< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ.

إلى هنا قد تبين أن المراد من النبأ في الآية الكريمة إن كان طبيعي النبأ فمعنى الآية أن كل نبأ إذا جاء به الفاسق وجب التبين عنه وأما مفهوم الآية فهو أن كل نبأ جاء به العادل لم يجب التبين عنه، فالمراد من النبأ إذا كان طبيعي النبأ المنحل بانحلال أفراده صار معنى الآية هكذا كل نبأ إذا جاء به الفاسق وجب التبين عنه. وليس معنى ذلك أن الفاسق إذا جاء بالنبأ وجوب التبين عن كل نبأ ففرق بين هذا وبين ذاك فإن لازم ذلك وجوب التبين عن نبأ العادل إذا جاء الفاسق بنبأ وهذا خلاف الضرورة والوجدان ولا يمكن الأخذ به.

فإذاً معنى الآية أن كل نبأ إذا جاء به الفاسق وجب التبين عنه لا أن معنى الآية بناءً على كون النبأ طبيعي النبأ أن الفاسق إذا جاء بنبأ وجب التبين عن كل نبأ ومنه نبأ العادل ونبأ الثقة وهذا مما لا يمكن الالتزام به. ومفهوم الآية حينئذ أن لكل نبأ جاء بعه العادل لم يجب التبين عنه فهو حجة هذا هو معنى الآية المباركة بناءً على أن يكون المراد من النبأ طبيعي النبأ.

فما ذكره المحقق الأصفهاني(قده) من أن المراد من النبأ إن كان طبيعي النبأ فلازمه أن الفاسق إذا جاء بنبأ وجب التبين عن طبيعي النبأ بتمام أفراده ومنها نبأ الفاسق وهذا مما لا يمكن الالتزام به، فما ذكره(قده) لا يمكن المساعدة عليه لأن المراد من النبأ إن كان طبيعي النبأ فليس معناه ذلك بل معناه أن كل فرد من النبأ إذا جاء به الفاسق وجب التبين عنه لا أن الفاسق إذا جاء بنبأ وجب التبين عن كل نبأ.

إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن الآية الكريمة لا تدل على حجية خبر العادل لا بمفهوم الشرط ولا بمفهوم الوصف.

المناقشة الثانية: ما ذكره شيخنا الأنصاري(قده)[1] من أن مورد الآية المباركة الشبهة الموضوعية ومن الواضح أن الحجة في الشبهة الموضوعية هي العلم الوجداني والبينة واما خبر العدل الواحد فلا يكون حجة في الشبهات الموضوعية فمن أجل ذلك لا يمكن الأخذ بمفهوم الآية إذ مقتضاه حجية خبر العادل الواحد مطلقا وإن كان واحدا ولا يمكن الالتزام به.

وأما تقيده بضم خبر العدل الآخر إليه حتى يصير بينة فهو أيضا لا يمكن لأن المفهوم لازم للمنطوق وتابع له في الإطلاق والتقييد وفي الحدوث والبقاء وفي الوجود والعدم وليس له استقلال ولا يعقل أن يكون المنطوق مطلقا والمفهوم مقيدا فلا يمكن ان يكون المنطوق لا يشتمل على شيء والمفهوم مشتملا على شيء زائد لأنه تابع للمنطوق من جميع الجهات في الإطلاق والتقييد وفي السعة والضيق وفي الحدوث والبقاء وفي الوجود والعدم. فلو قيدنا المفهوم بضم خبر العدل الآخر إليه حتى يصير متعددا ويصدق عليه عنوان البينة فلا بد من تقييد المنطوق ايضا بأن يكون المنطوق أيضا مقيدا بضم خبر الفاسق إلى الخبر الأول حتى يكون متعددا وهذا ممالا معنى له إذ معناه أن خبر الفاسق إنما يجب التبين عنه إذا كان متعددا وأما إذا كان واحدا فالآية ساكتة عنه وهذا مما لا معنى له. فتقييد المنطوق مما لامعنى له فالمنطوق لا بد ان يكون مطلقا. فإذا كان المنطوق مطلقا فالمفهوم أيضا لا بد أن يكون مطلقا ولا يعقل أن يكون مقيدا.

فإذاً تقييد إطلاق المفهوم بضم خبر عدل آخر إليه لا يمكن. هكذا ذكره شيخنا الأنصاري(قده).

ثم أجاب عنه إن المراد من النبأ في الآية المباركة إن كان جنس النبأ الصادق على الواحد والزائد فيكون مقتضى مفهوم الآية عدم وجوب التبين عن خبر العادل مطلقا وإن كان واحدا وهذا مما لا يمكن الالتزام به إلا بقرينة، والقرينة على هذا التقييد موجودة وهي موثقة مسعدة بن صدقة فإنها تدل على اعتبار البينة في الشبهات الموضوعية فهي قرينة على تقييد المفهوم ولا مانع من هذا التقييد فإن تقييد المفهوم بطبعه لا يمكن فإذا كان المنطوق مطلقا فلا بد أن يكون المفهوم مطلقا أيضا ولا يمكن تقييده واما تقييده بقرينة فلا مانع منه.

وأما إذا كان المراد من النبأ نبأ واحد بقرينة التنوين فإن قوله تعالى ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأٍ [2] ظاهر في أنه نبأ واحد فتكون دلالة الآية المباركة هي عدم وجوب التبين عن خبر عدل واحد وهذا مما لا يمكن الالتزام به في الشبهات الموضوعية حيث لا بد من التعدد في الشبهات الموضوعية وخبر العدل الواحد لا تعدد فيه ولا يكون حجة.

هكذا ذكره شيخنا الانصاري في الجواب.

والصحيح في المقام ان يقال: إنه لا بد من النظر إلى رواية مسعدة بن صدقة[3] . ويقع الكلام فيها من جهتين:

الجهة الأولى: في سندها.

الجهة الثانية: في دلالتها.

أما سندها فقد ذكرنا أن مسعدة بن صدقة لم يثبت توثيقه في كتب الرجال وإن كان معروفا ومشهورا بين الأصحاب ويعبر عن رواياته بالموثقة إلا أنه لم تثبت وثاقته في كتب الرجال وتفصيل الكلام يأتي في ضمن البحوث الآتية.

وأما من جهة الدلالة فقد جاء فيها كل شيء فيه حلال وحرام فهو حلال إلا ان يستبين منه شيء أو تقوم به البينة وهكذا ذكر بعد ذلك أمثلة متعددة. ومحل الشاهد هذا المقطع من الرواية: ( كل شيء فيه حرام وحلال فهو حلال إلا أن يستبين أو تقوم به البينة ) فالإمام (ع) في مقام البيان بان الشبهة الموضوعية لا تثبت إلا بالعلم الوجداني او بالبينة. فلهذا المقطع دلالتان دلالة إيجابية ودلالة سلبية.

أما الدلالة الإيجابية فهي دلالتها على أن الحجة في الشبهات الموضوعية أمران: أحدهما العلم الوجداني، والآخر البينة.

وأما الدلالة الثانية فدلالة سلبية وهي سكوت المولى بعد بيان العلم الوجداني والبينة مع انه كان في مقام البيان أي بيان الحجة في الشبهة الموضوعية وقد بين أمران أحدهما العلم الوجداني والآخر البينة وبعد ذلك سكت. والإطلاق الناشئ من سكوت المولى في مقام البيان قد ذكرنا غير مرة انه من أضعف الإطلاقات والدلالة الإطلاقية الناشئة من سكوت المولى في المقام البيان من أضعف الدلالات ويقدم عليها كل دلالة لأن الساكت لا يمكن ان يعارض الناطق.

فإذاً هذه الرواية تدل من جهة إطلاقها الناشئ من سكوت المولى في مقام البيان على عدم حجية خبر عدل واحد في الشبهات الموضوعية طالما لم يكن متعددا.

واما الآية المباركة فهي دالة بمفهومها على حجية خبر عدل واحد فدلالة الآية على المفهوم إما بالوضع او بالإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة وعلى كلا التقديرين فالإطلاق الناشئ من سكوت المولى في مقام البيان لا يصلح أن يعارض إطلاق الآية الكريمة الناشئ من مقدمات الحكمة لأن مقدمات الحكمة مركبة من مقدمات ثلاث:

المقدمة الأولى: جعل الحكم على الطبيعي الجامع بين أفراده.

المقدمة الثانية: ظهور حال المتكلم أنه في مقام البيان.

والمقدمة الثالثة: أنه لم ينصب قرينة على التقييد.

فإذا تمت هذه المقدمات انعقد ظهور المطلق في الإطلاق وهذا الظهور أقوى من الظهور الناشئ من سكوت المولى في مقام البيان.

ومع الإغماض عن ذلك وتسليم أن إطلاق رواية مسعدة إطلاق لفظي ولكن رواية مسعدة بإطلاقها تشمل الشبهات الحكمية والموضوعية معا بقرينة ذيلها. واما الآية المباركة فموردها الشبهة الموضوعية ولكنها بإطلاقها تشمل الشبهات الحكمية أيضا فتكون النسبة بينهما عموم من وجه فيقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء والاجتماع وهو الشبهة الموضوعية إذ مفاد إطلاق رواية مسعدة يدل على أن الحجة فيها العلم الوجداني والبينة دون غيرها وأما أطلاق الآية المباركة فيدل على ان خبر العدل الواحد حجة فيها فيقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء والاجتماع.

ولكن لا بد من تقديم إطلاق الآية المباركة على إطلاق رواية مسعدة لأنه لا يمكن تقييد المطلق بغير مورده لأن المطلق ناص في مورده ولا يمكن تقييد إطلاقه بغير مورده فإنه مستهجن عرفا فإرادة المورد من إطلاق المطلق متيقن. وبما ان الشبهة الموضوعية مورد الآية المباركة فلا يمكن تقييد إطلاق الآية المباركة بالشبهة الحكمية وإخراج الشبهة الموضوعية عنه فهذا معناه إخراج مورده عنه وهو لا يمكن وليس بعرفي ولا عقلائي. فلا بد من تقديم إطلاق الآية المباركة على إطلاق رواية مسعدة وتقييد إطلاق رواية مسعدة بالشبهات الحكمية، وفي الشبهة الموضوعية لا بد ان يكون خبر العدل الواحد حجة بمقتضى إطلاق مفهوم الآية الكريمة.

وبعبارة أخرى أنه لا يمكن تقديم إطلاق رواية مسعدة على إطلاق الآية المباركة لأمرين:

الأمر الأول: أن إطلاق الآية المباركة نص في مورده وهو الشبهة الموضوعية حيث أن كل مطلق نص في مورده، وإما إطلاق رواية مسعدة فهو ظاهر في ان مورده الشبهة الموضوعية فلا بد من تقديم إطلاق مفهوم الآية المباركة على إطلاق رواية مسعدة من باب تقديم النص على الظاهر وهو من أحد موارد الجمع الدلالي العرفي.

الأمر الثاني: أن تقييد إطلاق المطلق بغير مورده مستهجن لدى العرف والعقلاء.

فمن أجل ذلك لا بد تقديم إطلاق الآية المباركة على إطلاق رواية مسعدة إذ تقديم إطلاق رواية مسعدة في مورد الاجتماع وهو الشبهة الموضوعية على إطلاق المفهوم من الآية قبيح ومستهجن.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo