< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الظواهر – التفصيل في حجية ظواهر بين ظواهر الكتاب وبين ظواهر غيره.

وأما الكلام في المقام الرابع وهو التفصيل بين ظواهر الكتاب وظواهر غيره كالروايات والأخبار، فقد اختار هذا التفصيل الإخباريون وأن ظواهر الكتاب لا تكون حجة بينما تكون ظواهر الروايات حجة، وقد استدلوا على ذلك بوجوه:

الوجه الأول: العلم الاجمالي بوجود مخصصات لعمومات الآيات ومقيدات لمطلقاته والقرائن على خلاف ظواهره، وهذا العلم الاجمالي مانع عن حجية ظواهر الآيات سواء كانت ظواهرها متمثلة في العمومات او المطلقات او الظواهر، إذ لا يمكن العمل بجميع ظواهر الكتاب لاستلزامه المخالفة القطعية العملية وهو غير جائز، وأما العمل ببعض ظواهر الكتاب المعين دون بعضها الآخر فهو ترجيح من غير مرجح، ولا يمكن ذلك. وأما العمل ببعضها غير المعين فهو لا يمكن، لأنه إن أريد ببعضها غير المعين البعض غير المعين مفهوما فلا واقع له غير وجوده في عالم الذهن كمفهوم وتصور ولا واقع له حتى يكون موضوعا للحكم وموضوعا للحجية، لأنه مجرد تصور في عالم الذهن. وإن أريد من غير المعين غير المعين في الخارج فهو من الفرد المردد وهو غير معقول، لأن كل ما في الخارج فهو متعين ولا يعقل وجود فرد مردد بين وجود نفسه ووجود غيره في الموجود الخارجي فمن أجل ذلك تسقط ظواهر الكتاب عن الحجية فلا يمكن العمل بها.

والجواب عن ذلك:

أولاً: بالنقض فإن العلم الاجمالي بوجود المخصصات والمقيدات والقرائن على خلاف الظاهر كما انه موجود في الآيات كذلك موجود في الروايات، لأننا نعلم اجمالا ان جملة من الروايات قد خصصت عموماتها وقد قيدت مطلقاتها وقد أريد خلاف ظاهرها بواسطة القرينة، فما هو جواب الإخباريين عن ذلك كان جوابنا عن الآيات.

وثانياً: بالحل فإن العلم الاجمالي منجز طالما يكون موجودا وأما إذا انحل العلم الاجمالي فلا أثر له وهذا العلم الاجمالي في المقام منحل فإن المجتهد إذا قام بالفحص في مقام عملية الاستنباط عن المخصصات والمقيدات والقرائن على خلاف الظاهر وظفر بجملة من المخصصات والمقيدات والقرائن على الخلاف في أبواب الفقه وهو ليس أقل من المعلوم بالإجمال بل بمقدار المعلوم بالإجمال فينطبق عليه المعلوم بالإجمال وينحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي والى شك بدوي. ونظير ذلك ما إذا علمنا بنجاسة أحد إناءين وقامت البينة على نجاسة الإناء الشرقي فينحل هذا العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بنجاسة الإناء الشرقي وشك بدوي في نجاسة الإناء الغربي، وبالنسبة الى الشك البدوي لا مانع من الرجوع الى الاصول العملية، وفي المقام إذا قام المجتهد بالفحص ووجد مقدار من المخصصات والمقيدات والقرائن لا يقل عن مقدار المعلوم بالإجمال فبطيعة الحال ينطبق عليه المعلوم بالإجمال وينحل الى علم تفصيلي والى شك بدوي ولا مانع من الرجوع الى أصالة العموم أو الاطلاق او أصالة الظهور في موارد الشك شكا بدوياً في التخصيص أو التقييد أو وجود القرينة على الخلاف.

فإذن هذا العلم الاجمالي كما ينحل في الآيات كذلك ينحل في الروايات بالفحص غاية الأمر ينحل تدريجا باعتبار ان قيام المجتهد بالفحص في مقام عملية الاستنباط يكون بالتدريج فإذن لا أثر له.

الوجه الثاني: أنه وقع التحريف في القرآن الكريم وهذا التحريف مانع من التمسك بأصالة العموم او الاطلاق او أصالة الظهور لاحتمال ان في الآية التي قد حرّفت وسقطت قرينة على التخصيص او قرينة على التقييد او قرينة على إرادة خلاف الظاهر فمن اجل ذلك لا يمكن التمسك بأصالة العموم او الاطلاق او الظهور.

والجواب عن ذلك واضح:

اما اولاً: فإن الأصوليين لا يقولون بالتحريف بالنقصان والزيادة بمعنى إسقاط الآية أو زيادة آية فهو غير موجود نعم التحريف في الأعراب أو تقديم بعض السور على بعض موجود فإن الأصوليين اتفقوا على ذلك واما الإخباريون فقد ذهبوا الى التحريف بواسطة بعض الروايات الضعاف في المسألة، نعم ذهب جماعة من قبل قدماء العامة أيضا الى التحريف. وكيف ما كان فالتحريف غير ثابت وتدل على ذلك الآية المباركة ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وغنا له لحافظون [1] والمراد من الذكر هو القرآن الكريم ومعنى حفظه هو حفظه من التحريف من إسقاط كلمة او آية أو ما شاكل ذلك أو زيادة آية او كلمة.

وثانياً: مع الإغماض عن ذلك وتسليم ان التحريف ثابت ولكن هذا التحريف إنما يمنع من التمسك بأصالة العموم إذا احتمل وجود قرينة متصلة واما إذا احتمل سقوط قرينة منفصلة فهو لا يمنع من التمسك بأصالة الظهور او الاطلاق او العموم فإن عدم القرينة المنفصلة ليس جزء الموضوع لأصالة الظهور او العموم او الاطلاق وإنما جزء الموضوع لها هو عدم القرينة المتصلة.

ومع الإغماض عن ذلك أيضا فإن هذا العلم الاجمالي إنما يكون منجزا إذا كان العلم الاجمالي بالتحريف في آيات الأحكام أي الآيات المتضمنة للأحكام الالزامية فيكون مانعا عن العمل بها والمفروض ان الأمر ليس كذلك لأنا نعلم بوجود التحريف في الجامع بين هذه الآيات وسائر الآيات غير المتضمنة للأحكام الشرعية الالزامية كالآيات المتضمنة للقصص والعبر وغيرها، ومثل هذا العلم الاجمالي لا أثر له ولا يكون منجزا فإن العلم الاجمالي إنما يكون منجزا إذا كان المعلوم بالإجمال قابلا للتنجيز على كل تقدير سواء كان في هذا الطرف او ذاك الطرف وأما إذا لم يكن المعلوم بالإجمال كذلك فلا يكون العلم الاجمالي مؤثرا كما إذا علم إجمالا بأن هذا الأناء نجس أو إناء في مكان آخر خارج عن محل الابتلاء فإن هذا العلم الاجمالي لا أثر له لأن الإناء الآخر الخارج عن محل الابتلاء لو كان نجسا فلا أثر له، وما نحن فيه كذلك فإن التحريف إن كان في الآيات الراجعة الى الأحكام الشرعية الالزامية فهو مؤثر ومنجز ولكن لا علم بالتحريف فيها واما إذا كان التحريف في سائر الآيات فلا أثر له حتى يكون منجزا ولهذا لا أثر لهذا العلم الاجمالي على تقدير التسليم بوجود التحريف في الآيات.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن هناك روايات كثيرة تبلغ حد التواتر الاجمالي تدل على حجية ظواهر الكتاب وتصنف الى أربع طوائف.

الطائفة الأولى: قد جاءت بلسان أن ما خالف الكتاب فهو زخرف وباطل أو لم أقله[2] [3] ، ومن الواضح ان المراد من المخالفة ليست المخالفة لنفس الآية المباركة فإن آيات الأحكام الالزامية التي هي نص في مدلولها لو كانت فهي نادرة جدا فلا يمكن حمل هذه الطائفة على ذلك لأنه حمل على الفرد النادر وهو قبيح. فيكون المراد من مخالفة الكتاب مخالفة ظاهر الكتاب، فتكون هذه الروايات تدل بوضوح على أن ظاهر الكتاب حجة باعتبار ان كل رواية مخالفة لظاهر الكتاب فهي زخرف وباطل ولم يقلها الإمام (ع)، ومن هنا التحاشي والابتعاد عن صدور مثل هذه الروايات يدل بوضوح عن ان ظاهر الكتاب حجة، فإذن لا شبهة في دلالة هذه الطائفة على حجية ظواهر الكتاب. والمراد من المخالفة في هذه الروايات المخالفة بنحو التباين او العموم من وجه ولا يمكن صدور رواية عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وأله وسلم) أو عن الأئمة الأطهار عليهم السلام مخالفة لظاهر الكتاب بنحو التباين او العموم من وجه. وليس المراد من المخالفة المخالفة بنحو العموم المطلق لصدور الروايات التي تخالف الكتاب بنحو العموم المطلق من الأئمة عليهم السلام بل هي كثيرة، بل هي في الحقيقة ليست مخالفة للكتاب، فإن الروايات التي تكون نسبتها الى عمومات الكتاب او مطلقاته نسبة الخاص الى العام او المقيد الى المطلق او القرينة الى ذيها ليس مخالفتها مخالفة حقيقية عند العرف العام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo