< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/07/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ.

تحصل مما ذكرنا أن ما قيل من أن مورد منطوق الآية المباركة وهو المدلول الوضعي ومورد أصل تعليق الجزاء على الشرط هو الشبهة الموضوعية. وأما مورد إطلاق المنطوق فهو الجامع بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية وكذلك مورد إطلاق المفهوم إذ إطلاق المفهوم تابع لإطلاق المنطوق ويدور مدراه في الإطلاق والتقييد وإطلاق المنطوق إذا كان مورده الجامع بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية فكذلك مورد إطلاق المفهوم فعندئذ لا مانع من تقييد إطلاق المفهوم بغير الشبهة الموضوعية فلا يلزم المحذور المذكور وهو تقييد المطلق بغير مورده الذي هو مستهجن بنظر العرف.

وما قيل في ذلك غير قابل للتصديق:

أما أولاً: فلأن مورد الآية المباركة الشبهة الموضوعية منطوقا ومفهوما سواء كانت دلالة القضية الشرطية في الآية الكريمة على المفهوم بالوضع أم كانت بالإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة على كلا التقديرين مورد القضية الشرطية في الآية الكريمة هو الشبهة الموضوعية على كلا القولين في المسألة أي القول أن دلالة القضية الشرطية على المفهوم بالوضع ــ كما قويناه في محله ــ وكذلك على القول بأن دلالة القضية الشرطية على المفهوم بالإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة.

أما على القول الأول وهو ان هيئة القضية الشرطية موضوعة للدلالة على تعليق الجزاء على الشرط وراء تعليقه على الموضوع وحيث أن هذا التعليق مولوي فبطبيعة الحال تدل القضية الشرطية بالوضع على ان المعلق طبيعي الحكم فإن تعليق شخص الحكم على الشرط لغو ولا يمكن صدوره من المولى الحكيم فحيث أن هذا التعليق صدر من المولى فيكون تعليق مولوي فبطيعة الحال يدل على ان المعلق طبيعي الحكم فإذا كان المعلق على الشرط وراء تعليقه على الحكم طبيعي الحكم فلا محال تدل القضية الشرطية على انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط وهذا هو المفهوم.

وهذه الدلالة دلالة وضعية، فهيئة القضية الشرطية تدل على تعليق الجزاء على الشرط بنحو القضية المهملة بالوضع.

وأما إطلاق هذه القضية فهو يوسع دائرة الدلالة الوضعية ويعممها فالإطلاق ملحوظ كالمعنى الحرفي وليس ملحوظا مستقلا في مقابل الدلالة الوضعية، أي أن الدلالة الوضعية ثابتة في كل فرد من أفراد الطبيعي ويعمم هذه الدائرة ويوسعها. والدلالة الوضعية كما ذكرنا لها مراتب:

المرتبة الأولى: الدلالة التصورية. وهي مستندة الى الوضع ولا دخل لها في أي مقدمة من المقدمات فالوضع هو العلة في هذه الدلالة التصورية، فانتقال الذهن من سماع اللفظ الى معناه هو الدلالة التصورية وهذه الدلالة أمر قهري مستند الى الوضع، ومعروض هذه الدلالة المعنى الموضوع له ثم تنتقل هذه الدلالة من هذه المرتبة إلى مرتبة أعلى وأقوى.

المرتبة الثانية: وهي الدلالة التصديقية بلحاظ الإرادة الاستعمالية فإن معروض هذه الدلالة نفس المعنى الموضوع له ولهذا تسمى هذه الدلالة أيضا بالدلال الوضعية في مقابل الدلالة الإطلاقية. ثم تنتقل من هذه الدلالة الى مرتبة أعلى منها وأقوى.

المرتبة الثالثة: وهي الدلالة التصديقية بلحاظ الإرادة الجدية وهي الموضوع للأثار الشرعية والعرفية والعقلائية.

وأما الدلالة التصورية فليست موضوعا للآثار الشرعية وكذلك الدلالة التصديقية بلحاظ الإرادة الاستعمالية، فالموضوع لهذه الآثار هو الدلالة التصديقية بلحاظ الإرادة الجدية النهائية. ومعروض هذه الدلالة أيضا نفس المعنى الموضوع له، فيكون المعنى الموضوع له من قبيل الهيولى فإن الهيولى موجود في جميع الصور غاية الأمر ينتقل من مرحلة الى مرحلة أخرى ومن صورة إلى صورة أخرى وإلا فالهيولى موجود، إذ حقيقة الحركة خروج الشيء من القوة إلى الفعل وليس معنى الحركة إعدام شيء وإيجاد شيء آخر وإنما معنى الحركة خروج الشيء من القوة الى الفعل، وفي كل مرحلة قد اجتمع في الحركة أمران: أحدهما بالفعل والآخر بالقوة كالنطفة فهي نطفة بالفعل ولكن جنين بالقوة والجنين جنين بالفعل ولكنه طفل بالقوة وهكذا تبديل صورة بصورة أخرى. وهذه الحركة حركة تصاعدية وتطورية.

وما نحن فيه شبيه ذلك فالمعنى الموضوع له موجود في جميع هذه المراحل من مرحلة التصور ومرحلة التصديق بلحاظ الإرادة الاستعمالية ومرحلة التصديق بلحاظ الإرادة الجدية النهائية وجميع هذه الدلالات دلالات وضعية في مقابل الدلالة الإطلاقية الثابتة بمقدمات الحكمة فإنها مستندة الى مقدمات الحكمة وليس مستندة الى الوضع.

ومن الواضح ان مورد هذه الدلالة الوضعية الشبهة الموضوعية فإن الآية واردة في ذلك منطوقا ومفهوما والإطلاق ملحوظ بالمعنى الحرفي فإطلاق القضية الشرطية شأنه توسيع دائرة الدلالة الوضعية وتوسيعها وملحوظ كالمعنى الحرفي وليس ملحوظا مستقلا لأن لكل قضية سواء كانت شرطية أم حملية وسواء كانت اخبارية أم إنشائية لها مدلول واحد ودلالة واحدة ولا يعقل أن تكون للقضية الواحدة دلالتان مستقلتان ومدلولان مستقلان فهذا غير معقول.

وأما إذا كانت دلالة القضية الشرطية في الآية الكريمة على المفهوم بالإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة فإن هيئة هذه القضية الشرطية بالوضع تدل على أصل تعليق الجزاء على الشرط ومقتضى إطلاقها ان المعلق على الشرط طبيعي الحكم لا شخص الحكم المجعول في القضية فإذا كان المعلق على الشرط طبيعي الحكم فلا محالة ينتفي هذا الحكم بانتفاء الشرط وهذا هو المفهوم.

ومن الواضح ان مورد هذا الاطلاق الثابت بمقدمات الحكمة الشبهة الموضوعية غاية الأمر إطلاق القضية يشمل الشبهة الحكمية أيضا فلا فرق بين ان يكون الحكم المعلق على الشرط وراء تعليقه على الموضوع بين ان يكون في الشبهة الموضوعية أو يكون في الشبهة الحكمية. فمن هذه الجهة إطلاق القضية يشمل الشبهة الحكمية ايضا ولكن مورد هذا الإطلاق هو الشبهة الموضوعية.

فالنتيجة ان الآية المباركة موردها الشبهة الموضوعية منطوقا ومفهوما وسواء كانت دلالتها على المفهوم بالوضع أم كانت دلالتها على المفهوم بالإطلاق ومقدمات الحكمة.

وثانياً: مع الإغماض عن ذلك فما قيل من أن مورد إطلاق المنطوق هو الجامع بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية وكذلك مورد إطلاق المفهوم. وأما مورد أصل المنطوق وهو أصل تعليق الجزاء على الشرط فمورده الشبهة الموضوعية فهذا لا يمكن المساعدة عليه بل لا يرجع الى معنى معقول.

فإن لازم ذلك أن للآية المباركة دلالتان مستقلتان: الأولى تدل على أصل تعليق الجزاء على الشرط يكون موردها الشبهة الموضوعية، والثانية تدل على تعليق طبيعي الجزاء على الشرط ومورده الجامع بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية وهذا غير معقول ولا يعقل ان تكون لقضية واحدة دلالتان مستقلتان ومدلولان مستقلان.

فإذاً نفس هذا الإشكال في نفسه لا يرجع الى معنى محصل ولا اثر له.

ومع الإغماض عن ذلك أيضا وتسليم ان بين إطلاق الآية المباركة وبين إطلاق رواية مسعدة تعارض فإن الآية بإطلاقها تشمل الشبهة الحكمية والموضوعية معا وكذلك رواية مسعدة بإطلاقها تشمل الشبهة الحكمية والموضوعية معا فتقع المعارضة بينهما.

ولكن مع ذلك لا بد من طرح رواية مسعدة لأنها مخالفة للكتاب وتدخل في الروايات التي تنص على أن ما خالف الكتاب فهو زخرف وباطل ولم أقله. أي الرسول الأئمة(ع) استنكروا مخالفة الكتاب ولا يمكن ان يصدر منهم ما يخالف الكتاب. والمراد من المخالفة أعم من كون الخبر مخالفا للكتاب بنحو التباين او بنحو العموم والخصوص من وجه.

نعم المخالفة بنحو العموم المطلق لا بأس بها لأنها ليس في الحقيقة مخالفة إذ هي ليست مستقرة وترتفع بالجمع الدلالي العرفي من خلال حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد وحمل الظاهر على الأظهر.

فالروايات التي تدل على ما خالف الكتاب او السنة فهو باطل وزخرف أو لم أقله فهذه الروايات إنما تشمل المخالفة بنحو التباين أو بنحو العموم من وجه ولا تشمل المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلق.

ومن هنا يظهر ان ما ذكره شيخنا الأنصاري(قده)[1] من ان ما دل على اعتبار التعدد في حجية خبر العادل في الشبهات الموضوعية كموثقة مسعدة ونحوها فهي مخصصة للإطلاق المفهوم او موجبة لإلغاء المفهوم نهائيا لا يمكن المساعدة عليه:

أما أولاً: فهو مبني على اختصاص رواية مسعدة بالشبهة الموضوعية ولا تعم الشبهات الحكمية كما ذهب إليها جماعة منهم السيد الاستاذ(قده).

ولكن ذكرنا أن صدر الرواية يشمل الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية حيث ان الأمثلة التي ذكرها بعد ذلك وإن كانت مختصة بالشبهات الموضوعية إلا أنها لا تصلح ان تكون قرينة لأن ذكرها من باب المثال لا من باب القرينية.

واما البينة المذكورة في هذه الرواية فالمراد منها مطلق الحجة وليس المراد منها البينة المصطلحة لأن البينة المصطلحة اصطلاح خاص بين الفقهاء ويستعملها في مقام أخبار العدول واخبار الثقة واما البينة فمعناه اللغوي وهو الحجة فيشمل خبر العادل أيضا فكل ما هو حجة فهو بينة وخبر العادل إذا كان حجة فهو بينة.

فإذاً ذكر البينة في وراية مسعدة لا يصلح ان يكون قرينة عل اختصاص هذه الرواية بالشبهة الموضوعية.

ومع الإغماض عن ذلك وتسليم أن رواية مسعدة مختصة بالشبهة الموضوعية ولكن لا تصلح ان تكون مقيدة لإطلاق المفهوم فإن تقييد إطلاق المفهوم بغير مورده مستهجن عرفا وقبيح لدى العرف العام. فبطبيعة الحال تقع المعارضة بين إطلاق المفهوم ورواية مسعدة فتدخل رواية مسعدة في الروايات المخالفة للكتاب وهي لا تكون حجة.

هذا كله في المناقشتين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo