< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

32/12/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين وعلى من تبعهم بصدق وإخلاص وإيمان إلى قيام يوم الدين. اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، اللهم افتح علينا أبواب رحمتك يا ارحم الراحمين ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

كان الكلام في الخبر الثالث الذي يدل على أن فساد الشرط لا يؤدي إلى فساد المشروط، وقلنا أنه من جهة الدلالة فالرواية أجنبية عن المقام نعم تعرضنا لها لأمرين أولا : لأن الأصحاب ذكروها وثانيا : للبحث في سندها وفي السند علي بن الحكم وهو ثقة وموسى بن بكر، وقع فيه الكلام لكنه رجل موثوق سواء بالتوثيقات الخاصة أو بالتوثيقات العامة.

أما التوثيقات العامة : موسى بن بكر القصير الكوفي أصلا الواسطي منزلا.

التوثيق الأول: روى عنه صفوان وابن أبي عمير والبزنطي ويونس. رووا كتابه. هناك قاعدة ذكرناها وهي: ما ذكره الشيخ الطوسي (ره) من أن هؤلاء، صفوان وابن أبي عمير والبزنطي لا يروون إلا عن ثقة، فكل شيخ لهم ثقة بدلالة كلام الطوسي(ره). والكلام من الشيخ الطوسي وهو من أعلام الرجال. فهو يقول لا يروون إلا عن ثقة، ولذلك تأسست في علم الرجال مسألة وهي أن هؤلاء الثلاثة ونظرائهم بمجرد أن يرووا عن شخص أصبح ثقة، واشتهر عند علماء الرجال صحة هذه القاعدة، بعضهم بل الكثيرون قالوا أنها غير تامة، ومنهم السيد الخوئي (قده) وذلك لمانعين:

أولا : إن نفس الشيخ الطوسي قد اخترقها في رواية، في مسألة الكر قال: " لم يعمل به أصحابنا " مع العلم أنها من روايات ابن أبي عمير أرسلها ابن أبي عمير. هو يقول أنه عملت الطائفة بمراسيلهم كأسانيدهم، ومع ذلك هناك روايتان مرسلتان لابن أبي عمير لم يعمل بهما.

وثانيا: لان هناك من روى عنه ابن أبي عمير وليسوا من الثقات بل من المطعونين. وقد كتبت في هذه المسألة في كتاب طفل الأنبوب والاستنساخ، وذكرت هذه المسألة الرجالية وذهبت هناك إلى عدم صحة هذه القاعدة، نتيجة هذين الإشكالين.

من قال بصحة القاعدة قال: أن المقتضي موجود والمانع مفقود، مقتضى التوثيق هو كلام الشيخ الطوسي نفسه، هذا دليل على أن كل من يروي عنهم ابن أبي عمير ونظائره ثقة، وأن مرسلاته كمسنداته، هذا واضح لوجود المقتضي.

وأما المانع فقد ردّوه بردود كثيرة، ولا أريد أن أغوص بها ولكن إشارة إلى أني إلى حد كبير أميل إلى صحة هذه الردود، وأميل إلى صحة هذه القاعدة وذلك لان المانع أمران:

الأول: روايتان اخترقهما الشيخ الطوسي ولكن لو تأملنا بسند الروايتين نجد مخرجا للشيخ الطوسي، لأنه في كلتا الروايتين هناك إرسالان وليس إرسالا واحدا، فلعل كلام الشيخ الطوسي (ره) عندما قال في حديث الرطل وكميّة الرطل، قال: أولا أنه مرسل، ولم يعمل به احد من أصحابنا. لعله ليس بلحاظ إرسال ابن أبي عمير بل بلحاظ الإرسال الآخر، لان الروايتين، فيهما ارسالان، وهو من الأمور النادرة في الروايات، إرسال في إرسال. فلعل كلام الشيخ الطوسي (ره) بأنه مرسل ابن أبي عمير ومع ذلك لم يعمل به أصحابنا، ناظر إلى الإرسال الآخر، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال.

الثاني : وأما المطعون بهم فهم ستة قالوا أن ابن أبي عمير قد روى عنهم رغم الطعن بهم، وهذا ما يخدش القاعدة.

نقول: لا، لكل منهم مخرج في عدم خدش القاعدة، ولهذا نميل إلى صحة هذه القاعدة، وهي: أن ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي لا يروون إلا عن ثقة ومراسيلهم كمسنداتهم بناء على نقل الشيخ الطوسي (ره) إذا تأملنا بالإشكالات التي وردت نجد أن هناك مجالا واسعا لردها.

فإذن التوثيق الاول لموسى بن بكر، أن ابن أبي عمير قد روى عنه، فهو من شيوخه، وبناء على هذه القاعدة يصبح موسى بن بكر ثقة.

التوثيق الثاني : روى عنه بعض أصحاب الإجماع، منهم حماد وابن مسكان وفضالة بن أيوب، وهؤلاء صحيح انه لم يثبت أنهم لا يروون إلا عن ثقة، لكن عندما يروي عنه الأول والثاني والثالث والرابع، الرواية عنه بكثرة، يعني هذا رجل جليل تطمئن إلى جلالته، ثبت تصحيح ما صح عنهم، انهم في درجة عالية من الوثاقة، لكن لم يثبت أنهم لا يروون إلا عن ثقة، لكن نفس روايتهم عنه تجعل النفس تطمئن به.

التوثيق الثالث : وقوعه في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم حيث قال: لم أرو إلا عن الثقات، لكن المشكلة في هذه الكلمة أن القدر المتيقن منها هو خصوص شيخه المباشر الذي روى عنه مباشرة إلا أنه قد يقال أنه هناك قرينة هي التي دفعت الكثيرين بالأخذ بهذه القاعدة وهي: أن علي بن إبراهيم يريد أن يقول: لم أرو إلا الروايات الموثقة، كلامه لا يريد توثيق من يروي عنه بل يريد توثيق الرواية، ولذلك كثيرون قالوا كل من وقع في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم فهو ثقة. إلا أن القدر المتيقن هو خصوص من روى عنه مباشرة، فإذا وثقنا من أنه يريد توثيق الرواية لا توثيق الراوي نستطيع أن نقول حينئذ كل من وقع في الأسانيد فهو ثقة، وإلا فلا توثيق إلا لخصوص شيخه المباشر.

وأما التوثيقات الخاصة :

وهي ما روى فيه بالخصوص أو ما استنسبه بعض علماء الرجال بالخصوص:

منها : هذه الرواية عن الحسن بن سماعة قال: دفع إليّ صفوان كتابا لموسى بن بكر،- وكونه عنده كتاب شيء يزيد في جلالته-، وقال لي هذا سماعي من موسى بن بكر، وقرأته عليه فإذا فيه، موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة – قال صفوان هذا مما ليس فيه اختلاف عند اصحابنا – تعبير مهم – كأن هناك نقل، اجماع منقول على توثيق الكتاب وصاحبه، طبعا الذي يهمنا الكتاب اكثر من الصاحب، إذا كان الكتاب صحيحا، يعني رواياته صحيحة. وأنا كل بحثي لأجل توثيق الرواية، وعندما يكون هذا الكتاب صحيحا يعني هو توثيق للراوي، لكن مع ملاحظة عبارة " هذا مما ليس فيه اختلاف " نقلها صفوان، هذه العبارة هي التي إتّكل عليها السيد الخوئي (ره) في توثيق موسى بن بكر.

منها : ابن ادرسي في السرائر في المستطرفات التي انتزعها من كتاب المشيخة من المصنفين والروات المحصلين.

منها : ابن طاووس حكم بتوثيقه، بصحة كل رواية هو في اسنادها.

منها : رواية الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن جعفر بن سماعة إن جميلا – بن دراج – شهد بعض أصحابنا وقد أراد أن يخلع ابنته من بعض الأصحاب، اختلفوا، فهل يجب الإتباع بطلاق أو لا؟. جعفر بن محمد بن سماعة لم يقبل بكلام جميل أخذ برواية موسى بن بكر بلزوم إتباع الطلاق. يعني لم يأخذ برواية جميل وأخذ برواية موسى بن بكر، يعني جعفر اعتبر موسى بن بكر أوثق من جميل، يدل على وثاقته وعلى جلالته.

نستطيع أن نقول أن هذه الرواية تامة سندا بعد تمامية علي بن الحكم وموسى بن بكر. لكنها دلالة وإن أدرجوها في مقام الاستدلال على مسألة أن فساد الشرط لا يؤدي إلى فساد المشروط، لكن قلنا بأنها أجنبية عن المقام.

الخبر الرابع : روى الحر العاملي في الوسائل وبإسناد الشيخ الطوسي (ره) عن علي بن إسماعيل الميثمي عن ابن أبي عمير وعلي بن حديد جميعا، عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن احدهما (ع): " في الرجل يشتري الجارية ويشترط لأهلها أن لا يبيعها ولا يهب ولا يورث قال: يفي بذلك إذا شرط لهم إلا الميراث "[1] .

وفي الرواية نقاش سندا ودلالة

أما سندا : علي بن إسماعيل الميثمي من وجوه المتكلمين والثقات ولكن إسناد الشيخ له مجهول. نعم هناك اسناد للشيخ الصدوق عنه إليه، فنستطيع تصحيح السند من خلال أخذ طريق الصدوق بدل طريق الشيخ.

علي بن حديد في السند أيضا، عن ابن أبي عمير عن ابن حديد جميعا. علي بن حديد لم يوثق لكن الذي يهون الخطب أنه روى مع ابن أبي عمير، فنتكل على ابن أبي عمير، لكن بعد ذلك الإشكال في بعض أصحابنا، أصبحت الرواية مخدوشة السند.

وأما دلالة : هناك عدة نقاط :

أولا : قال: ويشترط لأهلها أن لا يبيعها ولا يهب ولا يورث، الإمام (ع) صحح الشرط في البيع والهبة وأبطله في الإرث. وذلك لان الإرث حكم وليس حقا، ليس مجرد فعل لتستطيع أن تفعل ولا تفعل، بل الإرث حكم يجب تنفيذه غير قابل للإسقاط.

ثانيا: قد يقال أن هذه المسألة خاصة بالإماء، نقول: بوحدة المناط ليس هناك دلالة على أنها خاصة بالإماء، لا تباع ولا توهب ولا تورث. بل هي في كل ما يمكن أن يباع ويوهب ويورث.

ثالثا : قلنا أن من الشروط الفاسدة ما كان خلاف مقتضى العقد، وقلنا أن معنى خلاف مقتضى العقد، انه إذا نفينا الشرط انتفى العقد. وقلنا أن هذا يؤدي ليس إلى فساد الشرط بل إلى نفي العقد من أساسه. هذا الشرط هو المخالف لمقتضى العقد لا يفسد العقد بل ينفيه، ومثلنا لذلك مثالا: أبيعك هذا الكتاب بشرط أن لا تملكه. وقلنا لماذا لم نمثل كما مثل الآخرون، بشرط أن لا تبيعه، أو زوجتك نفسي بشرط عدم الوطء.

قلنا هذه أمور يمكن اشتراطها ولا تنافي مقتضى العقد، بدليل :

أولا : وقوعه في العرف،

وثانيا : هذه الرواية وعدة روايات ليست خاصة في الإماء ونستطيع أن نستفيد منها أن الشرط لا يؤدي إلى فساد المشروط. الامام (ع) أقرَّ البيع صححه، افسد شرطا واحدا وهو عدم الإرث وأبقى بقية الشروط، رغم عدم الإرث فالبيع صحيح. هذا ينفعنا في الاستدلال على مسألتنا: أن فساد الشرط لا يؤدي إلى فساد العقد.

الخبر الخامس:

روى ثقة الاسلام الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن الشرط في الإماء ان لا تباع ولا تورث ولا توهب فقال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث وكل شيء خالف كتاب الله فهو ردٌ " [2] .

أما سند هذه الرواية فمعتبر.

وأما الدلالة:

أولا : هذه الرواية تختلف عن سابقتها، أتينا بها للذيل، في ذيلها يقول: " وكل شرط خالف كتاب الله فهو ردٌ ".

ثانيا: في الدلالة أن الميراث حكم لا يصح إسقاطه، وهذا نفس الكلام في الرواية السابقة.

ثالثا: كل شرط خالف كتاب الله فهو ردٌ. أعطى قاعدة عامة لبعض أنواع الشروط الفاسدة. " ما خالف قول ربنا لم نقله " " كل شرط خالف كتاب الله فهو ردٌ " ما معنى خالف كتاب الله؟ أي ما خالف أحكامه، الحكم بالمعنى الأخص الاصطلاحي الذي ذكرنا بقرينة المسألة السابقة وهي أن اشتراط عدم البيع صحيح وكذا الهبة، اشتراط عدم الإرث غير صحيح، هذا يجعلنا نفهم ما معنى كلمة خالف كتاب الله.

كلمة ردٌ ما معناها؟ هي مصدر بمعنى مردود، والمصدر قد يأتي بمعنى الوصف سواء كان وصفا باسم الفاعل أو وصفا باسم المفعول، وإذا جاء الوصف بصيغة لفظ المصدر فهو يدل على تأكيد الحدث أكثر، من قبيل عليٌ عادل وعليٌ عدل، إذا قلت عليٌ عادل وصفته بالعدالة، إسناد الوصف إلى شخص، أما إذا قلت عليٌ عدلٌ فمعناه أن عليا متمحض في العدالة، هو عدل لأن المبتدأ والخبر كما يعبر النحاة هو، الخبر نفس المبتدأ، فليس شخصا اسند له العدالة بل هو نفس العدالة. وهنا أيضا فهو ردٌ بمعنى المردود وقد يأتي بمعنى الشدة في الرد أي التأكيد في رده، ولذا لم يقل فهو مردود، مردود نسبة الحدث الرد إلى أمر، إما في ردٌ كأنما هذا الأمر كله ردٌ، الرد فيه وهو أبلغ، وهذا موجود، أن يأتي المصدر بمعنى اسم المفعول، موجود مثلا: هذا ذبح حلال، يعني مذبوح حلال بمعنى اسم المفعول.

 

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] - الوسائل ج15 ص49 ح3.
[2] الكافي ج5 ص212 ح17.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo