< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة عدم حجية خبر الواحد

تحصّل مما ذكرنا أن مفاد الآية الأولى هو عدم التعويل على الظن بما هو ظن في أصول الدين وفي فروعه فإن الآية تضمنت بمدلولها المطابقي قاعدة عقلية وهي عدم التعويل على الظن وعدم اتباعه بما هو ظن لا في أصول الدين ولا في فروعه فإن الظن لا يغني من الحق شيئا سواء أريد من الحق لب الواقع والحقيقة أو كان المراد منه أداء الوظيفة لا الوصول الى الواقع.

فإذن مفاد الآية هو الأخبار عن أن الظن لا يغني في الوصول الى الواقع كما هو المطلوب في الأمور الاعتقادية ولا يغني في الوصول الى الوظائف الظاهرية كما هو المطلوب في الأحكام الفرعية.

فمفاد الآية هو عدم التعويل على الظن بما هو ظن لا بما هو حجة فلا تنافي بين الآية المباركة وأدلة حجية أخبار الأحاد فإن مفاد أدلة حجية أخبار الأحاد قاعدة شرعية تأسيسية وهي جواز التعويل على الظن بما هو حجة وأما مفاد الآية المباركة فهو قاعدة عقلية وهي عدم التعويل على الظن بما هو ظن لا في الأمور الاعتقادية ولا في الأحكام الفرعية.

والخلاصة أن هنا مسألتين:

المسألة الأولى: إن الظن لا يغني من الحق شيئا فلا يمكن التعويل على الظن في إثبات الحق سواء أريد من الحق لب الواقع ــ كما هو المطلوب في أصول الدين ــ أو المراد منه الوظيفة العملية التي تحصل الأمن من العقوبة ــ كما هو المطلوب في الأحكام الشرعية ــ ولا يمكن التعويل على الظن بما هو ظن لا في أصول الدين ولا في فروعه.

المسألة الثانية: يجب اتباع الظن بما هو حجة.

ولا تنافي بين المسألتين فإن مفاد الآية المباركة المسألة الأولى ومفاد أدلة حجية أخبار الآحاد المسألة الثانية ولا تنافي بينهما.

أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [1] فإن النهي في هذه الآية المباركة إما نهي تكليفي مولوي أو نهي تشريعي أو نهي إرشادي، فالمحتملات ثلاثة:

الاحتمال الأول: أن النهي عن اتباع ما لا يعلم به نهي تكليفي مولوي.

الاحتمال الثاني: أن النهي نهي تشريعي ومفاده حرمة التشريع لا الحرمة الذاتية.

الاحتمال الثالث: ان النهي نهي إرشادي وهو إرشاد الى عدم الاعتماد على ما لا يعلم به أي الاعتماد على غير العلم وهو يشمل خبر الواحد أيضا بتمام أقسامه حتى خبر الثقة فإنه داخل في غير العلم والموصول بإطلاقه يشمل أخبار الأحاد بكافة أصنافها من أخبار الثقة وغيرها لدخولها في غير العلم.

أما الاحتمال الأول فهو غير محتمل إذ لا يحتمل أن يكون في اتباع الظن أو اتباع ما ليس بعلم مفسدة ملزمة تقتضي حرمة الاتباع ذاتا فهذا أمر غير محتمل فإن النهي عن اتباع الظن بلحاظ انه يمكن أن لا يصيب الواقع فيما إذا كان الواقع مطلوبا ولا يوكون مؤمنا عن الواقع فيما إذا لم يكن الواقع مطلوبا بل المطلوب هو العمل لتحصيل المؤمن من الإدانة والعقوبة لا الوصول الى الواقع فالنهي عن اتباع الظن إنما هو من جهة ذلك لا ان في اتباع الظن مفسدة ملزمة تقتضي حرمة الاتباع حرمة ذاتية.

وأما الاحتمال الثاني فهو أيضا خلاف الظاهر فإن الآية ليست في مقام بيان حرمة التشريع وان العمل بغير العلم تشريعا محرما بل الآية في مقام بيان ان الاعتماد والتعويل على ما ليس بعلم لا يفيد المطلوب سواء كان المطلوب هو الوصول الى الواقع كما في الأمور الاعتقادية أو كان المطلوب هو العمل بالوظيفة الشرعية لتحصيل الأمن من العقوبة والإدانة كما هو المطلوب في الأحكام الفرعية فليس المطلوب فيها هو الوصول الى الواقع.

فيتعيّن الاحتمال الثالث وهو ان النهي في الآية المباركة نهي إرشادي إلى أن ما ليس بعلم ( الظن ) لا يخطأ الواقع ولا يصيب الواقع ولا يغني من الحق لا واقعا ولا ظاهرا.

هذا من ناحية .

ومن ناحية أخرى قد فُسِّر[2] القفو في الآية المباركة بالبهتان والتهمة ويؤكد ذلك ما في ذيل الآية المباركة وهو قوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا.

ولكن هذا التفسير خاطئ جدا فإن الاقتفاء بمعنى الاتباع وليس بمعنى التهمة والبهتان فتفسير الاقتفاء في الآية المباركة بالبهتان والتهمة غير صحيح لأن الاقتفاء معناه لغة وعرفا هو الاتباع هذا إضافة إلى أن ذيل الآية لا يكون مؤكدا وشاهدا على ان المراد من الاقتفاء التهمة والبهتان لأن ذيلها راجع الى ان السمع والبصر مسؤولا عنه عند الله تعالى في السماع غير المشروع او النظر الى ما لا يجوز النظر اليه فلا يصلح ان يكون ذيل الآية شاهدا على ذلك ومؤكدا.

فالصحيح في المقام ان يقال: إن الآية المباركة تدل على النهي عن اتباع ما ليس بعلم بما هو ليس بعلم لا بما هو حجة والجامع هو الظن فالآية تدل على النهي عن اتباع الظن بما هو ظن والتعويل عليه غير جائز لا في أصول الدين ولا في فروعه ولا تدل الآية على عدم جواز اتباع الظن بما هو حجة فإن أرادة هذا المعنى بحاجة الى عناية زائدة وبحاجة الى قرينة لأن هذه الخصوصية غير مأخوذة في لسان الآية المباركة بل المأخوذ في لسانها هو ما لا يعلم به فإتباع ما لا يعلم به بما هو لا يعلم غير جائز لا في أصول الدين ولا في فروعه.

فإذن مفاد هذه الآية نفس مفاد الآية الأولى وهو إشارة إلى قاعدة عقلية او عقلائية وهي عدم جواز التعويل على الظن بما هو ظن وعدم اتباعه بما هو ظن لا في الأمور الاعتقادية ولا في الأحكام الفرعية.

فإذن لا تنافي بين هذه الآية المباركة وبين أدلة حجية اخبار الآحاد لأن أدلة حجية أخبار الآحاد تدل على جواز الاعتماد على أخبار الاحاد بما هي حجة وعلى جواز اتباع الظن بما هو حجة واما الآيات فتدل على عدم جواز التعويل على الظن واتباعه بما هو ظن فلا تنافي بينهما.

ومع الإغماض عن ذلك وتسليم أن الآيات تدل على عدم حجية الظن ومفادها إرشاد الى قاعدة شرعية تأسيسية وهي عدم حجية الظن فهي تصلح ان تعارض أدلة حجية أخبار الآحاد لأن ادلة الحجية تدل على حجية أخبار الآحاد وجواز التعويل عليها والآيات تدل على عدم حجية أخبار الآحاد أي عدم حجية الظن الشامل لأخبار الاحاد، ولكن هل هذه المعارضة مستقرة بحيث لا بد من الرجوع الى مرجحات باب المعارضة او ان هذه المعارضة ليس مستقرة بل معارضة بدوية؟

والظاهر بل لا شبهة في ان هذه المعارضة غير مستقرة لأن نسبة أدلة حجية أخبار الآحاد الى هذه الآيات نسبة المقيد الى المطلق ونسبة العام الى الخاص فلا بد من تقديم أدلة حجية أخبار الاحاد على هذه الآيات إما من باب التخصيص او من باب الحكومة. فهنا قولان:

القول الأول: ما ذهبت إليه مدرسة المحقق النائيني(قده) ومنهم السيد الاستاذ[3] إلى ان ادلة حجية أخبار الآحاد حاكمة على هذه الآيات فتقديمها عليها من باب الحكومة.

وقد أفاد في وجه ذلك أن معنى الحجية هو الطريقية وان المجعول في باب الأمارات هو طريقتها وكاشفيتها وأنها علم تعبدي بعد الحجية فإذا كانت أخبار الآحاد علما تعبديا فبطبيعة الحال تكون رافعة لموضوع الآيات لأن موضوع الآيات هو الظن والمفروض أن اخبار الآحاد بمقتضى أدلة حجيتها علما تعبديا فتكون أدلة حجية اخبار الآحاد حاكمة على هذه الآيات ورافعة لموضوعها تعبدا.

هذا ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني(قده) ومنهم السيد الاستاذ (قده).

ولكن للمناقشة في ذلك مجالا.

فقد ذكرنا غير مرة أن عمدة الدليل على حجية أخبار الثقة هي السيرة القطعية من العقلاء ـــ كما سوف يأتي الكلام فيها ــــ التي جرت على العمل بأخبار الثقة دون اخبار غير الثقة وحيث ان السيرة العقلائية على شيء لا يمكن ان تكون جزافا فلا محالة تكون مبنية على نكتة تبرر هذه السيرة وتلك النكتة هي أن أخبار الثقة أقوى كشفا نوعا من أخبار غير الثقة وأقوى طريقا من أخبار غير الثقة وهذه الأقوائية هي المبرر لقيام سيرة العقلاء على العمل بأخبار الثقة دون أخبار غير الثقة. ولكن لا يوجد في سيرة العقلاء أي جعل لأن سيرة العقلاء هي عمل العقلاء بأخبار الثقة والشارع امضى هذه السيرة وذكرنا أنه يكفي إمضاء الشرع سكوته وعدم الردع عن هذه السيرة فإذا سكت الشارع عن العمل بهذه السيرة في مرأى ومسمع منهم وبين أصحابه إذ هذه السيرة مرتكزة في الاذهان بدون أي ردع من قبل الشرع فيعد سكوته وعدم صدور الردع منه إمضاءً لهذه السيرة فإذا تحقق الإمضاء أصبحت السيرة سيرة متشرعية وهي حجة.

فإذن ليس هنا أي جعل حتى يكون المجعول هو الطريقية او الكاشفية والعلم التعبدي فلا جعل في باب الأمارات حتى يكون المجعول هو الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي.

هذا مضافا إلى ما ذكرناه وسوف يأتي ان جعل الطريقية التعبدية والكاشفية والعلم التعبدي لغو ولا يمكن صدوره من المولى الحكيم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo