< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر

ينبغي التنبيه على نقطتين:

النقطة الأولى: أن الحكم في القضية الحقيقية مجعول للموضوع المقدر وجوده في الخارج، سواء كان موجوداً فعلاً أم لم يكن موجوداً، بل يوجد في المستقبل، كما هو الحال في جميع القضايا الحقيقية، سواء كان في الآيات أو الروايات. ومن هنا ترجع القضية الحقيقية الى قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول، والقضية الحقيقية تارةً تكون إنشائية وأخرى تكون خبرية، أما القضية الإنشائية الحقيقية كهذه الآية المباركة التي هي مسار النقاش والجدال بين الفقهاء فإنّ هذه القضية الحقيقية مفادها عدم حجية ظواهر سائر الآيات، والمفروض أنّ هذه الآية تدل على ذلك بظهورها أي أنّ هذه الآية ظاهرة في عدم حجية ظواهر سائر الآيات. والقضية حيث أنّها حقيقية فإنّها بحكم العقل تنحلّ إلى قضايا متعدّدة طولية ومتسلسلة إلى ما لا نهاية له، وهذا ليس من التسلسّل الباطل، فإنّ كل ذلك عبارة عن تحليلات وتخيّلات، والتسلسّل لا يجري في الأمور الافتراضية والتحليلية والاعتبارية، لأنّ هذا التسلسّل ينقطع بمجرد قطع الاعتبار وقطع الافتراض، والتسلسّل المحال إنما هو في الأمور الواقعية بين العلّل والمعلولات في الخارج. فلا مانع من تحليل هذه القضية عقلاً إلى قضايا متعدّدة إلى ما لانهاية له، وكل واحد من هذه القضايا التحليلية تدلّ على عدم حجية القضية السابقة، إذ القضية السابقة مدلول هذه القضية، لأنّ مدلول هذه القضية عدم حجية ظاهر الآية وهو قضية بنفسها، فكل قضية تحليلية في طول هذه السلسلة تدلّ على عدم حجية ظهور الآية.

ونتيجة ذلك أنَّ الحجية وعدم الحجية لا يمكن اجتماعهما في قضية واحدة. فكل واحدة من هذه القضية التحليلية تدلّ على عدم حجية ظهور الآية المباركة، ولهذا لا يمكن أن تجتمع الحجية مع عدم الحجية في قضيةٍ واحدةٍ.

ولكن هذا مجرد افتراض وتحليل، إذ القضايا التحليلية لا واقع موضوعي لها لا في عالم الواقع والخارج ولا في عالم اللوح الذي هو أعمّ من عالم الواقع، وليست موضوعاً للآثار والأحكام الشرعية. فإذن هذا مجرد افتراض.

وأما إذا كانت الآية مجرد قضية خارجية ــــ كما هو الظاهرــــ فإنّ هذه الآية تدلّ على عدم حجية ظواهر سائر الآيات الموجودة في الخارج، فهي قضية خارجية، فعندئذ هل يمكن الحكم بعدم حجية هذه الآية المباركة او لا؟ سوف يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وأما إذا كانت القضية الحقيقية إخبارية فالقضية الإخبارية التي هي مسار الجدل بين الأصوليين نحو (فإذا قال زيد: كل خبر كاذب ) فإنّ هذا الخبر خبر زيد ومدلوله أيضا خبر زيد ويدلّ على أنَّ كلّ خبر كاذب سواء كان موجوداً أو سيوجد في الخارج، فالعقل يحلّل هذه القضية إلى قضايا متعدّدة طولية متسلسّلة إلى ما لا نهاية له. وكل واحد من هذه القضايا التحليلية في هذه السلسلة الطولية تدلّ على كذب طرفيها، أي القضيتين اللتين في طرفيها، أي تدلّ على كذب القضية التي ما بعدها وكذب القضية التي ما قبلها، فإذا فرضنا أنّ هذه القضية صادقة فالقضية المحكي بها كاذبة لا محالة، لأنّها تدلّ على كذبها، فهي لو كانت صادقة فالقضية المحكي بها كاذبة لا محالة، والقضية الحاكية عنها أيضا كاذبة، لأنّ القضية الحاكية عنها تدلّ على كذبها، والمفروض أنّها صادقة، فكلّ قضية تحليلية من هذه القضايا الطولية في هذه السلسلة إن كانت صادقة فهي تدلّ على كذب القضيتين في طرفيها أي قضية ما قبلها وقضية ما بعدها.

وإن كانت كاذبة فهي تدلّ على صدق طرفيها أي صدق القضية التي ما قبلها وصدق القضية التي ما بعدها، والقضية المحكي عنها أيضاً صادقة، لأنَّ القضية الحاكية عنها تدلّ على كذبها والمفروض أنَّها كاذبة، فإن كانت كل واحدةٍ من هذه القضايا التحليلية صادقةً فتدلّ على كذب طرفيها أي قضية ما قبلها وما بعدها، وإن كانت كاذبةً فتدلّ على صدق طرفيها أي ما قبلها وما بعدها.

ونتيجة ذلك أنّ الصدق والكذب لا يمكن اجتماعهما في قضيةٍ واحدةٍ، فالكذب في قضية والصدق في قضية أخرى.

ولكن هذا ايضاً مجرد افتراض وتحليل ولاواقع موضوعي له لا في عالم الثبوت والواقع ولا في عالم اللوح الذي هو أعمّ من عالم الثبوت والواقع.

ومن هنا القضايا التحليلية ليست موضوعاً للآثار والأحكام الشرعية، لأنَّها مجرد تصوّرات ولا واقع موضوعي لها.

النقطة الثانية: أنَّ في هذه القضية سواء كانت إخبارية أم إنشائية هل يمكن اسراء عدم الحجية إلى هذه القضية أيضا أولا يمكن؟

يمكن اسراء عدم الحجية إلى هذه القضية بتنقيح المناط، فملاك عدم حجية ظواهر سائر الآيات نفس هذا الملاك موجودٌ في ظاهر هذه الآية، وكذلك إذا كانت القضية الحقيقية إخباريةً، فإنَّ ملاك الكذب الموجود في سائر أخبار زيد بعينه موجود في هذا الخبر الصادر منه.

فإذن يمكن إسراء عدم الحجية إلى هذه الآية بتنقيح المناط.

وأما بالدلالة الالتزامية فلا يمكن، لأنّ الدلالة الالتزامية تابعةٌ للدلالة المطابقية حدوثاً وحجيةً، فحدوث الدلالة الالتزامية معلولٌ لحدوث الدلالة المطابقية، فإذا حدثت الدلالة المطابقية حدثت الدلالة الالتزامية، وإذا صارت الدلالة المطابقية حجةً صارت الدلالة الالتزامية أيضاً حجةً، فإذا سقطت الدلالة المطابقية عن الحجية سقطت الدلالة الالتزامية أيضاً عن الحجية، فإذن الدلالة الالتزامية تدور مدار الدلالة المطابقية حدوثاً وحجيةً.

وأما في المقام فالدلالة الالتزامية غير معقولة حتى فيما إذا كنّا نقطع بثبوت الملازمة بين عدم حجية ظواهر سائر الآيات وبين عدم حجية ظاهر هذه الآية، فإنّ هذه الدلالة الالتزامية نقيض الدلالة المطابقية ورافعة لها فكيف تكون دلالة التزامية لها؟ ولا يمكن اجتماعهما في زمن واحد فإنها نقيض الدلالة المطابقية ورافعةٌ لها، فيلزم من فرض وجودها عدمها، فإنّ وجودها رافع للدلالة المطابقية وإذا ارتفعت الدلالة المطابقية ترتفع الدلالة الالتزامية أيضاً فيلزم من فرض وجودها عدمها، فلا يعقل في المقام الدلالة الالتزامية حتى في صورة القطع بالملازمة فضلاً عن كون هذه الملازمة ارتكازيةً عرفيةً ناشئةً من مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية.

هذا كلّه في مقام الثبوت.

واما في مقام الإثبات فهل يمكن شمول الدليل لظهور هذه الآية المباركة؟ فإنّ الدليل على حجية الظواهر السيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعاً فهل يمكن تخصيص هذه السيرة بهذه الآية المباركة وإخراج ظهور سائر الآيات عنها فتكون السيرة مختصةٌ بظهور هذه الآية وظهور الروايات وأما ظهور سائر الآيات فهي خارجةٌ عنها؟

لا يمكن هذا التخصيص ولا دليل عليه. فإذن لا يمكن شمول السيرة لكليهما معاً أي لظهور هذه الآية وظهور سائر الآيات لتعارضهما، لأنّ السيرة لا يمكن أن تشمل الدليلين المتعارضين، فكما أنّ ظهور سائر الآيات خارجٌ عن السيرة فكذلك ظهور هذه الآية. وعلى هذا فالمرجع هو الأصل العملي، والأصل العملي في المقام يختلف، فإن كان هنا علم إجمالي بأنّ بعض ظهور هذه الآيات مطابق للواقع وجب الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo