصالة إطلاق تعبدا. أصالة الإطلاق ترجع إلى أصالة الظهور، إذا كان هناك ظهور بالإطلاق فهو، وإلا مجرد كونه لم يقيّد حصل عندي إطلاق تعبدا؟. ليس لدي ذلك. فأصالة الحقيقة، وأصالة العموم وأصالة الإطلاق تعبديّة. بل ترجع إلى أصالة الظهور.

هل هناك ظهور بالشمول، هذا غير معلوم، يعني أن الأصل اللفظي لم يتم، ليس هناك أصالة إطلاق تشمل الإجازة اللاحقة، فننتقل إلى الأصل العملي، الذي هو الفساد.

وكما وجهنا في الرواية السابقة " لا يجوز البيع إلا فيما يملك " هذه الرواية موجهة إلى هذه الشريحة الكبيرة من البشر الأعراب الذين لا يهمهم إلا السلب والنهب، هذه النفسية الأعرابية المذمومة ليست مختصة بالأفراد بل تشمل الشعوب حتى المتسلط الأجنبي أعرابي لأنه يعيش على السلب والنهب، وليس من فيض نفسه، كل مجتمع وكل مجموعة اجتماعية تعيش على الآخرين بالتسلط والنهب والسلب، سلب الحديد والنفط والثروات، بالقوة هؤلاء أعراب، الذين لا هم لهم إلا بطونهم وفروجهم وهم موجودون في كل أنحاء الأرض، قيمهم أنانيتهم ولذا قال الله تعالى { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } أن هؤلاء تمتد أيديهم من دون تحرج إلى أي مال فيه شائبة علاقة، فيستنكر الامام (ع) ذلك اشد الاستنكار يقول : " فليمنعها اشد المنع " .

الرواية الثالثة تأتي

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] - وسائل الشيعة ج12 ص249.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo