< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية خبر الواحد

كان كلامنا في الروايات التي استدل بها على عدم حجية خبر الواحد ومنها الروايات التي جاءت بصيغة (ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموه أنه قولنا فردوه إلينا)[1] فهذه الطائفة من الروايات تدل بوضوح ان خبر الواحد لا يكون حجة فلا بد من رد علمه الى المعصوم.

ولكن لا يمكن الاستدلال بها على ذلك:

أولا: فلأن مورد هذه الروايات الأخبار المتعارضة فإذا وقع التعارض بين الخبرين المتعارضين، والظاهر أن المراد من العلم فيها(ما علمتم) الأعم من العلم العرفي فيشمل الاطمئنان والوثوق أيضا، وما علم انه صدر منهم(ع) فلا بد من الأخذ به وما لم يعلم صدوره من المعصوم(ع) لا بد من طرحه. فهذه الطائفة موردها الأخبار المتعارضة ولا يمكن التعدي عن موردها الى سائر الموارد فإن التعدي بحاجة الى قرينة ولا قرينة في هذه الروايات على التعدي ولا توجد من الخارج قرينة عليه.

فهذه الروايات من هذه الناحية لا يمكن الاستدلال بها على عدم حجية خبر الواحد مطلقا.

وثانيا: مع الاغماض عن ذلك فهذه الروايات ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاعتماد عليها والاستدلال بها على عدم حجية أخبار الآحاد.

وثالثا: مع الاغماض عن ذلك فهذه الروايات أخبار آحاد فلا يمكن الاستدلال بها على عدم حجية أخبار الآحاد بأخبار الآحاد، لأنه يلزم من فرض وجود حجيتها عدم حجيتها وهو مستحيل فإن كل ما يلزم من فرض وجود الشيء عدمه فوجوده مستحيل. وفي المقام يلزم من فرض حجية خبر الواحد عدم حجيته فحجيته مستحيلة.

ورابعا: مع الاغماض عن ذلك ايضا إلا أن اطلاق هذه الطائفة مقطوع البطلان لقيام السيرة القطعية من المتشرعة الجارية على العمل بأخبار الثقة في زمن النبي الأكرم(ص) وزمن الأئمة الأطهار(ع) الى زماننا هذا وهذه السيرة مرتكزة في الاذهان وكاشفة عن أمر مرتكز في الاذهان وهو حجية خبر الثقة، فلا بد من طرح هذه الروايات في مقابل السيرة.

وأما الطائفة التي تدل على ان ما يكون مخالفا للكتاب والسنة فهو باطل وليس بحجة[2] ، والطائفة الثانية التي تدل على ان ما لا يكون موافقا للكتاب او السنة فهو لا يكون حجة، والطائفة الثالثة[3] التي تدل على ان ما لم يكن عليه شاهد من الكتاب او السنة فهو مردود أي لا يكون حجة، فهذه المجموعة من الطوائف تدل على ان خبر الواحد بعنوانه الأولي لا يكون حجة وحجيته منوطة بالعنوان الثانوي أي بعدم كونه مخالفا للكتاب وكونه موافقا للكتاب او السنة او عليه شاهد من الكتاب او السنة فعندئذ يكون حجة والا فلا يكون حجة وسوف نبين ان هذه المجموعة من الروايات أجنبية عن الدلالة على عدم حجية أخبار الآحاد.

هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى أن الاستدلال بهذه الروايات إنما يمكن إذا كانت قطعية ومتواترة أما لفظا او معنى أو اجمالا، والمفروض انها ليست متواترة اما التواتر اللفظي فهو واضح فليست هذه الروايات متواترة لفظا، وهي ليست متواترة معنى وأما كونها متواترة أجمالا فقد أدعى بعض الأصحاب تواترها اجمالا لأنها روايات كثيرة نعلم بصدور بعضها عنهم(ع) فعندئذ لا مانع من الاستدلال بها من جهة قطعية صدور بعضها بالتواتر الاجمالي.

ولكن لو سلم تواترها الاجمالي فأيضا لا يمكن الاستدلال بها على عدم حجية أخبار الآحاد لأن المتواتر الاجمالي إنما يكون حجة في المقدار المتيقن وهو الجامع بين الروايات فإن الروايات المختلفة المتواترة اجمالا إنما تكون حجة في الجامع بين خصوصيات الجميع فيكون الجامع هو الذي قد صدر عن الأئمة الأطهار(ع) وفي المقام الجامع هو الطائفة الأولى، فإن الروايات المخالفة للكتاب والسنة تضمنت خصوصيتي الطائفتين الأخيرتين أي خصوصية الطائفة الثانية وهي عدم موافقة الروايات للكتاب والسنة فإذا كانت الروايات مخالفة للكتاب والسنة فبطبيعة الحال متضمنة لهذه الخصوصية وهي خصوصية عدم الموافقة للكتاب والسنة. وايضا متضمنة لخصوصية الطائفة الثالثة وهي عدم وجود شاهد عليها من الكتاب او السنة.

فالقدر المتيقن من هذه الروايات هو الطائفة الأولى، ولكن من الواضح ان الطائفة الأولى لا تدل على عدم حجية خبر الواحد مطلقا وإنما تدل على عدم حجية خبر الواحد إذا كان مخالفا للكتاب والسنة ولا كلام في ذلك، فإن هذه الطائفة داخلة في روايات الطرح وهي الروايات المخالفة للكتاب والسنة.

فإذن هذه الطائفة لا تدل على عدم حجية اخبار الآحاد مطلقا وإنما تدل عليها في صورة مخالفتها للكتاب والسنة.

ومن ناحية ثالثة فهذه الروايات لم تبلغ من الكثرة حد التواتر الاجمالي غاية الامر أنها روايات مستفيضة.

فإذن لا يمكن الاستدلال بها على عدم حجية أخبار الآحاد، وإلا لزم من فرض وجود حجيتها عدم حجيتها، وذلك للملازمة القطعية بين حجية هذه الروايات وحجية سائر روايات اخبار الآحاد فالملازمة القطعية ثابتة بين حجية هذه الأخبار وحجية سائر أخبار الآحاد لفرض أنه لا مزية لهذه الأخبار على سائر أخبار الآحاد، فهذه الملازمة ثابتة بينهما قطعا.

وكذلك الملازمة ثابتة بين عدم حجية هذه الأخبار وعدم حجية سائر أخبار الآحاد.

وعلى هذا فإذا دلت هذه الأخبار على عدم حجية سائر اخبار الآحاد فهي تدل على عدم حجيتها بالمطابقة وعلى عدم حجية نفسها بالالتزام من جهة ان هذه الملازمة تشكل الدلالة الالتزامية بينهما. فيلزم من فرض حجيتها عدم حجيتها وهو مستحيل أي حجيتها مستحيلة لأن كلما يلزم من فرض وجوده عدمه فوجوده مستحيل، وحيث ان في المقام يلزم من فرض حجية هذه الأخبار عدم حجيتها فحجيتها مستحيلة.

وأيضا لا يمكن جعل الحجية للأخبار لإثبات عدم حجيتها لأنه غير معقول، وهذا معنى ان هذه الأخبار لا تشمل نفسها أي لأجل هذين المحذورين لأنهل لو دلت بالمطابقة على عدم حجية سائر أخبار الآحاد لدلت بالالتزام على عدم حجية نفسها ومن الواضح انه يستحيل جعل الحجية لها لإثبات عدم حجيتها لأنه لغو وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل.

فمن اجل ذلك لا يمكن الاستدلال بأخبار الآحاد على عدم حجية أخبار الآحاد.

هذا من جانب.

ومن جانب آخر هذه الروايات اجنبية عن الدلالة على عدم حجية أخبار الآحاد وذلك لأمرين:

الأمر الأول: أن المراد منة قوله(ع) في الطائفة الثانية ( ما لا يوافق الكتاب او السنة فهو لا يكون حجة ) المراد من عدم الموافق للكتاب والسنة المخالفة لهما من جهة ان القضية السالبة ظاهرة في نفي المحمول وحملها على نفي الموضوع بحاجة الى عناية زائدة وقرينة وإلا فالقضية السالبة ظاهرة في سلب المحمول عن الموضوع الموجود في الخارج، وما نحن فيه من هذا القبيل.

فإذن الطائفة الثانية والطائفة الأولى لهما مضمون واحد وهو الروايات التي تكون مخالفة للكتاب والسنة لا تكون حجة وهذا خارج عن محل الكلام فالطائفة الثانية كالطائفة الأولى خارجة عن محل الكلام ولا تدل على عدم حجية أخبار الآحاد مطلقا.

الأمر الثاني: أن المراد من المخالفة للكتاب والسنة في هذه الروايات هل هي مخالفة الكتاب والسنة بنحو التباين فإن الكتاب نهى عن شرب الخمر والسنة نهت عن شربها ولكن الروايات تدل على جواز شربها، فهذه الروايات مخالفة للكتاب بنحو التباين ومخالفة للسنة كذلك فهل المراد من المخالفة المخالفة بنحو التباين او المخالفة بنحو العموم من وجه او المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلق، فالمخالفة تتصور بهذه الصور الثلاث:

الصورة الأولى: مخالفة الكتاب والسنة بنحو التباين.

الصورة الثانية: المخالفة لهما بنحو العموم من وجه.

الصورة الثالثة: المخالفة للكتاب والسنة بنحو العموم والخصوص المطلق.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo