< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: أصالة البراءة

إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن في الشبهات الحكمية بعد الفحص وعدم وجدان الدليل على الحكم الشرعي فيها المرجع فيها قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن موضوع هذه القاعدة متحقق وهو عدم وجدان الدليل وعدم وجدان البيان.

ودعوى ان احتمال التكليف في الشبهات الحكمية بعد الفحص مساوق لاحتمال العقاب وحينئذ يكون بيانا وكافيا في المنع عن جريان هذه القاعدة فيكون المورد من موارد قاعدة حق الطاعة.

هذه الدعوى وإن كانت صحيحة من جهة ان احتمال التكليف مساوق لاحتمال العقاب إلا أن هذا الاحتمال إذا كان في الشبهات الحكمية بعد الفحص فهو مشروط بعدم وجود أصل مؤمن فيها ومع وجود الأصل المؤمن لا يكون احتمال التكليف مساوقا لاحتمال العقاب والمفروض أن قاعدة قبح العقاب بلا بيان مؤمنة من العقاب فلا يمكن العقاب مع جريان هذه القاعدة فمن أجل ذلك لا يكون احتمال التكليف مساوقا لاحتمال العقاب في الشبهات الحكمية بعد الفحص لجريان الأصل المؤمن فيها وهو قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وذكرنا أن الأظهر هو جريان هذه القاعدة فإن الأصل الأولي بحكم العقل العملي في الشبهات الحكمية بعد الفحص هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا قاعدة الاشتغال وحق الطاعة وذلك لأن الاحتمال لا يكون بيانا شرعا لأن الشارع لم يجعل احتمال التكليف حجة فالشارع جعل أخبار الثقة حجة وظواهر الالفاظ ونحوهما حجة وأما احتمال الوجوب او الحرمة فلا دليل على ان الشارع جعله حجة فلا يكون الاحتمال بيانا شرعا ولا بيانا بحكم العقل العملي فإن العقل العملي لا يحكم بانه بيان ومحرك ومنجز للتكليف، كما انه ليس ببيان عقلائي، فمن أجل ذلك كله يكون المرجع هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان. هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى أن الإنشاء على قسمين:

القسم الأول: ما يكون الغرض منه يترتب على نفس الإنشاء فإذا تحقق الإنشاء ترتب عليه غرضه وانتهى مفعوله كالأوامر الصادرة من المولى امتحانا فإن هذه الأوامر الغرض منها وهو الامتحان مترتب على إنشائها ولا يترتب على المنشأ وإذا ترتب عليه الغرض انتهى مفعوله فلا حكم بعد ذلك، ولا كلام في ذلك فإن هذا الإنشاء أثره الامتحان فقط.

القسم الثاني: إنشاء الأحكام الشرعية وهو جعل الأحكام الشرعية من الوجوبات والتحريمات وغيرهما ومن الواضح ان الأحكام الشرعية مجعولة بنحو القضايا الحقيقية للموضوعات المقدر وجودها في الخارج سواء كانت موجودة فيه ام لم تكن موجودة فيه مثلا المولى جعل وجوب الحج على المستطيع فقد فرض وجود المستطيع في الخارج وجعل وجوب الحج عليه وإن لم يكن المستطيع موجودا في الخارج ولكن وجوب الحج موجود في مرحلة الجعل حقيقة وكذلك الشارع جعل وجوب الصلاة للمكلف البالغ العاقل القادر الداخل عليه الوقت وفرض وجوده في الخارج بنحو القضية الحقيقية سواء كان البالغ والعاقل موجودا في الخارج أم لا ولكن وجوب الصلاة موجودا حقيقة في مرحلة الجعل.

وعلى هذا فإن كانت موضوعات الأحكام الشرعية الأمور التكوينية الموجودة في الخارج كالبلوغ والعقل والقدرة والوقت والاستطاعة وما شاكل ذلك فلا محالة تكون فعلية هذه الأحكام بفعلية موضوعاتها في الخارج فإذا تحقق موضوعها في الخارج تحقق الحكم وصار فعليا.

وذكرنا غير مرة ان المراد من فعلية الحكم فعلية فاعليته لا فعلية وجوده إذ يستحيل أن يكون الحكم موجودا في الخارج بوجود موضوعه وإلا لزم أن يكون الحكم أمرا خارجيا وهو مستحيل لأنه امر اعتباري وهو لا وجود له إلا في عالم الاعتبار بل المراد من فعلية الحكم فعلية فاعليته فإذا صار المكلف مستطيعا صار وجوب الحج فاعل ومحرك وداع واما قبل أن يكون مستطيعا فلا يكون داعيا ومحركا مع انه موجود في عالم الجعل والتشريع . هذا هو معنى فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج فبدخول الوقت وكينونة المكلف بالغا وعاقلا يكون وجوب الصلاة فعليا أي فاعليته فوجوب الصلاة يكون محرك وداع إلى الإتيان بها وفاعل ومحرك للمكلف الى الامتثال للصلاة، فالمراد من الفعلية هو فعلية فاعليته.

واما تنجز الحكم فإنما هو بوصوله الى المكلف وجدانا او تعبدا والمراد من التنجز هو حكم العقل باستحقاق العقوبة على مخالفته واستحقاق المثوبة على موافقته وليس التنجز صفة للحكم بل هو حكم العقل. واما إذا كان موضوع الحكم وصول التكليف والعلم به بناء على ان العلم بالحكم في مرحلة الجعل مأخوذ في موضوع نفسه في مرحلة المجعول فالعلم بالحكم مأخوذ في موضوع الحكم فعندئذ يكون الحكم منجزا وفعليا معا بوصوله إلى المكلف فعليا بفعلية موضوعه وهو تحقق العلم به ومنجزا من جهة وصوله الى المكلف ومن هنا لا يكون بين التنجيز والفعلية مباينة كما إذا كان الموضوع أمرا خارجيا فإن فعلية الحكم تنفك عن تنجزه لأن فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج سواء علم المكلف به أو لم يعلم وأما تنجز هذا الحكم فإنما هو بوصوله الى المكلف بالعلم الوجداني او العلم التعبدي.

وأما إذا كان وصول الحكم في مرتبة الجعل مأخوذ في موضوع نفسه في مرتبة المجعول وهي مرتبة الفعلية فعندئذ فعلية الحكم وتنجزه في آن واحد فإذا وصل الحكم إلى المكلف وجدانا او تعبدا صار الحكم فعليا ومنجزا معا اما كونه فعليا فبفعلية موضوعه في الخارج واما كونه منجزا فبوصول الحكم الى المكلف.

وحيث إن المحقق الأصفهاني(قده) يرى استحالة أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه كما هو المعروف والمشهور بين الأصوليين فيكون قوله: إن الحكم الحقيقي متقوم بالوصول الى المكلف مبني على التسامح فإن الحكم الحقيقي هو الحكم الفعلي أي فعلية الحكم بفعلية موضوعه فهو حكم حقيقي سواء وصل الى المكلف أو لم يصل إليه.

فإذاً الحكم الحقيقي الذي هو عبارة عن فعلية الحكم بفعلية موضوعه ليس متقومة بالوصول فإن الوصول هو العلم وشأن العلم الكشف عن الواقع ولا يؤثر في الواقع لا كما وكيفا، فلا يكون الوصول مقوما للحكم ولهذا لا بد ان يراد من الحكم الحقيقي الحكم المنجز باعتبار ان الوصول له دخل في تنجيز الحكم ومعنى دخله في تنجيز الحكم هو انه إذا وصل الحكم إلى المكلف حكم العقل العملي باستحقاق العقوبة على مخالفته والمثوبة على موافقته وهذا معنى دخل الوصول والعلم في الحكم أي في تنجيزه.

وعلى هذا يكون ما ذكره المحقق الأصفهاني من تقوم الحكم الحقيقي بالوصول مبني على نوع من التسامح لأن الوصول يقوّم تنجز الحكم فيكون موضوعا لحكم العقل باستحقاق العقوبة على مخالفته واستحقاق المثوبة على موافقته.

واما بناء على ما هو الصحيح من انه لا مانع من أخذ الوصول بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول ولا يلزم أي محذور في مقام الثبوت غاية الأمر انه في مقام الإثبات بحاجة إلى دليل يدل على ان العلم بالحكم في مرتبة الجعل مأخوذ في موضوع نفسه في مرتبة المجعول وهي مرتبة الفعلية والدليل على ذلك مفقود فإن الأدلة العامة ظاهرة في عدم أخذ العلم في موضوع الحكم في مرتبة الجعل.

فإذاً ما ذكره المحقق الأصفهاني لا يمكن المساعدة عليه.

فالصحيح أنه لا مانع من أخذ العلم بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول. ولكن في مقام الإثبات بحاجة إلى دليل ولا دليل على ذلك.

هذا من جانب ومن جانب آخر أنه على القول بان الأصل الأولي العملي في الشبهات الحكمية بعد الفحص هو حق الطاعة فلا بد من ان يقال أن وصول الحكم في مرتبة الجعل مأخوذ في موضوع نفسه في مرتبة المجعول مطلقا سواء كان وصولا وجدانيا ام وصولا تعبديا ام كان وصولا احتماليا واما على مسلك من يقول بأن الأصل الأولي العملي في الشبهات الحكمية بعد الفحص هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان فالمأخوذ في موضوع الحكم هو الوصول الوجداني والوصول التعبدي دون الوصول الاحتمالي.

هذا تمام كلامنا في المقام الأول وهو أن الأصل الأولي في الشبهات الحكمية بعد الفحص بحكم العقل العملي هل هو حق الطاعة وقاعدة الاشتغال أو أن الأصل الأولي في الشبهات الحكمية بعد الفحص هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

و أل

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo