< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: امضاء السيرة

ملخص ما ذكره المحقق الاصفهاني(قده) ان للشارع حيثيتين، حيثية كونه من افراد العقلاء وفي طليعتهم ورئيسهم، فمن هذه الناحية يكون موقفه موافقا لموقف العقلاء، والحيثية الثانية حيثية كونه شارعا ورسولا من الله تعالى لتبليغ الاحكام الشرعية لتصحيح أخطاء ومواقف العقلاء وسلوكياتهم في الامور المادية والمعنوية وفي المواقف الاجتماعية والفردية، فمن ناحية الحيثية الاولى لا يمكن ان يكون موقفه مخالفا لموقف العقلاء والا لزم خلف فرض كونه في طليعة العقلاء فلا محالة تكون مواقفه موافقة للسيرة العقلائية ، وأما من الحيثية الثانية فلا نعلم انه مخالف لموقف العقلاء وسيرتهم او انه موافق لهم.

ولكن مجرد الشك في مخالفة الشارع للعقلاء في المواقف والسيرة او موافق لهم لا اثر ولا قيمة له، فإن الشارع من حيث كونه من افراد العقلاء فموافقته لسيرتهم معلومة وإنما الشك في الردع أي انه قام بالردع عن هذه السيرة او لم يقم؟ ولا اثر لهذا الشك ولا قيمة له، فالسيرة حينئذ ممضاة وحجة شرعا.

هكذا ذكره(قده)

وقد يناقش في ذلك بأن سيرة العقلاء تارة تكون ناشئة من المرتكزات الذهنية ومن النكات المرتكزة في الذهن الموجودة في اعماق نفوسهم الممتدة جذورها ولا تختص بطائفة دون طائفة أخرى وببلد دون بلد آخر وعصر دون عصر آخر بل تعم جميع العقلاء من حين وجودهم على سطح هذه الكرة، فإن سيرة العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة الناشئة من النكات المرتكزة الثابتة في هذه الأخبار فهذه النكات المرتكزة لا تختص بقوم دون قوم ولا طائفة دون طائفة أخرى فهذه النكات المرتكزة كالجبلة والفطرة الذاتية وتعم جيع العقلاء في جميع الازمان وفي تمام القرون فتارة تكون سيرة العقلاء ناشئة عن هذه المرتكزات الذهنية وعن هذه النكات الارتكازية الثابتة في اعماق النفوس وأخرى تكون سيرة العقلاء ناشئة من العوامل الخارجية غير العقلائية كمظاهر الطائفية والقومية والحزبية والاقليمية واختلاف المدن واختلاف اللسان واختلاف الجنس والشارع بما انه من افراد العقلاء وفي طليعتهم موافق للسيرة العقلائية في الفرض الاول أي الناشئة من المرتكزات الذهنية في الفرض الاول دون الفرض الثاني لأنها ليست بسيرة عقلائية بل هي مردودة من قبل العقلاء بل العقلاء يشجبون هذه السيرة الناشئة من المظاهر القبلية والطائفية والحزبية.

فإذن الشارع إنما هو موافق للسيرة العقلائية في الفرض الاول.

هكذا ذكر في هذه المناقشة.

ولكن هذه المناقشة غير صحيحة فإن محل الكلام إنما هو سيرة العقلاء واما تلك المظاهر فليست من السيرة العقلائية بل هي مردودة عند العقلاء وغير مقبولة ومحل الكلام في السيرة العقلائية من حيث ان الشارع من افراد العقلاء وفي طليعتهم موافق لسيرتهم ولبنائهم ولمواقفهم في الخارج الاجتماعية والفردية والمادية والمعنوية ولا يمكن فرض الخلاف لاستلزامه الخلف، ولكن من حيث كونه شارعا لا ندري انه مخالف للعقلاء في سيرتهم ومواقفهم الخارجية او موافق لهم ولكن لا أثر لهذا الشك ولهذا التردد، هكذا ذكره(قده).

والصحيح في الجواب عن ذلك ان فيما ذكره المحقق الاصفهاني(قده) احتمالين:

الاحتمال الاول: ان موافقة الشارع لسيرة العقلاء بما انه من افرادهم وفي طليعتهم امضاء لسيرتهم ومواقفهم الخارجية والشك انما هو في الردع عنها، فالشارع من حيث كونه شارعا يشك في انه قام بالردع عنها او لم يقم، ومن الواضح انه لا أثر لهذا الشك، لأننا نعلم ان السيرة ممضاة باعتبار ان الشارع بما انه من افراد العقلاء موافق لهم وهذه الموافقة امضاء للسيرة، ومن حيث كونه شارعا نشك انه قام بالردع عنها ولا اثر لهذا الشك.

إن أراد ذلك.

فيرد عليه:

أن موافقة الشارع بما انه من افراد العقلاء وفي طليعتهم ليست امضاءً لسيرتهم بل هي سيرة العقلاء وليست ممضاة من قبل الشرع فإن موافقة الشارع ليست من حيث كونه شارعا بل موافقته من حيث كونه من افراد العقلاء وفي طليعتهم، فإذن هذه السيرة سيرة العقلاء وحجة عند العقلاء وليست بحجة عند الشارع لأنها ليست ممضاة من قبل الشارع.

فاحتمال ان موافقة الشارع لسيرة العقلاء بما هو من افرادهم وفي طليعتهم امضاء لهذ السيرة غير صحيح، بل لا يمكن الالتزام بذلك.

وإن أراد(قده) أنا نشك في امضاء هذه السيرة من حيث كونه شارعا فإن الشارع من حيث كونه عاقلا من افراد العقلاء وليس هذا امضاء للسيرة ومن حيث كونه شارعا نشك في الامضاء أي انه امضى هذه السيرة او لم يمضها، وما ذكره(قده) من انه لا اثر لهذا الشك غير صحيح، فإن مرد هذا الشك الى الشك في حجية السيرة فإن امضاها فهي حجة وإن لم يقم بإمضائها فهي ليست بحجة، فيرجع الشك الى حجية السيرة وقد تقدم ان الشك في الحجية مساوق للقطع بعدم ترتيب آثار الحجية عليها فكيف لا أثر لهذا الشك؟ فما ذكره لا يمكن المساعدة عليه، فإن هذا الشك إن كان في الردع فلا أثر له الا انه غير صحيح فإن موافقة الشارع لسيرة العقلاء بما انه من افرادهم ليس امضاءً لها، وأما موافقة الشارع من حيث كونه شارعا فهي مشكوكة، فالشك يكون في امضاء هذه السيرة والشك في الامضاء شك في حجيتها والشك في الحجية مساوق للقطع بعدم ترتيب اثارها عليها.

فالنتيجة ان ما ذكره المحقق الاصفهاني(قده) في هذه المسألة لا يمكن اتمامه على كلا الاحتمالين.

هذا تمام كلامنا في هذه الجهة.

وأما الجهة الثالثة.

فيقع الكلام تارة في مفاد السيرة ومدلولها سعة وضيقا وأخرى في مفاد الامضاء سعة وضيقا.

أما الكلام في الاول فلا شبهة في ان مدلول السيرة في المسائل الفقهية مجمل لأن السيرة دليل لبي ولا إطلاق لها كي يتمسك بإطلاقها لإثبات سعة مدلولها، فالسيرة دليل لبي وعمل والعمل مجمل ولا بد من الأخذ بالقدر المتيقن منه غاية الامر أن منشأ العمل بالسيرة هو النكتة الموجودة في متعلقها كما ان سيرة المتشرعة مبنية على نكتة غاية الامر ان النكتة في سيرة المتشرعة تعبدية واما النكتة في سيرة العقلاء فهي ارتكازية ولكن مع هذا تكون مجملة.

فإذا كانت السيرة في المسائل الاصولية كالسيرة الجارية على العمل بأخبار الثقة او على العمل بظواهر الالفاظ فهذه السيرة مجملة ولا يمكن الاستدلال بها على حجية كل أخبار الثقة وإن كان كثير السهو، فإذا شككنا في ان أخبار الثقة كثير السهو مشمولة لهذه السيرة او لا تكون مشمولة فلا يمكن التمسك بهذه السيرة، إذ لا إطلاق لها كي يتمسك به لإثبات حجية خبر الثقة كثير السهو، فالقدر المتيقن من هذه السيرة هو حجية خبر الثقة الذي لا يكون كثير السهو او كثير الخطأ او ما شاكل ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo