< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/11/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: السيرة العقلائية

إلى هنا قد تبين أن للسيرة العقلائية أسباب عدة:

السبب الأول: المرتكزات الذهنية الحاصلة بالتدريج من ممارسة الاعمال والاستمرار بها كالتقاليد والعادات الحاصلة لجماعة ولهذا هذه التقاليد والعادات الحاصلة من المرتكزات بالتدريج تختلف من طائفة الى طائفة أخرة ومن بلد الى بلد آخر فالتقاليد والعادات الموجودة عند العشائر العراقية تختلف عن العادات والتقاليد الموجودة عند سائر الدول العربية اسلامية او غيرها.

السبب الثاني: الخصوصية الكامنة فيما جرت عليه سيرة العقلاء وبنى عليه العقلاء كظواهر الالفاظ وأخبار الثقة فإن الخصوصية الموجودة في أخبار الثقة هي السبب والمنشأ لسيرة العقلاء وجريان العمل بها والخصوصية الكامنة في ظواهر الالفاظ هي السبب والمنشأ لسيرة العقلاء على العمل بظواهر الالفاظ دون ظواهر الافعال وذكرنا أن هذه النكتة وهذه الخصوصية عبارة عن أقربية ظواهر الالفاظ الى الواقع وأقوائية كشفها عن الواقع نوعا من ظواهر الافعال وكذلك الحال في أخبار الثقة فإن قوة كشفها نوعا عن الواقع واقربيتها اليه نوعا من أخبار غير الثقة، فهذه النكتة هي السبب والمنشأ على العمل بأخبار الثقة دون غيرها وعلى العمل بظواهر الالفاظ دون ظواهر غيرها.

السبب الثالث: المناسبات الحكم والموضوع الارتكازية، فإن لهذه المناسبات دورا اساسيا في تكوين ظهورات الالفاظ وتحديده سعة وضيقا لأنها بمثابة القرينة المتصلة اللبية المانعة عن انعقاد ظهور الالفاظ على خلافها والموجبة لانعقاد ظهورها على وفاقها ومن هذا القبيل المناسبات الارتكازية الموجودة في أذهان الناس في الاسواق المالية المتبادلة فإن المرتكز في أذهان المتعاملين في حال المبادلة والمعاوضة هو التساوي بين العوضين في المالية وعدم التفاوت بينهما بتفاوت غير مقبول لدى العرف والعقلاء وأما التفاوت الزهيد الذي هو مقبول لدى العرف والعقلاء فلا اثر له وهذا الارتكاز موجود في جميع الاسواق المالية التي تتبادل فيها الاموال فإن المتعامل إنما يرفع اليد عن خصوصية ماله لا عن مالية ماله فالبائع يرفع اليد عن خصوصية المبيع لا عن مالية المبيع فماليته لا بد ان تكون محفوظة في الثمن والمشتري إنما يرفع اليد عن خصوصية الثمن لا عن اصل ماله وماليته لا بد ان تكون محفوظة وهذا أمر ارتكازي في جميع الاسواق في المبادلات المالية.

ومن هنا يشترط كل من المتعاملين على الآخر أن لا يكون مغبونا في هذه المعاملة شرطا ضمنيا وأن لا يكون العوض ناقصا ومعيبا فشرط الغبن وشرط العيب شرط ضمني عقلائي وليس بشرعي وإذا تخلف هذا الشرط ثبت الخيار خيار الغبن وخيار العيب غاية الامر أن الشارع أمضى ذلك.

فإذن السيرة العقلائية قد تكون اسبابها ومناشئها المناسبات الارتكازية الموجودة في اعماق النفوس كما في الاسواق المالية المتبادلة بين الناس.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه ليس محل الكلام في السيرة العقلائية الناشئة من المرتكزات التي تختلف من مجتمع الى مجتمع آخر فإن هذه السيرة ناشئة من التقاليد والعادات المرتكزة في الاذهان لأنها تحدد موقف المجتمع العملي في الخارج سعة وضيقا وسلبا وإيجابا فإن كان موقفه مطابقا للشرع فلا اشكال فيه وإن كان مخالفا للشرع فهو مردود شرعا.

نعم قد لا يكون مخالفا للشرع ايضا كما في الامور المباحة فإذا لم يكن مخالفا للشرع فالشرع لا يتعرض له لا سلبا ولا ايجابا فالإمضاء لا معنى له في هذه السيرة فإن هذه السيرة إن كانت مطابقة للشرع فهي عمل شرعي وليس بحاجة الى الامضاء وإن لم تكن مطابقة للشرع فهي مردودة فلا اثر لها وكذلك الحال في السيرة العقلائية التي تنقح موضوع الحكم الشرعي كظهور الالفاظ وكالشرط الضمني فإن الشرط الضمني نتيجة السيرة العقلائية فإن الظهور موضوع للحجية الشرعية فالسيرة العرفية والعقلائية إذا اثبتت ظهور اللفظ في مدلوله فهي حجة وتكون هذه السيرة حجة بوجودها المحمولي وبمفاد كان التامة فلا تحتاج حجيتها الى إمضاء من الشارع بنص خارجي او بعمل خارجي او بتقرير فإن ثبوتها بمفاد كان التامة وبوجودها المحمولي حجة فإن ثبتت السيرة وتنقح موضوع الحكم كظهور اللفظ الذي هو موضوع لحجية الظهور وكالشرط الضمني الموضوع لثبوت الخيار فإن الكبرى ثابتة لدى الشارع وهي جية الظواهر والسيرة العقلائية تثبت الصغرى وهي الظهور فإذا اثبت الصغرى تنطبق عليها الكبرى وتحصل النتيجة فثبوت الصغرى منوط بثبوت السيرة وهذه السيرة حجة بوجودها المحمولي وبمفاد كان التامة لا بالوجود النعتي أي بالإمضاء من الخارج.

وكذلك هذه السيرة تثبت الصغرى وهي الشرط الضمني واما الكبرى فهي ثابتة شرعا وهي ثبوت الخيار عند تخلف الشرط.

فإذن هذه السيرة حجيتها لا تتوقف على الامضاء من الخارج كالنص الخارجي او العمل الخارجي او التقرير.

وأما السيرة العقلائية التي تتوقف حجيتها على الامضاء وهي السيرة على العمل بأخبار الثقة والعمل بظواهر الالفاظ دون ظواهر الافعال فهذه السيرة بحاجة الى الامضاء إذ لو لم تكن ممضاة من قبل الشارع فلا قيمة لها ولا اثر لها فهذه السيرة إنما تكون لها قيمة إذا ثبت امضاء الشارع لها.

فإذن حجية هذه السيرة منوطة بتوفر عنصرين:

العنصر الأول: أن تكون هذه السيرة معاصرة لزمن التشريع بأن تكون موجودة في زمن التشريع.

العنصر الثاني: إمضاء هذه السيرة من قبل الشارع وعدم صدور ردع عنها من قبل الشارع ويكفي في عدم الردع سكوت المولى فإذا سكت المولى عن هذه السيرة الجارية عند الناس بمرأى ومسمع من قبل الشرع فهو كاشف عن الامضاء إذ لو كانت مخالفة للأغراض والمصالح التشريعية فلا محالة يقوم الشارع بالردع عنها فعدم قيام الشارع بالردع عن هذه السيرة كاشف عن أنها لا تكون مخالفة للأغراض والمصالح التشريعية إذ لو كانت مخالفة للشرع لردع عنها كما هو الحال في القياس ومثله فإنه مخالف للأغراض التشريعية ومضاد للمصالح الدينية ولهذا قام الشارع بالردع عنه والتأكيد على الردع عنه وعليه فعدم الردع كاشف عن الامضاء والمفروض ان السيرة الجارية من العقلاء على العمل بأخبار الثقة تتوفر على كلا العنصرين، لأنها معاصرة لزمن التشريع بل هي ثابتة قبل الشرع والشريعة فلو كانت مخالفة للإغراض التشريعية فلا محالة يقوم الشارع بالردع عنها والتأكيد على الردع مع أنه في طول هذه الفترة من زمن النبي الأكرم(صلى الله عليه وأله) الى زمان إمام العصر(ع) لم يصدر أي ردع عن هذه السيرة فالسكوت في هذه الفترة الطويلة من الأزمنة كاشف جزما عن امضاء هذه السيرة.

فإذن لا شبهة في أن السيرة العملية الجارية على العمل بأخبار الثقة وظواهر الالفاظ حجة لأنها ممضاة من قبل الشارع.

بقي الكلام في السيرة العقلائية المستحدثة بعد زمن المعصومين(ع) هل يمكن لنا إثبات حجيتها أولا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo