< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

41/08/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/القیافة / التحلیلات الجینی(دی ان ای)

 

و منها: ما روي عن أبي جعفر(ع) قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) عَلِيّاً(ع) إلَى الْيَمَنِ - فَقَالَ لَهُ حِينَ قَدِمَ: حَدِّثْنِي بِأَعْجَبِ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَانِي قَوْمٌ قَدْ تَبَايَعُوا جَارِيَةً فَوَطِئُوهَا جَمِيعاً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَوَلَدَتْ غُلَاماً وَ احْتَجُّوا[1] فِيهِ كُلُّهُمْ يَدَّعِيهِ فَأَسْهَمْتُ بَيْنَهُمْ وَ جَعَلْتُهُ لِلَّذِي خَرَجَ سَهْمُهُ وَ ضَمَّنْتُهُ نَصِيبَهُمْ[2] فَقَالَ النَّبِيُّ(ص) إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ تَنَازَعُوا ثُمَّ فَوَّضُوا[3] أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ إِلَّا خَرَجَ سَهْمُ الْمُحِقِّ».[4]

و منها: صحيح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه(ع) قال: «إِذَا وَقَعَ الْمُسْلِمُ وَ الْيَهُودِيُّ وَ النَّصْرَانِيُّ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَكَانَ الْوَلَدُ لِلَّذِي تُصِيبُهُ الْقُرْعَةُ».[5] إلى الأخبار العامّة الواردة حول القرعة و أنّها لكلّ أمر مشتبه.

و حاصل البحث: أنّه لو كان فراش في البين، فهو يلحق به. و لو كان الفراش و الدعوى مشتركةً و كان في البين بيّنة، يقضى بمقتضاها. و لو لم‌تكن بيّنة و لكن يمكن الرجوع إلى الفراش و الأمارات العلميّة، فيرجع إليها و إلّا فيعمل بالقرعة. هذا إذا لم‌تكن يد على المولود. أمّا إذا كان المولود في يد شخص و ادّعاه الآخر، فهو يلحق بصاحب اليد. و المسألة ذو شجون، و بقيّتها في كتاب النكاح و الإقرار و اللقطة»[6] .

الحق: أنّ الاختبارات الطبّیّة لو حصل منها العلم فهي مقدّمة علی الإقرار و البیّنة و قاعدة الفراش و غیرها؛ لکن مع وجود قاعدة الفراش لایجوز الرجوع إلی الاختبارات الطبّیّة لکونه قد یوجب هتك العرض للمؤمنة الصالحة و عروض الاختلاف بین الطائفتین و الطلاق و مفاسد أخری و لکن لو حصل العلم، فلابدّ من الاتّباع بدون هتك العرض و سائر المحرّمات بقدر ما یمکن الفرار منها. و تفصیل ذلك في کتاب النکاح.

أقول: الوسائل العلميّة التي تعتمد على تحليل الجينات الوراثيّة هل يمكن الاعتماد عليها في إثبات أنّ هذا ابن ذاك أو لا؟

و الجواب: تارةً نفترض أنّ هذه الوسائل العلميّة تورث العلم - و أقصد من العلم ما يعمّ الاطمئنان - و أخرى لاتورث ذلك، بل تورث الظن، فإن أورثت الظن، فهي ليست حجّةً؛ فإنّ الظن لايغني من الحقّ شيئاً. و أمّا إذا أورثت العلم، فمن المناسب أن تكون حجّةً من باب حجّيّة العلم و بعد أن حصل العلم بأنّ هذا تولّد من ذاك، لا وجه للتوقّف حينئذٍ؛ نعم، قد تقول إنّه كيف يمكن حصول العلم؟ و نجيب إنّ هذه قضيّة أخرى، إنّ هذا نقاش من حيث الصغرى و نحن كلامنا إن ثبتت الصغرى و أنّه أورثت العلم حينئذٍ نعتمد أو لا، أمّا أنّها تورث العلم أو لاتورث العلم، فهذه القضيّة لاترتبط بالفقيه و إنّما ترتبط بالمكلّف نفسه.

و لكن قد يستدلّ بوجهين على عدم حجّيّة هذه الوسائل الحديثة حتّى لو أورثت العلم:

الوجه الأوّل: إنّ مقتضى قاعدة الفراش أنّ الشارع قد جعل الحجّيّة للفراش، فمتى كانت المرأة لها فراش حينئذٍ، يلحق الولد بالفراش، أي بالزوج. هذه طريق الشرع المقدّس و هو أنّ المدار على قاعدة الفراش و الاعتماد على هذه الوسائل الحديثة هو في الحقيقة هجر لقاعدة الفراش و هذا لايجوز.

و فيه: إنّ قاعدة الفراش شرّعت حالة الشك؛ يعني إذا كان هناك شكّ و لايدرى أنّ هذا الولد هل تولّد من الزوج الشرعيّ الذي هو فراش أو تولّد من إنسان آخر من خلال السفاح، فقاعدة الفراش في حالة الشك تقول هو من الزوج الشرعي. أمّا إذا فرض أنّه لايوجد شك، فلا مورد لقاعدة الفراش و نحن قد فرضنا أنّ الوسائل العلميّة قد أورثت العلم - هكذا فرضنا - نعم أنت تشكّك في حصول العلم و هذا حقّ لك و الآن نحن حينما نتكلّم فنحن نتكلّم إذا فرض حصول العلم و الفقيه لايتدخّل في أنّه حصل علم أو لم‌يحصل علم؛ فإذا فرض أنّه حصل العلم، كما لو اتّفقت جميع هذه الوسائل الحديثة في جميع المناطق بحيث أورثت لنا العلم حينئذٍ قاعدة الفراش لا مورد لها؛ لأنّ موردها حالة الشك و مع العلم لا معنى للإرجاع إلى قاعدة الفراش؛ فإذا علمنا أنّ هذا الولد ليس للزوج؛ كما لو كان الزوج سجن أو توفّي بعد العقد، فإذا حملت هذه المرأة، فهل يلحق هذا الولد بهذا الزوج لقاعدة الفراش! إنّ هذا لا معنى له؛ لأنّ الزوج لم‌يجتمع معها و لم‌يرها، بل عقد عليها فقط؛ فقاعدة الفراش لاتأتي في صورة العلم و إنّما تأتي في صورة الشك.

و أمّا بالنسبة إلى مسالة اللعان فربّ قائل يقول: إنّ تشريع اللعان يدلّ بالدلالة الالتزاميّة على أنّ انتفاء الولد يكون باللعان و لايكون بوسيلة من هذه الوسائل العلميّة الحدیثة، فعلى هذا الأساس يدلّ على النفي عن اتّباع هذه الوسائل العلميّة.

و الجواب: أنّ اللعان يأتي إذا فرض أنّ المورد كان مورداً لقاعدة الفراش؛ يعني كان يوجد فراش فالزوج موجود و ولّدت الزوجة الولد و لكنّ الزوج يقول هذا ليس ابني، بعد فرض أنّ قاعدة الفراش موجودة، فهنا نقول له مادام قاعدة الفراش موجودةً فلاينتفي عنه إلّا باللعان؛ أمّا إذا لم‌تكن قاعدة الفراش موجودةً، فهل نحتاج إلى لعان؛ كما لو عقد على المرأة بالهاتف (مثلاً) و لم‌يرها، فقاعدة الفراش ليس لها معنى في مثل هذه الحالة و انتفاء الولد حینئذٍ لايحتاج إلى مسألة اللعان؛ فمسالة اللعان تأتي في مورد جريان قاعدة الفراش و نحن قد فرضنا في محلّ كلامنا أنّ قاعدة الفراش لاتجري؛ لحصول العلم بأنّ هذا الولد ليس لفلان. و مع حصول العلم و عدم جريانها، لايمكن إذن التمسّك بالدلالة الالتزاميّة لمسألة شرعيّة اللعان؛ فإنّ المورد ليس مورداً للعان ما دامت قاعدة الفراش لاتجري.

 


[2] . أي: جعلته ضامناً لثلثي الدیة إن کان غیره إثنان و هکذا.
[3] . في الفقیه: قَوْمٍ تَقَارَعُوا وَ فَوَّضُوا. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص95.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص172، أبواب نكاح العبيد والاماء، باب57، ح4، ط آل البيت.. و فیه: [محمّد بن یعقوب الکلیني: إماميّ ثقة] عَنْ عَلِيٍّ [عليّ بن إبراهیم بن هاشم: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ [عبد الرحمن بن أبي نجران: إماميّ ثقة] عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ [الحنّاط: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِي بَصِيرٍ [یحیی أبو بصیر الأسدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [الإمام الباقر(ع) ]. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج26، ص280، أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه، باب10، ح1، ط آل البيت.. و فیه: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ [بن عليّ الطوسي: إماميّ ثقة] بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ [الأهوازي: إماميّ ثقة] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ [محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ حَمَّادٍ [حمّاد بن عثمان الناب: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنِ الْحَلَبِي [عبید الله بن عليّ الحلبي: إماميّ ثقة]. (هذه الروایة مسندة و صحیحة)
[6] . فقه القضاء، موسوی اردبیلی، سید عبدالکریم، ج2، ص713 - 715 (التلخیص).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo