< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

الوجه الثالث: من الوجوه التي ذكرها بعض المحققين(قده) من أن كلمة التأويل الواردة في هذه الآية المباركة قرينة على ان المراد من المتشابه المتشابه المصداقي لا المتشابه المفهومي، وقد أفاد في وجه ذلك أن حمل اللفظ الظاهر في معنًى على خلاف ظاهره بدون قرينة يعد تأويلًا وأما حمل اللفظ المجمل على أحد احتماليه بدون قرينة فلا يسمى تأويلًا فالمجمل مردد بين معنيين وكان احتمال كل منهما شبيه باحتمال الآخر فهما احتمالان متساويان فحمل اللفظ على إرادة أحدهما بدون قرينة لا يسمى تأويلا فالتأويل مختص بنظر العرف والعقلاء باللفظ الظاهر في معنًى وحمله على إرادة خلاف ظاهره بدون قرينة فهذا يسمى تأويلاً كلفظ الأمر الظاهر في الوجوب وحمله على الندب بدون قرينة يسمى تأويلاً وحمل النهي الظاهر في الحرمة على الكراهة بدون قرينة يسمى تأويلاً ، وأما حمل اللفظ المتشابه والمجمل كاللفظ المشترك المردد بين معنيين أو أكثر على إرادة أحدهما المعين بدون قرينة لا يسمى تأويلا.

هذا من ناحية .

ومن ناحية أخرى قد ذكر(قده) أنه ورد في الآيات المباركة كلمة الصراط وكلمة الكرسي وكلمة العرش وكلمة اليد وما شاكلها فإن هذه الالفاظ الواردة في الآيات المباركة ليست من الالفاظ المجملة والمتشابهة مفهوما فإن مفهوم هذه الالفاظ واضح وهي ظاهرة في معانيها وفي مدلولاتها الوضعية فلا إجمال ولا اشتباه فيها، والاشتباه والابهام إنما هو في مصاديقها فإن لهذه الالفاظ مصداق في عالم الخارج وهو عالم الشهود والعيان والمادة ولها مصداق في عالم الغيب ومصداقها في عالم الخارج لا ينسجم مع مصداقها في عالم الغيب ولا طريق لنا الى عالم الغيب لقوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ[1]

فإذن لا ندري ما هي مصاديقها في عالم الغيب ونعلم أن مصاديقها في عالم الغيب غير مصاديقها في عالم الشهود والمادة ولكن أعداء الاسلام والمبغضين للدين الاسلامي أخذوا مصاديق هذه الالفاظ في عالم الخارج وهو عالم الشهود والمادة لإلقاء الفتنة والتشويش على أذهان المسلمين وعلى سمعة الدين الاسلامي وإيذاء النبي الأكرم(ص) طعنا على الدين الاسلامي وتشويها على لرسالة النبي الأكرم(ص).

هكذا ذكره(قده) على ما في تقرير بحثه.

وللمناقشة فيه مجال.

أما أولاً: فلأن حمل اللفظ الظاهر في معنى على إرادة خلاف ظاهره بدون قرينة يكون تأويلاً فهذا مما لا شبهة فيه، بل الظاهر أن حمل اللفظ المجمل والمشتبه على إرادة أحدهما بدون قرينة أيضا تأويل، والتأويل لا يكون منوطا بظهور اللفظ في معنى وحمله على إرادة خلاف ظاهره فإن إرادة معنى من اللفظ لا يكون اللفظ ظاهرا فيه بدون قرينة وعناية زائدة فهو تأويل.

هذا مضافا إلى أن اللفظ المجمل وهو اللفظ المشترك إذا صدر من متكلم ظاهر في إرادة أحدهما فإذا صدر لفظ العين من متكلم عرفي ظاهر في أنه أراد أحد معنييه وكذلك إذا صدر من المتكلم العرفي لفظ القرء فهو ظاهر في أنه أراد أحد معنييه، فعندئذ حمل هذا اللفظ على إرادة أحدهما معينا بدون قرينة وهو خلاف ظاهره يكون تأويلا فإنه ظاهر في إرادة أحدهما وهو الجامع وحمله على إرادة أحدهما المعين في الخارج بدون قرينة فهو تأويل، فإذن لا فرق بين أن يكون اللفظ ظاهرا في معنى خاص وحمله على خلاف ظاهره بدون قرينة تأويل وكذلك إذا كان اللفظ ظاهرا في معنى جامع وحمله على إرادة أحد فرديه في الخارج بدون قرينة تأويل يعني خلاف الظاهر.

فإذن لا فرق من هذه الناحية بين المجمل والمحكم وبين الظاهر والمشتبه من هذه الناحية.

وأما ما ذكره(قده) من أن هذه الكلمات الواردة في الآيات المباركة ككلمة الصراط والكرسي والعرش واليد وما شاكل ذلك فهذه الالفاظ لا تكون مجملة مفهوما وهذا مما لا شبهة فيه فإن معانيها ظاهرة ومعينة ولا اجمال فيها ولا اشتباه كما أن مصاديقها الخارجية معلومة ولا اجمال فيها، وأما مصاديقها في عالم الغيب فلا شبهة في ان المراد من الصراط في عالم الغيب هو الصراط المعنوي والصراط الروحي ولكن لا طريق لنا إلى إحراز حقيقته ولا نعرف حقيقة الصراط وكذلك المراد من الكرسي في عالم الغيب هو الكرسي المعنوي وهذا أيضا مما لا شبهة فيه وكذلك العرش ولكن لا طريق لنا الى العلم بحقيقته، ولكن نعلم ان المراد من الكرسي هو الكرسي المعنوي والروحي وكذلك المراد من العرش العرش المعنوي الروحي والمراد من اليد القدرة التي هي عين ذاته تعالى وتقدس.

فإذن مصاديق هذه الالفاظ في عالم الغيب غير مصاديقها في عالم الخارج ولا اشتباه واجمال بينهما فإن مصاديقها في عالم الخارج معلومة وظاهرة وأما مصاديقها في عالم الغيب فهي من سنخ آخر وهذا أيضا معلوم ولكن حقيقتها فلا طريق لنا الى معرفتها، نعلم أيضا ان المراد الجدي من هذه الالفاظ هو مصاديقها في عالم الغيب أي المراد من الكرسي هو الكرسي المعنوي والروحي وكذلك المراد من العرش والصراط وليس المراد منها المصاديق في عالم الخارج وهو عالم الشهود والمادة فإن مصاديقها في عالم الخارج مرادة بإرادة تصورية وأما مصاديقها في عالم الغيب فهي مرادة بإرادة جدية ونهائية وأما المراد بإرادة تصورية فهو يعني أن الإنسان إذا سمع لفظ الصراط يتبادر في ذهنه معنًى يكون مرآة لما في الخارج، أي عند إطلاق اللفظ ينتقل الذهن إليها تصورا لا تصديقا وأما مصايدقها في عالم الغيب فهي مرادة بإرادة جدية نهائية.

فالنتيجة أنه لا إجمال في هذه الالفاظ لا من حيث المفهوم والمعنى ولا من حيث المصادق.

إلى هنا قد تبين أن كلمة التأويل وكلمة الاتباع وكذلك ما ورد في الكتاب من أن القرآن نور وهدى وتبيان وبيان شيء من ذلك لا يصلح أن يكون قرينة على أن المراد من المتشابه المتشابه المصداقي لا المفهومي.

فإذن لا مانع من أن يراد من المتشابه أعم من المتشابه المفهومي والمتشابه المصداقي.

كما ظهر مما ذكرنا أن هذه الآية أجنبية عن الدلالة على عدم حجية ظواهر الكتاب لأنها في مقام بيان أمر آخر وهو أن المعاندين للإسلام والكفار قاموا بتشويه سمعة الاسلام والمسلمين وتشويه سمعة الرسالة وإيذاء النبي الأكرم(ص)، وليس مفاد الآية الإرشاد الى عدم حجية الظواهر.

الوجه الرابع ــــ الذي استدل به الإخباريون على عدم حجية ظواهر الكتاب ـــ: هو الروايات، وهي على طوائف:

الطائفة الأولى[2] : وهي الدالة على عدم جواز التمسك بالكتاب بدون الرجوع الى الأئمة الأطهار(ع).

ومفادها إلغاء حجية ظواهر الكتاب في نفسها بدون الرجوع الى الأئمة الأطهار(ع) ولا يمكن الاستدلال على استنباط الحكم الشرعي سواء الحكم الفرعي أو الحكم الأصولي بالآيات بدون الرجوع الى الأئمة الأطهار(ع ).

ولكن هذا الوجه غير تام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo