< قائمة الدروس

الموضوع: الامتثال الاجمالي

الوجه الثالث: أن الامتثال الاجمالي حيث انه يوجب تكرار العبادة والتكرار لعب وعبث بأمر المولى ومن الواضح ان العبث بأمر المولى قبيح ومحرم ولا يمكن التقرب بالحرام فمن اجل ذلك لا يجوز الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي.

ويجاب عن ذلك نقضاً وحلاً.

أما نقضاً فبالواجبات التوصلية إذ لا شبهة في انه يجوز الامتثال الاجمالي في الواجبات التوصلية ولو كان التكرار عبث بأمر المولى فهو قبيح ومحرم حتى في الواجبات التوصلية ومن الواضح ان الواجب لا ينطبق على الحرام وان كان توصليا والمحبوب لا ينطبق على المبغوض والمراد لا ينطبق على المكروه ولازم ذلك عدم جواز الامتثال الاجمالي في الواجبات التوصلية ايضا وهذا مما لم يقل به أحد.

وأما حلاً فقد أجاب عن ذلك صاحب الكفاية(قد) بوجهين:

الاول: ان التكرار انما يكون لعبا وعبثا إذا لم يكن بداع عقلائي واما إذا كان بداع عقلائي فلا يكون عبثا ولغوا[1] .

وقد أورد على ذلك السيد الاستاذ(قد) أنه لا شبهة في أن صحة العبادة متوقفة على الاتيان بها بتمام أجزائها وشروطها ومنها قصد القربة والاخلاص وقصد اسمها الخاص وعنوانها المخصوص ولكن اذا استلزم التكرار وحيث انه لعب بأمر المولى وعبث به فهو محرم وقبيح فلا يمكن التقرب به.

ولكن هذا التكرار اذا كان بدع عقلائي فهو وإن لم يكن لعبا ولهوا إلا انه لم يصح لأنه تكرار للعبادة ولا بد ان يكون بداع قربي واما اذا كان بداع عقلائي فهو غير صحيح.

هكذا أورده السيد الاستاذ(قد) على صاحب الكفاية وحاصله ان الداعي العقلائي لا يجتمع مع الداعي القربي بل هو في عرضه[2] .

ولكن للمناقشة فيه مجالا.

إذا لا شبهة في ان المكلف اذا اختار الامتثال الاجمالي مع تمكنه من الامتثال التفصيلي فلا محالة يكون اختياره للامتثال الاجمالي بداع قربي لأنه في مقام الامتثال والطاعة فبطبيعة الحال اذا اختار الامتثال الاجمالي مع تمكنه من الامتثال التفصيلي فلا محالة يكون اختياره مع قصد القربة.

وأما التكرار فهو وإن قلنا أنه لعب وعبث بأمر المولى ولكن اذا كان في تحصيل العلم التفصيلي مشقة وصعوبة وبحاجة الى وقت طويل وترك هذه المشقة والصعوبة باختيار الامتثال الاجمالي لأنه أسهل منه يكون من الدواعي العقلائية، وهذا الامر العقلائي يوجب رفع اللغوية عن التكرار والعبثية عنه وهذا الامر العقلائي في طول الامر القربي لا في عرضه لأن المكلف تَرَكَ العلم التفصيلي باعتبار ان فيه مشقة ولجأ الى الامتثال الاجمالي لسهولته بداعي قربي فيكون الداع العقلائي في طول الداعي القربي لا في عرضه كما هو الحال في جميع العبادات بل الواجبات والمحرمات فأن كل مكلف اذا صلى او صام او اتى بواجب او ترك محرما فلا محال يكون الداعي الى ذلك أما الفرار من الدخول في النار أو الطمع في الجنة ولكن الفرار من النار والطمع في الجنة يدعو المكلف الى الاتيان بالصلاة بداع قربي فيكون هذا الداعي في طول الداعي القربي اي يدعو المكلف الى الاتيان بالواجبات القربية بداع قربي فلا تنافي بين الداعي العقلائي وبين الداعي القربي لأنه في طوله.

وبعبارة أخرى أن اختيار الامتثال الاجمالي تارة يفرض في المجتهد فإنه اذا علم اجمالا بان الواجب عليه في يوم الجمعة احدى الصلاتين أما صلاة الظهر او صلاة الجمعة فتعين الواجب وتحصيل العلم التفصيلي به بحاجة الى عملية الاجتهاد وهذه العملية عملية شاقة وصعبة وبحاجة الى مراجعة أقوال العلماء والنظر في الروايات سندا ودلالة وجهة وأن لا يكون لها معارض وغير ذلك فترك ذلك من الدواعي العقلائية ولكن في طول قصد القربة فإن صعوبة الاجتهاد توجب ترك الأصعب واختيار الاسهل وهو من الدواعي العقلائية التي هي في طول الدواعي القربية فلا ينافي الاتيان بصلاة الجمعة بقصد القربة والاتيان بصلاة الظهر بقصد القربة وكذلك دوران الحال في وجوب الاتيان بالصلاة تماما في مسألة ووجوبها قصرا فإن المجتهد اذا اراد تحصيل العلم بالواجب في مسألة وتمييزه عن غير الواجب فهو عمل بحاجة الى مشقة وكلفة وصعوبة وترك هذه العملية بما لها من الصعوبة في مقام الامتثال واختيار الامتثال الاجمالي الذي هو أسهل يكون أمرا عقلائيا وهو في طول قصد القربة فلا ينافي قصد القربة.

وكذلك الحال في العامي فإنه إذا علم ان الواجب عليه في يوم الجمعة أحدى الصلاتين ولكن لا يدري ان فتوى مقلده وجوب صلاة الجمعة او وجوب صلاة الظهر إذا تحصيل العلم بفتوى مقلده بحاجة الى وقت طويل ولهذا يكون رفع اليد عن ذلك واختيار الامتثال الاجمالي أمرا عقلائيا وداع عقلائي يدعو المكلف الى ترك تحصيل العلم التفصيلي بالواجب واختيار الامتثال الاجمالي بداع قربي.

فإذاً ما ذكره السيد الاستاذ(قد) من الاشكال مبني على ان يكون الداعي العقلائي في عرض الداعي القربي ولكن الامر ليس كذلك بل هو في طوله ولا يضر الداعي القربي فلا مانع من الجمع بينهما بأن يكون التكرار بداع عقلائي وهذا لا يضر بكونه بداع قربي فاختيار التكرار يكون بداع عقلائي ولكن نفس التكرار يكون بداع قربي.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقق الخرساني(قد)[3] من أنه لو سلم كون التكرار لعب بأمر المولى ولكن اللعب والعبث بأمر المولى إنما يكون حراما إذا بنى المكلف تشريعا على وجود الامر بصلاة الظهر وصلاة الجمعة مثلا فهذا محرم لأنه تشريع، واما تكرار المأمور به على الفرد المأتي به في الخارج فلا مانع منه، وفي المقام يكون التكرار في مرحلة الانطباق وفي مقام الامتثال، انطباق الصلاة المأمور بها كصلاة الجمعة على فردها المأمور به مثلا فالتكرار انما هو في مرحلة الانطباق وهو ليس عبثا بأمر المولى ولعبا به لأن المراد من العبث واللعب بأمر المولى تشريعه بأن يبني المكلف على وجود الامر المتعلق بصلاة الظهر في يوم الجمعة تشريعا وكذلك يبني على تعلق الامر بصلاة الظهر في يوم الجمعة تشريعا هذا هو المحرم واللعب والعبث لأنه لا يعلم في الواقع ان الامر تعلق بصلاة الجمعة او لا او تعلق بصلاة الظهر اولا فالبناء على ان الامر تعلق بصلاة الظهر وبصلاة الجمعة معا تشريع محرم فلا محالة يوجب بطلان العبادة، ولكن في المقام ليس الامر كذلك لأن التكرار في مرحلة الانطباق وهو لا يضر.

وما افاده(قد) لا يمكن المساعدة عليه.

فإنه إن أراد من ذلك أن اللعب بأمر المولى محرم لأنه تشريع واما في مرحلة التطبيق فلا بأس به.

فيرد عليه أنه لا شبهة في ان العبث واللعب سواء أ كان بأمر المولى تشريعا ام كان في مرحلة تطبيق المأمور به على الفرد المأتي به خارجا فهو قبيح ومحرم ففي كلا الموردين التكرار حيث انه لعب وعبث فهو محرم وقبيح ومانع عن قصد التقرب.

وإن اراد منه أن التكرار اذا كان في مرحلة التطبيق فالعبث واللعب ليس متحدا مع الواجب بل هو مقارن للواجب فالواجب ينطبق على الفرد المأتي في الخارج وهو صحيح والحرام هو المقارن مع الواجب وليس متحدا معه.

إن اراد ذلك فيرد عليه أن الامر ليس كذلك فإن عنوان العبث وعنوان اللعب منطبق على الواجب ومتحد معه فإذا أتى المكلف بصلاة الظهر وضم اليها صلاة الجمعة فهو تكرار موجب للعبث واللعب وهذا اللعب منطبق على صلاة الظهر والجمعة وكلاً من الصلاتين اذا كانت منفردة فلا ينطبق عليها عنوان العبث واللعب ولكن بانضمام أحداهما الى الاخرى ينطبق عليهما عنوان العبث واللعب فهذا العنوان متحد مع الواجب لا أنه مقارن للواجب.

هذا كله فيما ذكره المحقق الخرساني(قد) وما فيه من النقد والاشكال.

والصحيح في المقام أن يقال أن الاحتياط إن لم يكن مستلزما للتكرار فلا اشكال فيه كما في دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين فإن الاحتياط فيه هو الاتيان بالأكثر وهو لا يستلزم التكرار فلا أشكال فيه واما إذا كان الاحتياط فيه مستلزما للتكرار كما إذا علم اجمالا في يوم الجمعة بوجوب إحدى الصلاتين او إذا علم اجمالا بوجوب صلاة القصر او التمام ففي مثل ذلك يكون الاحتياط مستلزما للتكرار ولكن لا شبهة في أن هذا الاحتياط بداع قربي فإن المكلف أتى بصلاة الظهر بداع قربي وكذلك صلاة الجمعة فضم احدهما الى الاخر يستحيل ان يكون مبغوضا فإن الاحتياط والانقياد من أرقى مراتب العبودية والطاعة فالاحتياط المستلزم للتكرار إنما هو بداع قربي لأن المكلف أتى بكلتا الصلاتين الظهر والجمعة بداع قربي فكيف يكون ضم احدهما الى الاخر لعب بأمر المولى قبيح ومحرم؟ هذا غير معقول لأن ضم أحدهما الى الاخر من ضم الانقياد الى الانقياد الاخر والانقياد من احسن مراتب العبودية وأرقاها فكيف يعقل ان يكون ضم انقياد الى انقياد اخر لعب وعبث؟.

وعليه سواء أ كان هناك داع عقلائي لاختيار الامتثال الاجمالي كما اذا كان في الامتثال التفصيلي مشقة ام لم يكن هنا داع عقلائي كما اذا لم يكن في الامتثال التفصيلي صعوبة ومشقة ومع ذلك اختار المكلف الامتثال الاجمالي بأن يأتي المكلف بكل من الواجبين بداع الاحتياط والانقياد فلا يعقل ان يكون هذا التكرار لعبا وعبثا ولهوا مع ان الانقياد من أرقى مراتب العبودية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo