< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/11/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاصل عند الشك في حجية الظن

تحصل مما ذكرنا أن تحصيل الحاصل في نفسه مستحيل ذاتا كاجتماع النقيضين فإن معنى تحصيل الحاصل هو أنه لا يمكن إيجاد الوجود مرة ثانية، فإن كل موجود يأبى عن وجود آخر ويستحيل إيجاده مرة ثانية، وتحصيل الحاصل منوط بأن يكون الموضوع للأثر واحدا، فإذا كان الموضوع واحدا فالأثر ايضا واحد ومع تحقق هذا الأثر فإثباته مرة ثانية يكون تحصيل للحاصل وهو مستحيل وأما إذا كان الموضوع متعددا فبطبيعة الحال يكون الأثر متعددا فإن حرمة الاسناد والاستناد كما تترتب على الشك في الحجية وعدم العلم بها الجامع بينه وبين ا لعلم بعدم الحجية كذلك تترتب على عدم حجية الامارة واقعا فالموضوع على الأول أمر وجداني وهو الشك وعدم العلم وهو أمر وجداني ثابت في وجدان كل فرد والموضوع في الثاني امر واقعي وهو عدم حجية الأمارة واقعا فالأثر مترتب على كلا الموضوعين، فالأثر ثابت وجدانا على الموضوع الأول الذي هو أمر وجداني فإن حرمة الاسناد والاستناد مترتب على الشك في الحجية وجدانا وعلى عدم العلم بها واما الموضوع الثاني فإثباته منوط باستصحاب عدم حجية الأمارة فإنه يثبت عدم حجية الأمارة واقعا بالتعبد لا بالوجدان فإذا أثبت عدم حجية الأمارة واقعا بالتعبد ترتب عليه اثره وهو حرمة اسناد مؤداها الى الشارع وحرمة الاستناد اليها في مقام العمل وهذا ليس من تحصيل الحاصل وهو ليس من تحصيل الحاصل كما ذكره المحقق النائيني (قده) بل غايته انه تكرار ولغو وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل وقوعا لا ذاتا وإلا فهو في نفسه أمر ممكن ولا مانع من صدوره بينما يستحيل تحصيل الحاصل كاجتماع النقيضين وما شاكلهما، فإذا كان الموضوع متعددا فالأثر بطبيعة الحال متعدد وإن كان الأثران من سنخ واحد غاية الأمر إذا ثبت هذا الأثر لأحد الموضوعين فإثباته للموضوع الآخر تكرار ولغو لا أنه مستحيل.

ثم بعد ذلك ذكرنا أن الكلام يقع في عدة نقاط، وقد تقدم الكلام في النقطة الأولى.

وأما النقطة الثانية: فقد ذكر جماعة من المحققين منهم شيخنا الانصاري[1] والمحقق النائيني[2] والمحق الاصفهاني[3] والسيد الاستاذ[4] (قدهم) ذكروا ان الاثر وهو حرمة الاسناد والاستناد كما يترتب على عدم حجيتها واقعا كذلك يترتب على الشك في حجية الأمارة.

ولكن يمكن المناقشة في ذلك فإن استفادة ذلك من أدلة حرمة اسناد مؤدى الأمارة الى الشارع وحرمة الاستناد اليه في مقام العمل مشكل، فإن الدليل على حرمة الاسناد والاستناد إن كان الاستصحاب فهو يثبت عدم حجية الأمارة واقعا بالتعبد فيكون الاثر مترتب على عدم الحجية الثابت بالاستصحاب لا انه مترتب على الشك في الحجية، وإن كان الدليل أصالة البراءة العقلية فبطبيعة الحال يكون الاثر مترتب على عدم البيان لا على الشك وإن كان الدليل أصالة البراءة الشرعية فبطبيعة الحال يكون الاثر مترتب على هذه الاصالة أي على البراءة الشرعية لا على الشك وإن كان الدليل على حرمة الاسناد والاستناد الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن فقد ذكرنا أن مفادها الارشاد الى عدم حجية الظن في عرض الادلة الدالة على حجيته افإذن هذا الاثر مترتب على عدم حجية الظن أعم من الحجية الواقعية والحجية الظاهرية ولا يكون مترتبا على الشك، وإن كان الدليل على أصالة عدم حجية الظن وحرمة اسناد مؤداه الى الشارع وحرمة الاستناد اليه في مقام العمل الآية المباركة ﴿ آلله أذن لكم أم على الله تفترون [5] فمفادها حرمة التشريع التي هي حرمة مولوية وموضوعها عدم الإذن اعم من الإذن الواقعي او الظاهري فحرمة الاسناد والاستناد مترتب على عدم الاذن لا على الشك.

وإن كان الدليل الروايات التي تنص على ان أدخال ما لا يعلم انه من الدين في الدين تشريع ومحرم فهذا الاثر مترتب على عدم العلم بالحجية الجامع بينه وبين العلم بعدم الحجية لا على الشك بما هو شك خاصة.

فالنتيجة أن ما ذكره هؤلاء الجماعة من المحققين لا يمكن المساعدة عليه.

النقطة الثالثة: أن ما ذكره السيد الاستاذ(قده) من ان الروايات التي تنص على حرمة العمل بالقياس ما فائدتها؟ فإن هذه الروايات بعد استقلال العقل بحرمة العمل بالقياس وقبحه فما فائدتها الا كونها إرشادا فقط أي الارشاد الى ما استقل به العقل وهو عدم جواز العمل بالقياس وقبحه.

هذا الذي أفاده السيد الاستاذ(قده) لا يمكن المساعدة عليه، لأن العقل لا يحكم بحرمة العمل بالقياس بل يحكم بجواز العمل بالقياس لأن القياس أمر موافق للارتكاز في نفس الانسان وليس مخالفا له فهو ليس كالظلم والكذب وإيذاء الناس والتصرف في مال الغير بدون أذنه فلولا الروايات التي تنص على حرمة العمل بالقياس لم يحكم العقل بحرمته وقبحه بل يحكم بجوازه ولكن الروايات شددت على النهي عن العمل بالقياس حتى قالت (السنة إذا قيست محق الدين)[6] فمفاد هذ الروايات نهي مولوي وليس إرشاديا لأن العقل لا يحكم بحرمة العمل بالقياس حتى يكون مفادها إرشادا الى حكم العقل بل مفادها حكم مولوي وهو حرمة العمل بالقياس وفيه مفاسد ملزمة.

هذا تمام كلامنا في مقتضى الأصل الأولي.

وقد تبين ان مقتضى الاصل الأولي عدم حجية الأمارة المشكوكة والدليل عليه أحد الوجوه المتقدمة.

وبعد ذلك يقع الكلام في عدة مقامات:

المقام الأول: في حجية الظواهر

لا شبهة في حجية ظواهر الألفاظ ولا خلاف بين الأصوليين في كبرى حجية الظواهر والخلاف إنما هو في بعض صغريات المسألة كما سوف يأتي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ما هو الدليل على حجية هذه الظواهر؟

والجواب أن الدليل على حجية ظواهر الالفاظ السيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بها الممضاة من قبل الشارع فهذه السيرة القطعية على العمل بالظواهر جارية على العمل بها قبل الشرع والشريعة وكانت جارية في زمن النبي الأكرم(صلى الله عليه وأله وسلم) والأئمة الأطهار(عليهم السلام) ولم يرد أي ردع عن هذه السيرة فلو كانت على خلاف الأغراض والمقاصد والمصالح الشرعية لصدر الردع عن النبي الأكرم(ص) فعدم صدور الردع كاشف عن الإمضاء هذا بالإضافة الى امكان استكشاف صدور الامضاء من بعض الآيات والروايات وسوف يأتي الكلام فيها، فيقع الكلام فيها في عدة أمور:

الأمر الأول: النظر الى هذه السيرة والتكلم فيها من عدة جهات:

الجهة الأولى: في أقسام السيرة وانواعها ومنشائها.

الجهة الثانية: في الدليل على هذه السيرة وإمضائها من قبل الشارع.

الجهة الثالثة: في حدود هذه السيرة سعة وضيقا.

أما الجهة الأولى فمنشأ سيرة العقلاء الجارية على العمل بشيء قد يكون المرتكزات الذهنية، فإن المرتكزات الذهنية الثابتة في اعماق نفس الانسان هي المنشأ للسيرة الجارية على العمل بشيء وهذه المرتكزات ناشئة من المزاولة والاستمرار على العمل بشيء فإنه يوجب حصول الارتكاز الذهني واستقراره في النفس وهذا الارتكاز هو الذي يحدد مواقف الانسان في الخارج من حيث سلوكياته وتحركاته كالجبلة والفطرة الذاتية للإنسان فإن الفطرة والجبلة الذاتية للإنسان تحدد مواقف الانسان في الخارج من حيث سلوكياته وتعاملاته مع الآخرين كالعادات والتقاليد الموجودة بين مجتمعات الانسان التي تختلف باختلاف المجتمعات والبلدان فهذه المرتكزات الذهنية هي المنشأ للسيرة العقلائية الجارية على العمل بشيء.

الجهة الثانية: الخصوصية الكاملة في نفس ما تقوم عليه السيرة ، فإن سيرة العقلاء إذا جرت على العمل بشيء لا يمكن ان تكون جزافا لاستحالة ان يعمل الانسان بشيء جزافا ولغوا فلا محالة عمل الانسان العاقل بشيء لا بد ان يكون من وراءه غرض ونكتة تبرر عمله ولا يمكن ان يكون عمله تعبديا وجزافا لأن التعبد إنما هو في الاحكام الصادرة من الموالي بالنسبة الى عبيدهم علموا اسرار هذه الاحكام ومصالحها ومفاسدها أم لم يعلموا لأن وظيفتهم العمل بها، وأما العقلاء فليسوا كذلك لأنهم لا يعملون بشيء بدون ان يعلموا مصالحه او مفاسده فلا يمكن ان يعمل بشيء جزافا والا فهو ليس فعل عاقل.

وبما أن العقلاء يعملون بظواهر الالفاظ دون ظواهر الاعمال ويعملون بأخبار الثقة ولا يعملون بأخبار غير الثقة فما نكتة ذلك؟ وهنا يقال أن ظواهر الالفاظ أقرب الى الواقع نوعا من ظواهر الافعال وأخبار الثقة أقرب نوعا الى الواقع من أخبار غير الثقة، هذه النكتة هي التي تبرر جريان العمل بظواهر الالفاظ دون ظواهر الافعال وأخبار الثقة دون أخبار غير الثقة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo