< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

كان الكلام في الدليل الأول على نفي خيار الفسخ عند تخلف الشرط أو عند اشتراط الخيار، هو الضرورة، وذكرنا أربعة معان للضرورة أخرها أنه بمعنى الإجماع، وهناك معان أخرى لا نسلم بانطباقها على ما نحن فيه.

وبحثنا الآن في الدليل الثاني.

الدليل الثاني:

قالوا أن هناك إجماعا على أن عقد النكاح لا يتحمل لا اشتراط الخيار ولا خيار تخلف الشرط.

قال في الجواهر: ( لا يصح اشتراطه – خيار الفسخ - في العقود اتفاقا )[1]

وقلنا أن كلمة اتفاقا كقيمة علمية تقل عن كلمة إجماع. في كشف اللثام وغيره، هذا الإجماع قديم حيث صرح الشيخ الطوسي بذهاب المشهور إلى بطلان العقد باشتراط خيار الفسخ، لو قالت: زوجتك نفسي بشرط أن يكون لي خيار الفسخ ساعة أشاء. فهذا باطل. الشرط باطل والعقد أيضا باطل، وهذا برأيه .

وهذا نقل الشيخ الطوسي وهو نقل عن حس وليس عن حدس، سمع الفقهاء أو قرأ كلماتهم فقال المشهور كذا، فهذا نقل عن حس. وقلنا أن الإجماع كلما اقترب من الحس كانت حجيته أقوى، وكلما اقترب من الحدس كان أضعف، وذلك لأن الحدس عهدته على صاحبه، أما النقل أو الرؤية فأدلته الحجية تذهب إلى حجية الحس، وذكرنا ذلك في مبحث الإجماع.

ونعود إلى كلام الطوسي وكل من ذكر خيار الشرط ذكر أنه يجري في كل عقد سوى الوقف والنكاح – الوقف ليس عقدا لكنه من باب الاستثناء المنقطع – ولا يثبت في الطلاق – الطلاق المشروط، مثل: أنت طالق بشرط كذا أو بشرط أن يكون لي خيار فسخ الطلاق ساعة أشاء- ولا العتق ولا الإبراء – والثلاثة من الإيقاعات.

الذي نفهمه من كلام الشيخ أن اشتراط الخيار يؤدي إلى فساد العقد على المشهور، ونفهم منه أن اشتراط الخيار فاسد، فإذن لا معنى لخيار فسخ لأن أصل العقد باطل.

وننقل أيضا كلام الشهيد الثاني في المسالك يقول:( المشهور بين الأصحاب بطلان النكاح بشرط الخيار فيه )[2] . يعني اشتراط الخيار، لا يتكلم هنا عن تخلف الشرط، وقلنا هناك فرق بين خيار تخلف الشرط وخيار اشتراط الخيار. الكلام هنا عن اشتراط الخيار وكل منها يختلف عن الآخر اختلافا كاملا، تخلف الشرط معناه عدم تنفيذ الطرف الثاني للشرط، حينئذ يكون لي الخيار، وقد يكون الشرط صحيحا. اشتراط الخيار، معناه أن يكون لي خيار الفسخ في متن العقد.

والجامع بينهما كما قلنا، بين هذه الأدلة هو أن النكاح لا يتحمل خيار الفسخ، اشتراطا أو تخلف الشرط.

ونعود إلى المسالك، يقول: المشهور بين الأصحاب بطلان النكاح بشرط الخيار فيه. قطع بذلك الشيخ في المبسوط وغيره من المتأخرين، محتجين بأن النكاح ليس من عقود المعاوضات القابلة لخيار الشرط، بل فيه شائبة العبادة فالشرط يخرجه عن وضعه – يعني أن النكاح موضوع يختلف كليا عن بقيَّة العقود، ولذلك بمجرد أن يشترط الخيار، يعني خروج عن ما وضع له، وكأنه شيء آخر وليس نكاحا هذا عقد آخر خرج عن مفهومه، ليس أنه مجرد شرط فاسد. اشتراط هذا الخيار يعني خرج عن مفهوم النكاح، هذا ليس عقد نكاح.

وخالف ابن إدريس في ذلك فحكم بصحة العقد وفساد الشرط.

ووجهه: ما أشار إليه من وجود المقتضي لصحة العقد لاجتماع شرائط الصحة فيه لأنه الفرض وانتفاء المانع. – العقد صحيح مع فساد الشرط لماذا؟ لوجود المقتضي وفقد المانع، المقتضي هو أن هذا العقد قد تم بكل أجزائه بشكل صحيح. والمانع، لا مانع من صحة هذا العقد سوى اشترط الخيار.

فهنا التزامان: العقد الأول التزام، والشرط عبارة عن عقد آخر أو التزام، ففساد الثاني لا يعني فساد الأول- وعمل بمقتضى العقد لأصالة الصحة وعموم " أوفوا بالعقود " . نفهم من هذا الكلام وكأن هناك تسالم على فساد الشرط، فصار يناقش في أصل صحة العقد وكأن الشرط مفروغ عن فساده.

وتردد المحقق في بطلان العقد، ولم يتردد أحد في بطلان الشرط، هناك تسالم إلى يومنا هذا.

وفيه:

أولا: ذكرنا في الإجماع أنه مشكل كبرى وصغرى، مشكل في عالم النظرية وفي عالم التطبيق. وقلنا أن الإجماع في الكبرى كلما اقترب من الحس كلما كانت حجيته أكثر، وأن نحصل إجماعا شبه حسي، هذا من الصعب.

وثانيا: إن تحصيل الإجماع من أصعب ما يكون، لأن الشيعة ليسوا فقط الشيخ الطوسي (ره) والعلامة (ره) والمفيد (ره) وغيرهم، هناك عشرات الفقهاء الكبار، فاستقصاء آرائهم جميعا شبه محال. ذكرنا بحث الإجماع ولا نعيد، وقلنا أن مخالفة الإجماع مشكل والعمل به أشكل.

الشيخ الأنصاري (ره) يقول كلمة جميلة، نصف سطر هي في كفَّة وكل بحث الإجماع في كفَّة أخرى.

يقول: ( الإجماع هم أصل له وهو أصل لهم ).

هذا ملخص مفيد جميل جدا منه (ره) نسف حجيَّة الإجماع بهذه الكلمات وأراد أنه ليس حجة. لكن لما كان الجو العام لأبناء العامة وعليه حصل من فقهائنا مجاراة بأن الإجماع حجة.

أولا: الإجماع بذاته ليس حجة، فما هو مبرر الإجماع؟ قالوا أن المبرر هو الكشف عن رأي المعصوم، اختراع، الكشف عن رأي المعصوم كيف يكشف؟ فذهبوا إلى الإجماع الدخولي والإجماع الحدسي، والإجماع اللطفي. وقد بيَّنا ذلك في دروس سابقة.

وثانيا: أن معقد هذه الإجماعات هو عدم صحة اشتراط الخيار، لا عدم ثبوت خيار الفسخ عند فساد الشرط، وهو محل كلامنا. قالوا هناك إجماع على فساد خيار الشرط، على فساد اشتراط الخيار، وكلامنا في خيار تخلف الشرط، والإجماع دليل لبي لا إطلاق له لأنه لا لسان له، الإطلاق إنما يكون من اللسان، والإجماع دليل لبي، كبقية الأدلة اللبية، السيرة دليل لبي، تقرير المعصوم دليل لبي ، فعل المعصوم أيضا. اللبي هو كل دليل لا لفظ فيه، وعند الشك نقتصر في حجيته على القدر المتيقن، والقدر المتيقن هو اشتراط الخيار ولا يسري إلى خيار تخلف الشرط.

الدليل الثالث:

مسألة فيه شائبة العبادة، لا نسلم بها، وأيضا حتى ولو كان عبادة يتحمل الشروط، والدليل الثالث في أجوبته ما ينفعنا في الدليل الثاني.

نلخصها: أولا أنه فيه شائبة العبادة لا نسلم به، وثانيا حتى ولو كان عبادة، العبادات تتحمل الشروط كما في الاعتكاف.

 

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] - جواهر الكلام ج29 ص149.
[2] - مسالك الأفهام ج8 ص256.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo