< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/مفهوم الکذب

المقام الثاني: حکم الکذب تکلیفاً

إتّفق العلماء علی حرمة الکذب.

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «لا شبهة في حرمة الكذب؛ فإنّه من قبائح الذنوب و فواحش العيوب؛ بل هو مفتاح الشرور و رأس الفجور و من أشدّ الجرائم»[1]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

أدلّة الحرمة

أقول: إنّه لایخفی علیك أنّ أدلّة کون الکذب من الکبائر و لو في الجملة، تستغني عن البحث في أدلّة حرمة الکذب؛ کما أنّ الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله) إنصرف عن البحث مفصّلاً عن أدلّة حرمة الکذب و اکتفی بالإشارة إلیها و لکن نبحث عن أدلّة حرمة الکذب، طبقاً لبعض الفقهاء.

الدلیل الأوّل: الآیتان

الآیة الاُولی: قوله- تعالی: ﴿... سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ ...﴾.[2]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[3]

الآیة الثانیة: قوله- تعالی: ﴿... وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾.[4]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[5]

قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «وجه الاستدلال على الحرمة ما ذكرنا سابقاً من ظهور الزور في البطلان و اتّصاف القول بالباطل يكون باعتبار بطلان معناه و عدم تطابقه مع الخارج، كما هو المراد بالكذب. و ظاهر الأمر بالاجتناب عن فعلٍ حرمته، كما في الأمر بالاجتناب عن الخمر و الميسر و عبادة الأوثان إلى غير ذلك».[6]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال علی الاستدلال بالآیات علی حرمة الکذب

هناك عشرات من الآيات تدلّ على حرمة الكذب و كونه من أعظم الظلم و أشدّ القبائح و لكن كلّها أو جلّها واردة في تكذيب اللّه أو رسله أو نسبة أمور إليه- تعالى- كذباً أو تكذيب الآخرة؛ كقوله- تعالى: ﴿وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرىٰ عَلَى اللّٰهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيٰاتِهِ إِنَّهُ لٰا يُفْلِحُ الظّٰالِمُونَ﴾[7] ... .[8]

أقول: تدلّ الآیة علی أنّ الکذب الداخل في الظلم محرّم قطعاً. و یستفاد من مجموع آیات الکذب أنّ الکذب قبیح عقلاً و محرّم شرعاً و من مصادیق الظلم المحرّم قطعاً، فإنکاره مکابرة.

الدلیل الثاني: الروایات

هي كثيرة غاية الكثرة، عامّة شاملة لجميع أنواع الكذب من غير اختصاص بالكذب على أولياء اللّه أو غيره. و لايضرّ ضعف سند كثير منها بعد كونها متظافرةً متكاثرةً، بل متواترةً. [9]

أقول: کلامه (حفظه الله) في کمال المتانة.

فمنها: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا[10] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ[11] عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ[12] عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ[13] عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ[14] (ع) قَالَ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) يَقُولُ لِوُلْدِهِ: «اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَ الْكَبِيرَ فِي كُلِّ جِدٍّ وَ هَزْلٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَى عَلَى الْكَبِيرِ أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ: «مَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَصْدُقُ حَتَّى يَكْتُبَهُ اللَّهُ صِدِّيقاً وَ مَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ حَتَّى يَكْتُبَهُ اللَّهُ كَذَّاباً». [15]

أقول: دلالتها تامّة، لکنّ السند ضعیف ینجبر بعمل المشهور.

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [16]

و منها: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا[17] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ[18] عَنْ أَبِيهِ[19] عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ[20] عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ[21] عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ[22] قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): «لَا يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ هَزْلَهُ وَ جِدَّهُ».[23]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [24]

أقول: إنّها تامّة سنداً و دلالةً.

و منها: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ[25] (رحمة الله) قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي[26] عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ[27] عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ الْقَنْدِيِّ[28] عَنْ أَبِي وَكِيعٍ[29] عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ[30] عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ[31] عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: «لَا يَصْلُحُ مِنَ الْكَذِبِ جِدٌّ وَ لَا هَزْلٌ وَ لَا أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِيَ لَهُ إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَ مَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ يَكْذِبُ حَتَّى يُقَالَ كَذَبَ وَ فَجَرَ وَ مَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ يَكْذِبُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مَوْضِعَ إِبْرَةٍ صِدْقٌ فَيُسَمَّى عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً».[32]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [33]

أقول: إنّها تامّة دلالةً و سندها ضعیفة ینجبر بعمل المشهور.

و منها: عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ[34] عَنْ أَبِيهِ[35] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[36] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ[37] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): الْكَذَّابُ هُوَ الَّذِي يَكْذِبُ فِي الشَّيْ‌ءِ؟ قَالَ: «لَا مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ وَ لَكِنَّ الْمَطْبُوعَ‌ عَلَى‌ الْكَذِبِ[38] » . [39]

و منها: [عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا[40] ] عَنْه[41] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى[42] عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ[43] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ[44] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ[45] (ع) قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَ جَلَّ- جَعَلَ‌ لِلشَّرِّ أَقْفَالاً وَ جَعَلَ‌ مَفَاتِيحَ‌ تلك‌ الْأَقْفَالِ‌ الشَّرَابَ‌ وَ الْكَذِبُ‌ شَرٌّ مِنَ الشَّرَابِ».[46]


[10] . هم عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّيّ [إماميّ ثقة] و عليّ بن عبد الله بن أذینة [لعلّه هو عليّ بن محمّد بن عبدالله أبو القاسم بن عمران و قد یعنون بعليّ بن محمّد بن بندار: إماميّ ثقة] و أحمد بن عبد الله بن أمیّة [لعلّه هو أحمد بن عبد الله بن أحمد [البرقي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و أیضاً أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و عليّ بن الحسین [السعد آبادي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً].
[11] . البرقيّ: إماميّ ثقة.
[12] . إسماعیل بن مهران بن محمّد بن أبي نصر: إماميّ ثقة.
[13] . إماميّ ثقة.
[14] . الإمام الباقر (ع).
[17] مضی توصیف رواته في الروایة السابقة.
[18] أحمد بن محمّد بن خالد البرقي: إماميّ ثقة.
[19] . محمّد بن خالد البرقي: إماميّ ثقة.
[20] مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[21] عبد الحمید بن عوّاض الطائي: إماميّ ثقة.
[22] إماميّ ثقة.
[23] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص340. (هذه الروایة مسندة، صحیحة ظاهراً).
[25] . مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[26] محمّد بن یحیی العطّار: إماميّ ثقة.
[27] . الأنباري: أماميّ ثقة.
[28] من رؤساء الواقفة و الظاهر أخذ المشایخ عنه قبل وقفه و هو إماميّ ثقة.
[29] الجرّاح بن ملیح بن عديّ الرؤاسي : عامّيّ غیر ثقة.
[30] . عمرو بن عبدالله أبو إسحاق السبیعي: إماميّ لم تثبت وثاقته.
[31] . الحارث بن عبدالله الأعور : مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[32] .الأمالي، الشيخ الصدوق، ج1، ص505.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود أبي وکیع في سندها و هو عامّيّ غیر ثقة)
[34] عليّ بن إبراهیم بن هاشم: إماميّ ثقة.
[35] . إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[36] محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[37] البجلي: إماميّ ثقة.
[38] المطبوع على الكذب المجبول عليه بحيث صار عادةً له و لا يتحرّز عنه و لايبالي به و لايندم عليه. و من لايكون كذلك لايصدق عليه الكذّاب مطلقاً؛ فإنّه صيغة مبالغة، أو المراد الكذّاب الذي يكتبه الله كذّاباً- كما مر- أو الكذّاب الذي ينبغي أن يجتنب مؤاخاته- كما سيأتي- و فيه إيماء إلى أنّ الكذب مطلقاً ليس من الكبائر. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول‌، العلامة المجلسي، ج10، ص332.
[39] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص341. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[40] . هم عليّ بن ابراهیم بن هاشم القميّ [إماميّ ثقة] و عليّ بن عبد الله بن أذینة [لعلّه هو عليّ بن محمّد بن عبدالله أبو القاسم بن عمران و قد یعنون بعليّ بن محمّد بن بندار : إماميّ ثقة] و أحمد بن عبد الله بن أمیّة [لعلّه هو أحمد بن عبد الله بن أحمد [البرقي : مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و أیضاً أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي : مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و عليّ بن الحسین [السعد آبادي : مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً].
[41] . أحمد بن محمّد بن خالد البرقي: إماميّ ثقة.
[42] . الکلابي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً، من أصحاب الإجماع علی قول.
[43] . عبد الله بن مسکان: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[44] . الثقفي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[45] . الإمام الباقر (ع).
[46] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص339. (هذه الروایة مسندة، صحیحة ظاهراً).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo