< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية خبر الواحد

كان كلامنا في أدلة المنكرين لحجية أخبار الآحاد، فقد ذهب جماعة من المتقدمين ومنهم السيد المرتضى(قده) الى ان خبر الواحد لا يكون حجة وقد استدل على ذلك بوجوه:

الوجه الاول: دعوى اجماع الطائفة على عدم حجية خبر الواحد، وقد جاء في أجوبة السيد المرتضى(قده) في المسائل الموصليات أن عدم حجية خبر الواحد من الواضحات بل هو من ضروريات المذهب كعدم حجية القياس، فكما ان عدم حجية القياس من ضروريات المذهب فكذلك عدم حجية أخبار الآحاد.

وللمناقشة فيه مجال واسع:

أما أولا: فقد تقدم ان الاجماع لا أثر له صغرى وكبرى فإن إثبات الاجماع التعبدي بين المتقدمين لا طريق لنا اليه بل لا يمكن لأن الاجماع المدعى بينهم المنقول الينا إما مبني على الحدس والاجتهاد والتخمين او مبني على تطبيق قاعدة كقاعدة اللطف او ما شاكل ذلك مضافا الى اختلافهم في دعوى الاجماع في نفس مسألة واحدة بل فرد منهم يختلف في دعوى الاجماع من كتاب الى كتاب آخر فكيف يمكن الاعتماد على إجماعهم.

وعلى تقدير تحقق الاجماع فلا يكون كاشفا عن قول المعصوم(ع) لا بالملازمة العقلية ولا بالملازمة العادية ولا بالملازمة الارتكازية ولا بحساب الاحتمالات ولا يمكن احراز انه وصل اليهم من زمن الأئمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.

فلا يمكن الاستدلال بالإجماع.

وثانيا: مع الاغماض عن ذلك فإجماع السيد المرتضى معارض بإجماع الشيخ، فإن الشيخ أدعى اجماع الطائفة على حجية اخبار الآحاد، فمن اجل المعارضة لا يمكن ان يكون كاشفا عن قول المعصوم(ع) لأن الشيخ معاصر مع السيد(قده) لأن كليهما من تلامذة الشيخ المفيد، نعم بعد وفاة الشيخ المفيد تّلمذ الشيخ عند السيد قليلا.

وكيف ما كان هما متعاصران من حيث الزمان فأحدهما يدعي اجماع الطائفة على عدم حجية أخبار الآحاد والآخر يدعي اجماع الطائفة على الحجية، فإذن كيف يمكن الاعتماد على مثل هذه الإجماعات.

وثالثا: مع الاغماض عن ذلك ايضا الا ان هذا الاجماع من السيد مقطوع البطلان من جهة قيام السيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة الممضاة شرعا، فإن هذه السيرة بعد الإمضاء تصبح سيرة متشرعة وهذه السيرة المتشرعية ثابتة في زمن النبي الأكرم(ص) بعد الامضاء وفي زمن الأئمة(ع) الى زماننا هذا فإن العمل بأخبار الثقة وحجيتها أمر مرتكز في الأذهان ولذا في عدة من الروايات يكون السؤال عن وثاقة الراوي لا عن العمل بروايته، وهذا يعني ان الكبرى أمر مرتكز ومعلومة وهي حجية أخبار الثقة وإنما السؤال عن الصغرى ( أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه[1] ) وكذلك الحال في غيره، فحجية أخبار الثقة رغم انها أخبار آحاد أمر مرتكز في الأذهان وثابتة في الأذهان من زمن النبي الأكرم(ص) الى زمان الأئمة(ع) والى زماننا هذا.

فإذن هذا الاجماع مقطوع البطلان بهذه السيرة القطعية من المتشرعة.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن السيد من الفقهاء وجليل القدر فلا يمكن ان يدعي الاجماع جزافا ولا يحتمل في حقه ذلك، فلا بد أن يكون منشأ دعوى الاجماع عنده أحد امور:

الأمر الأول: يمكن ان يكون مراده من خبر الواحد حصة خاصة من الخبر وهي الخبر الضعيف كالمرسلات والمرفوعات وكأخبار غير الثقة، فمراده من دعوى اجماع الطائفة على عدم حجية اخبار الآحاد وانها من الواضحات أن هذه الأخبار الضعيفة لا تكون حجة وعدم حجيتها تكون من الواضحات.

ولكن هذا التوجيه وأن كان ممكنا أن يكون هو مراد السيد(قده) الا انه غير تام فإن الخبر الضعيف لا يكون حجة من جهة عدم الدليل عليه فلا دليل على حجيته وأن الدليل الدال على حجية خبر الواحد لا يشمل الخبر الضعيف، فإن سيرة العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة الممضاة شرعا لا تشمل الأخبار الضعيفة كأخبار غير الثقة، فتكون عدم حجية الخبر الضعيف من جهة عدم الدليل عليها لا من جهة ان الدليل على عدم حجيته كإجماع الطائفة وما شاكل ذلك.

الأمر الثاني: ان يكون دعواه(قده) اجماع الطائفة على عدم حجية أخبار الآحاد مبنية على الحدس والاجتهاد والتخمين بأن الأصحاب اتفقوا على عدم حجية اخبار الآحاد، او على تطبيق القاعدة كقاعدة أصالة البراءة او قاعدة عدم حجية الظن فإن مقتضى الاصل الأولي عدم حجية الظن فهو أصل أولي ثابت، ولعل دعواه تطبيق لهذا الاصل على مسألة خبر الواحد ومقتضى هذا الاصل عدم الحجية لخبر الواحد.

ولكن مثل هذا الاجتهاد والحدس خاطئ وغير مطابق للواقع ولا أثر له. وأما قاعدة عدم حجية الظن فهي وإن كانت ثابتة ولكن الكلام بين الأصحاب في خروج مسألة حجية خبر الواحد عن هذه القاعدة فهل يخرج خبر الواحد من هذه القاعدة وأنه قد ثبتت حجيته او لا؟ هذا هو مورد الكلام وليس مورد الكلام بينهم في تطبيق هذه القاعدة على مسألة حجية خبر الواحد.

الأمر الثالث: يحتمل ان السيد(قده) يرى قطعية الأخبار الواصلة اليهم سندا فمن أجل ذلك قال أن خبر الواحد لا يكون حجة واجماع الطائفة قائم على عدم حجيته وانه من الواضحات، باعتبار ان الأخبار الواصلة اليه أخبار قطعية فلا يكون الخبر الواحد حجة.

وهذا أيضا غير تام إذ لا شبهة في أن تلك الأخبار ليست بقطعية، وذهب الى ذلك صاحب الحدائق(قده) ايضا، لأنه يرى ان جميع الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة قطعية السند وليس من اخبار الآحاد، ولذا اشكل على العلامة في تقسيم الروايات للروايات الى الصحيح والموثق والحسن والضعيف.

وكيفما كان لا يمكن إثبات هذه الدعوى، فلا شبهة في ان هذه الروايات لم تصل الينا بالتواتر بطرق قطعية وإنما وصليت الينا بطرق الآحاد.

فما ذكرناه من المبررات لدعوى الاجماع عند السيد غير تامة.

الوجه الثاني: الروايات وهي على طوائف:

الطائفة الأولى: ما دل على أن ما يعلم صدوره منّا وجب العمل به[2] وما لم يعلم لزم رده إلينا، فقد ورد في هذه الروايات أن ما علم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه أنه قولنا فردوه الينا.

الطائفة الثانية: الروايات التي تدل على ان ما يكون مخالفا للكتاب والسنة فلا يكون حجة[3] ، وهذه الروايات تدل على ان خبر الواحد بعنوانه الأولي لا يكون حجة.

الطائفة الثالثة: تدل على ان خبر اواحد إذا كان موافقا للكتاب[4] او السنة يعمل به ويكون حجة.

الطائفة الرابعة: الروايات التي تدل على انه إذا كان عليه شاهدا[5] من الكتاب والسنة وجب العمل به والا فلا.

وهذه الطوائف الثلاثة تدل على ان خبر الواحد بعنوانه الأولي لا يكون حجة وإنما يكون حجة بعنوان ثانوي وهو أن لا يكون مخالفا للكتاب او ان يكون موافقا للكتاب او السنة او أن عليه شاهد من الكتاب او السنة.

أما الكلام في الطائفة الأولى فلا يمكن الاستدلال بها لأنها ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد، هذا مضافا الى انها خبر واحد وسوف يأتي ان الكلام إنما هو في حجية خبر الواحد فكيف يمكن الاستدلال على عدم حجية خبر الواحد بخبر الواحد فإنه يلزم من فرض حجيته عدم حجيته وهو مستحيل لأن كل ما يلزم من فرض وجوده عدمه فوجوده مستحيل، هذا مضافا الى ان هذه الرواية مقطوعة البطلان لمخالفتها للسيرة القطعية من المتشرعة الجارية على العمل بأخبار الثقة من زمن النبي الأكرم(ص) الى زمان الأئمة(ع) والى زماننا هذا.

فإذن لا يمكن الاستدلال بهذه الطائفة على عدم حجية أخبار الآحاد وإن كانت هذه الطائفة صادرة من الثقات.

وأما الطوائف الثلاثة فالعمدة منها الطائفة الثانية والرابعة دون الطائفة الثالثة فإنها تدل على ان الخبر إذا كان موافقا للكتاب او السنة فهو حجة وطالما لا يكون موافقا للكتاب او السنة فلا يكون حجة وكذلك اذا كان عليه شاهد من الكتاب او السنة فهو حجة وما لا يكون عليه شاهد من الكتاب او السنة فلا يكون حجة. فتكون الحجة هو أخبار الآحاد الموافقة للكتاب او السنة او التي يكون عليها شاهد من الكتاب او السنة.

ولكن الحقيقة الحجة هو الكتاب او السنة دون الرواية ولهذا اذا لم يكن موافقا للكتاب فلا يكون حجة.

هذا أولا.

وثانيا: ان هذه الروايات روايات آحاد وليست روايات متواترة وقطعية ومن الواضح انه لا يمكن الاستدلال على عدم حجية أخبار الآحاد بروايات الآحاد بل لا بد ان يكون الاستدلال على عدم حجية اخبار الآحاد بالروايات القطعية الصدور بالتواتر المعنوي او التواتر الاجمالي او التواتر اللفظي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo