< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

41/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/الوضع/الحقیقة الشرعیه

الإشکال الرابع

«إنّ نتيجة ثبوت الحقيقة الشرعيّة و ثمرته هو حمل الألفاظ الصادرة عن الشارع على المعاني الشرعيّة لا على المعاني اللغويّة. و هذه الثمرة مترتّبة على فرض ثبوت هذه المعاني في الشرائع السابقة أيضاً. و مع ترتّب الثمرة لايقدح عدم صدق الحقيقة الشرعيّة في الاصطلاح لو سلّمناه لأجل وجود المعاني في الشرائع السابقة؛ فإنّ البحث عن ثبوت الحقيقة الشرعيّة إنّما هو لترتّب الثمرة».[1]

أقول: کلامه (رحمةالله) متین.

قال بعض الأصولیّین (رحمةالله): «الصواب أن يقال: إنّ حقائق هذه العبادات كانت ثابتةً فى الشرائع السابقة أيضاً معهودةً عند الناس فيما قبل الإسلام و إن كانت مصاديقها فى تلك الشرائع مخالفةً فى الجملة و في شي‌ء من الأجزاء و الشرائط مع ما في الإسلام؛ فلا ريب حینئذٍ في كون تلك الألفاظ حقيقةً فى هذه المعاني العباديّة غير محتاجة إلى القرينة، إمّا لهجر المعاني غير العباديّة أو اشتراكها بينهما مع أظهريّة المعاني العباديّة؛ فحينئذٍ لايبقى مجال لدعوى الحقيقة الشرعيّة و يسقط النزاع من أصله. و تحمل تلك الألفاظ على المعانى المذكورة أينما وجدت في كلام الشارع».[2]

أقول: کلامه (رحمةالله) متین.

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «إنّ هذه الألفاظ[3] كانت حقيقةً في هذه المعاني قبل البعثة و متزامناً معها و قد استعملها النبيّ(ص) فيها كاستعمال سائر الألفاظ من غير فرق بينها. و توضيح ذلك يتوقّف على ثبوت أمرين:

1. إنّ هذه العبادات كانت موجودةً في الشرائع السابقة و يشهد لها كثير من الآيات القرآنيّة و نكتفي بالبعض منها.

قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...﴾[4] . و قال تعالى: ﴿وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى‌ كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾[5] . فإنّ هذه الآيات و غيرها ممّا يجده المتتّبع في القرآن، تدلّ على وجود تلك الماهيّات في الشرائع السابقة و أنّها ليست ماهيّات مخترعةً.

2. إذا كانت هذه الحقائق موجودةً في الشرائع السماويّة و كانت للعرب صلة وثيقة باليهود و النصارى، فلميكن للعرب يوم ذاك بُدّ من وجود لفظ يعبّر به عن عباداتهم صلاتهم و صومهم و لميكن ذلك اللفظ سوى نفس هذه الألفاظ.

و يؤيّد ذلك أنّ القرآن استعملها في نفس تلك المعاني في بدء البعثة؛ فجاءت الآيات التالية في السور المكّيّة النازلة في صدر البعثة:

1. ﴿أَ رَأَيْتَ الذي يَنْهى﴾﴿عَبْداً إذا صَلَّى﴾[6] . ... فقد نزلت هذه الآيات في أوائل البعثة، مع أنّ الصلاة فرضت في ليلة المعراج و كان عروجه إلى السماء في العام العاشر من الهجرة و قد ورد لفظ الصلاة في السور المكّيّة. كلّ ذلك يدلّ على أنّ العرب المعاصرين لعصر الرسالة كانوا يستعملون تلك الألفاظ في نفس هذه المعاني، بلا قرينة و أنّ الوحي اتّبع اللغة الدارجة بين قوم النبيّ(ص).

و يؤيّد ذلك أيضاً أنّ جعفر بن أبي طالب عرّف دين النبيّ(ص) لملك الحبشة بكلام مفصّل و كان ذلك في العام الخامس من البعثة و قد جاء في ثناياه: أيّها الملك كنّا قوماً أهل جاهليّة نعبد الأصنام إلى أن قال: و أمرنا أن نعبد اللّه وحده لانشرك به شيئاً و أمرنا بالصلاة و الزكاة و الصيام فصدّقناه و آمنّا ... .[7] كلّ ذلك يعرب عن شيوع استعمال هذه الألفاظ في تلك المعاني يوم ذاك و قد خاطب رئيس الوفد جعفر بن أبي طالب ملكَ الحبشة بلغة قومه و بالتالي خاطب النبيّ(ص) الناس أيضاً بلغة قومه و قال سبحانه: ﴿وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾[8] . ثمّ إنّ القوم نظروا إلى القسم الأوّل من الآيات الدالّة على ثبوت هذه الحقائق في الشرائع السماويّة و غفلوا عن القسم الثاني منها الدالّ على التعبير عنها في بدء البعثة بنفس هذه الألفاظ، كما غفلوا عن انتشار هذه المفاهيم بين الجزيرة العربيّة، فقد كانوا يعبّرون عنها بهذه الألفاظ»[9]

أقول: کلامه (رحمةالله) متین و لایخفی أنّ الثمرة مترتّبة علی جمیع الفروض؛ فإنّ هذه الألفاظ لابدّ من حملها علی المعاني الشرعیّة، سواء کانت في الشرائع السابقة أضیفت إلیها قیود و شروط أو لا.

 

 


[1] .مصباح الاصول(مباحث الالفاظ)، ج1، ص127.
[3] . ألفاظ العبادات.
[4] .سورة البقرة، آیة 183.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo