< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظواهر
إلى هنا قد تبين ان ما ذكره شيخنا الانصاري من رجوع الاصول الوجودية الى الاصول العدمية بالتحليل لا يرجع الى معنى معقول، وكذلك ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني من ان أصالة الظهور متوقفة على أصالة عدم القرينة وهما أصلان طوليان وأصالة الظهور في طول أصالة عدم القرينة فهو مما لا يمكن المساعدة عليه.
وذكرنا ان الكلام تارة يقع في القرينة المنفصلة وأخرى في القرينة المتصلة، أما الكلام في القرينة المنفصلة فقد تقدم ان احتمال وجودها في الواقع لا أثر له، ولا تجري أصالة عدم القرينة أيضا، إذ لا دليل على حجية هذه الاصالة لا من بناء العقلاء ولا من دليل آخر كما تقدم.
واما القرينة المتصلة فهي تتصوّر على صور:
الصورة الاولى: ان يكون الشك في وجود القرينة المتصلة ناشئاً من غفلة المتكلم أي المتكلم غفل عن نصب القرينة المتصلة هذا إذا لم يكن المتكلم معصوماً، أو ناشئاً عن غفلة المخاطب عن سماعها.
الصورة الثانية: أن الشك في وجود القرينة المتصلة ناشئ من قرينية الموجود فما هو مقرون بالكلام وموجود فيه يحتمل ان يكون قرينة فالشك في وجود القرينة المتصلة ناشئ من قرينية الموجود.
الصورة الثالثة: ان يكون الشك في وجود القرينة المتصلة ناجم من إسقاط الراوي القرينة المتصلة من الرواية عمدا وملتفتا.
الصورة الرابعة: ان الشك في وجود القرينة المتصلة ناشئ من احتمال سقوطها عند تقطيع الروايات وتبويبها وتفصيلها أبوابا.
فالشك في وجود القرينة المتصلة ناشئ من هذه الأمور.
أما الصورة الأولى وهي ان الشك في وجود القرينة المتصلة ناشئ من غفلة المتكلم او غفلة المخاطب فلا شبهة في جريان أصالة عدم الغفلة من المتكلم او المخاطب، لأن أصالة عدم الغفلة من الاصول العقلائية وقد جرت عليها سيرة العقلاء الممضاة شرعا، لأن كل فاعل مختار وملتفت اذا دخل في العمل وأراد الاتيان بالعمل بتمام أجزائه وشروطه كما إذا دخل في الصلاة وكان في مقام الامتثال وأراد الاتيان بالصلاة بتمام أجزائها وشروطها فاحتمال انه ترك جزءا او شرطا عامدا ملتفتا خلف فرض انه أراد الاتيان بالصلاة بتمام أجزائها وشروطها وانه في مقام الامتثال واما احتمال انه ترك جزءً او شرطاً غفلةً او سهواً او خطأً فهو خلاف الاصل العقلائي، لأن الاصل عدم الغفلة، فأصالة عدم الغفلة تجري وهي من الأمارات الكاشفة عن الواقع وحجة ببناء العقلاء الممضى شرعاً.
وعلى هذا فأصالة عدم الغفلة تثبت ظهور هذا الكلام أي تثبت الصغرى لكبرى اصالة الظهور فإن حجية أصالة الظهور أمر مفروغ عنه عند جميع العقلاء والفقهاء وأصالة عدم الغفلة في المقام تثبت الصغرى وهي ظهور هذا الكلام، باعتبار انها من مثبتات الأمارات وهي حجة وهي صغرى لكبرى أصالة الظهور وبضم الصغرى الى الكبرى تحصل النتيجة، فإذن لا مانع من التمسك بأصالة عدم الغفلة لإثبات الظهور لهذا الكلام وتطبيق أصالة الظهور على هذا الكلام ويترتب الأثر على حجية هذا الظهور بعد تطبيق الكبرى على الصغرى .
ومن هنا يظهر ان ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني إنما يتم في هذه الصورة فإن أصالة الظهور في هذه الصورة تتوقف على أصالة عدم الغفلة عن القرينة، لأن هذه الاصالة تثبت الظهور فما ذكرته مدرسة المحقق النائيني إنما يتم في هذه الصورة فقط وهو ما إذا كان الشك في الظهور ناشئا من الشك في وجود القرينة المتصلة المانعة عن الظهور لغفلة من المتكلم او المخاطب، ومع ثبوت الظهور تنطبق عليه أصالة الظهور وهي كبرى المسألة فيكون هذا الظهور حجة عقلاءً وشرعاً.
فالنتيجة ان هذه الصورة تامة.
واما الصورة الثانية وهي ان الشك في وجود القرينة المتصلة ناجم من قرينية الموجود فلا أصل في المقام لنفي احتمال قرينية الموجود لأن الشك ليس في وجود القرينة بمفاد كان التامة وبنحو الوجود المحمولي وإنما هو في قرينية الموجود بمفاد كان الناقصة وبنحو الوجود النعتي وليست له حالة سابقة كي يمكن التمسك بأصالة عدم القرينة فالشك إذن في قرينية الموجود ولا أصل في المقام لنفي هذه القرينة، مثال ذلك إذا ورد في الدليل أكرم الفقهاء وورد في دليل آخر تصدق على الفقراء وورد في دليل ثالث أضف الشعراء الا الفساق منهم، فإن هذا الاستثناء يحتمل رجوعه الى جميع هذه الجمل وإن كان رجوعه الى الجملة الأخيرة متيقن ولكن يحتمل رجوعه الى الجملة الاولى والثانية ايضا وهذا الاحتمال لا دافع له ولا نافي له وهو يمنع عن انعقاد ظهور الجملة الاولى في العموم ويمنع عن انعقاد ظهور الجملة الثانية في العموم فالجملة الاولى والثانية مقرونة بما يحتمل قرينيته وداخل في الكلام المحفوف بما يصلح ان يكون قرينة وهو مما لا ينعقد له الظهور في معناه، وما نحن فيه كذلك فإن احتمال رجوع الاستثناء الى الجملة الاولى والجملة الثانية مانع عن انعقاد ظهور الجملة الاولى والثانية في العموم او الاطلاق ويكون المقام داخلا في احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية فلا ينعقد له الظهور.
واما استصحاب العدم الأزلي وإن كان في نفسه جارياً الا انه لا أثر له فإنه في زمان لم تكن هذه الجمل موجودة ولم يكن الاستثناء موجودا ولا اتصاف الاستثناء بالقرينية فكل ذلك غير موجود ثم وجدت هذه الجمل ووجد الاستثناء ونشك في اتصافه بالقرينية فلا مانع في نفسه من استصحاب عدم القرينية الا انه في المقام لا يجري ويترتب عليه أثر فإن هذا الاستصحاب لا يثبت ظهور الجملة الاولى في الاطلاق او العموم الا على القول بالأصل المثبت فلا أثر لهذا الاستصحاب.
واما الكلام في الصورة الثالثة وهي احتمال ان الراوي اسقط القرينة المتصلة من الرواية عامدا ملتفتا هذا الاحتمال غير محتمل، لأنه خلف فرض ان الراوي ثقة وأمين لأنه إذا كان امينا وثقة فلا يحتمل انه أسقط القرينة المتصلة عن الرواية متعمدا فهذا غير محتمل، واما احتمال إسقاطه القرينة المتصلة سهواً او خطأً أو غفلة فهو مدفوع بالأصل العقلائي وهو أصالة عدم الغفلة أو عدم الخطأ أو عدم السهو والنسيان.
فإذن هذا الاحتمال غير موجود، ولهذا اعتبر الفقهاء في حجية الرواية وثاقة الراوي وامانته.
واما الصورة الرابعة وهي احتمال سقوط القرينة المتصلة منه جهة تقطيع الروايات وتبويبها وتفصيلها الى ابواب بعدما كانت مختلطة وفي هذا التقطيع يحتمل سقوط القرينة المتصلة.
ولكن هذا الاحتمال أيضا غير محتمل لأن التقطيع كان من أهل الخبرة بالروايات وبالأحاديث ومن الفقهاء والمحدثين الكبار لأن تقطيع الروايات كان من مثل الصدوق والشيخ الطوسي والكليني وامثال هؤلاء، فاحتمال سقوط القرينة المتصلة عند تقطيع الروايات وتبويبها من هؤلاء بعيد جدا لمعرفتهم بالأحاديث وبخصوصياتها.
إلى هنا قد تبين أن احتمال وجود القرينة إن كان ناشئا من غفلة المتكلم او المخاطب فأصالة عدم الغفلة تجري وتثبت الظهور لأنها من الاصول العقلائية ومن الأمارات وهي حجة عند العقلاء وعند الشارع ايضا وهي تثبت الظهور لأن مثبتات الأمارات تكون حجة.
واما إذا كان الشك في وجود القرينة المتصلة ناشئا من قرينية الموجود فلا أصل في المقام لنفي ذلك، وكذلك لو كان الشك ناشئا من اسقاط الراوي للقرينة المتصلة عن الرواية متعمدا أو كان الشك في وجد القرينة ناشئا من احتمال سقوطها نتيجة لتقطيع الروايات.
هذا كله في الكلام عن ان أصالة الظهور هل هي متوقفة على أصالة عدم القرينة بوجودها الواقعي او لا؟
وقد تبين أنها لا تتوقف على أصالة عدم القرينة بوجودها الواقعي بل ذكرنا ان هذه الاصالة في نفسها لا تكون حجة وليست من الاصول العقلائية ولا من الأمارات ولا من الاصول العملية الشرعية.
واما الفرض الثاني وهو ان المانع عن حجية اصالة الظهور هو وصول القرينة المنفصلة أي إذا وصلت القرينة المنفصلة الى المكلف فهي مانعة عن العمل بأصالة الظهور أي مانعة عن حجية أصالة الظهور لا عن أصل الظهور لأن الظهور امر تكوني فإذا تحقق ووقع فيستحيل انقلابه الى العدم، فوصول القرينة لا يكون رافعا لظهور اللفظ في معناه وإنما يكون مانعا عن حجية الظهور فهذه الدعوى صحيحة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo