< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد

إلى هنا قد تبين أن دعوى إمكان تقرير المقدمة الثالثة بأن الاحتياط في معظم الأحكام الشرعية غير مشروع وأن الشارع لا يرضى بذلك هذه الدعوى لا أساس لها ولا إجماع في البين ولا من يدعي الاجماع ولا شبهة في أن الاحتياط حسن وأنه من أرقى مراتب العبودية لأنه انقياد وهو أرقى مراتب العبودية فلا فرق بين الاحتياط في معظم الأحكام الفقهية أو الاحتياط في بعضها فحسن الاحتياط امر ذاتي وليس أمرا عرضيا، فلا مجال لدعوى عدم مشروعية الاحتياط في معظم الأحكام الفقهية.

واما سكوت الفقهاء عن الاحتياط في معظم الأحكام الفقهية فمن جهة أنهم يرون انفتاح باب العلم والعلمي فمن أجل ذلك لا موضوع للاحتياط، هذا مضافا إلى أن سكوتهم لا يكشف عن عدم مشروعية الاحتياط.

ولكن قد يقال كما قيل: إن سيرة المتشرعة جارية على عدم الاحتياط في معظم الأحكام الفقهية وهذه السيرة كاشفة عن أن الشارع لا يرضى بهذا الاحتياط.

والجواب عن ذلك واضح: وهو عدم التسليم بوجود مثل هكذا سيرة بين المتشرعة، بل على تقدير وجودها فإنما تكون حجة فيما إذا كانت متصلة بزمن الأئمة(ع) ولم تكن مستحدثة بين المتشرعة، ومن الواضح انه لا طريق لنا إلى إحراز اتصال هذه السيرة بزمنهم(ع).

هذا من جانب..

ومن جانب آخر قد يقال كما قيل: إنا لو سلمنا أن تقرير المقدمة الثالثة بعدم مشروعية الاحتياط في معظم الأحكام الفقهية وعدم رضا الشارع بهذا الاحتياط ولكن مع ذلك لا تكون نتيجة مقدمات الانسداد الكشف، بل نتيجتها التبعيض في الاحتياط وتقديم الامتثال الظني على الامتثال الشكي والوهمي، بتقريب قائم على مجموعة مقدمات وهي:

    1. انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام الفقهية.

    2. عدم رضا الشارع بالاحتياط في معظم الأحكام الفقهية فهو غير مشروع.

    3. وعدم جريان أصالة البراءة العقلية في أطراف العلم الإجمالي لاستلزام جريانها المخالفة القطعية العملية أو الخروج من الدين.

    4. والتكليف الواقعي غير ساقط عن الإنسان العقال الواعي لأنه ليس كالمجانين والبهائم.

    5. لا طريق لنا إلى الأحكام الواقعية الالزامية غير احتمال التكليف وهو احتمال منجز طالما لم يكن هناك أصل مؤمن كما في الشبهات الحكمية قبل الفحص باعتبار أن الأصول المؤمنة لا تجري فيها. وفي المقام أيضا كذلك لعدم جريان الأصول المؤمنة كالبراءة العقلية فيكون احتمال التكليف الالزامي منجز.

وهذا الاحتمال ذات مراتب متعددة فإن بعضه واصل إلى درجة الظن وبعضه إلى درجة الشك وبعضه إلى درجة الوهم. فهذه الاحتمالات تنقسم على ثلاث أقسام: قسم منها مظنون وقسم منها مشكوك وقسم منها موهوم، والعقل بما انه ليس بجاعل ومشرع وليس له جعل الحجية للظن إذ المشرع هو الشارع وليس للعقل إلا إدراك الواقع لكن بما أن الحاكم في باب الامتثال هو العقل فإن العقل العملي[1] يدرك حسن الامتثال لأوامر المولى وإطاعته وقبح التمرد عليه وعصيانه.

وحينئذ يدور الأمر في المقام بين الامتثال الظني والامتثال الشكي والوهمي فإن كان العسر والحرج مدفوع بترك الامتثال في الموهومات فيقتصر عليه ويحتاط في المظنونات والمشكوكات وأما إذا لم يكف ترك الاحتياط في الموهومات لدفع العسر والحرج فلا بد من ضم المشكوكات إليه ايضا فعندئذ يحكم العقل بتقديم الامتثال الظني على الامتثال الشكي والوهمي بترك الاحتياط في المشكوكات والموهومات والعمل بالمظنونات، ولا فرق في ذلك بين أن يكون منشأ هذا الاحتياط العلم الإجمالي أو يكون منشؤه الاحتمال.

ولكن هذا القيل غير صحيح؛ لأن احتمال التكليف ليس هو المنشأ وإنما المنشأ هو العلم الإجمالي إذ كل مؤمن برسالة النبي الأكرم(ص) هو مؤمن التزاما بمجموعة من الأحكام الالزامية المشتملة عليها الرسالة، وهذا التكليف لا يسقط بحال من الأحوال وإن كان باب العلم والعملي تفصيلا منسد بها ولكن باب العلم الإجمالي مفتوح، هذا مضافا إلى ما ذكرناه من ان الظن إذا لم يكن حجة شرعا فلا يصلح لأن يكون مرجحا لا شرعا ولا عقلا إذ حكم العقل بالترجيح لا يمكن أن يكون جزافا وبلا ملاك ولا ملاك لترجح الظن على الشك والوهم لأنم الحكم المحتمل منجز سواء كان احتماله بدرجة الظن أو كان بدرجة الشك والوهم فهو منجز والمكلف معاقب على مخالفته جميعا بلا فرق بين أن يكون الحكم المحتمل مظنونا او مشكوكا او موهوما لأن مخالفته تعدٍ على المولى وتمرد عليه وتفويت لحقه وهو حق الطاعة وهو من اظهر مصاديق الظلم لأن تفويت حق كل احد ظلم وتفويت من له حق ذاتي في الطاعة من اظهر مصاديق الظلم.

فإذاً ليس هنا نكتة لتكون مرجحة لحكم العقل بتقديم الظن على الشك الوهم.

إلى هنا قد تبين اننا لو سلمنا بتقرير المقدمة الثالثة بما تكون نتيجته الكشف عن جعل الشارع الظن حجة وطريق إلى الواقع. ولكن إذا قلنا بحسن الاحتياط وإن كان في معظم الأحكام الفقهية لا تكون النتيجة حجية الظن عقلا إذ لا يعقل أن يكون العقل جاعلا للحجية فليس شأنه الجعل والتشريع نعم يحكم العقل بالاحتياط ولكن حيث لا يمكن الاحتياط التام فلا محالة يحكم بالتبعيض في الاحتياط إما مطلقا أو بتقديم الاحتياط في المظنونات على الاحتياط في المشككات والموهومات كما هو المعروف والمشهور.

هذا تمام كلامنا في ان نتيجة مقدمات الانسداد هل هي الكشف او الحكومة لا بمعنى جعل الحجية من قبل العقل.

 


[1] لا فرق بين العقل العملي والعقل النظري لأنهما عقل واحد وليس هنا قسمان من العقل وإنما الفرق لبينهما في المدرك لأن المدرك في العقل العملي مما ينبغي ان يعمل به او مما ينبغي تركه لأنه إذا أدرك حسن فعل فيدرك حسن العمل به وإذا أدرك قبح فعل يدرك قبح العمل به واما مدرك العقل النظري فهو مما ينبغي أن يدرك لا مما ينبغي أن يعمل به أو مما ينبغي تركه فتسمية الأول بالعقل العملي اصطلاح فلسفي لهذه المناسبة والثاني بالعقل النظري لنفس السبب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo