< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الامتثال الاجمالي
الوجه الثاني: أن الاتيان بالعبادة متقوم بقصد اسمها وعنوانها الخاص فالإتيان بصلاة الظهر لا بد من ان يكون بعنوان صلاة الظهر، فإن هذه العناوين أي عنوان صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح وغيرها من الصلوات النوافل من العناوين القصدية المقوّمة للعبادة فإذا أتى المكلف بأربع ركعات من دون أن يقصد عنوان الظهر أو عنوان العصر لم تقع لا صلاة ظهر ولا صلاة عصر ولا صلاة عشاء، فقصد العنوان الخاص والاسم المخصوص معتبر في صحة الصلاة فإذا اتى بأربع ركعات بعنوان أنها صلاة الظهر صحت صلاة الظهر وكذا لو اتى بأربع ركعات بعنوان صلاة العصر فإن صلاة الظهر والعصر والعشاء مشتركات في الكم والكيف وهذا القصد معتبر حتى في الصلاة التي لا شريك لها في الكم والكيف كصلاة المغرب فإن ليس لها شريك في الكم والكيف ومع ذلك لا بد من قصد اسمها الخاص فلو اتى بثلاث ركعات من دون قصد عنوانها لم تقع صلاة مغرب ولم تقع صحيحة .
فإذاً لا شبهة في أن قصد هذه العناوين الخاصة معتبر في صحة العبادة لأنها عناوين قصدية مقومة للعبادات فلا بد في الاتيان بها من قصد هذه العناوين.
وعليه فإذا كان الامتثال اجماليا فلا يتمكن المكلف من هذا القصد ومن هنا لا يكون الامتثال الاجمالي في عرض الامتثال التفصيلي.
والجواب عن ذلك واضح فإن الامتثال الاجمالي لا ينافي الاتيان بالعبادة باسمها الخاص وبعنوانها المخصوص فإن المكلف في يوم الجمعة لا يدري أن الواجب عليه صلاة الظهر باسمها الخاص وبعنوانها المخصوص أو الواجب عليه صلاة الجمعة بعنوانها الخاص واسمها المخصوص فله أن يأتي بكلتا الصلاتين بعنوانها الخاص واسمها المخصوص غاية الامر أنه لا يتمكن من التمييز بين الواجب وغير الواجب ولا يدري ان الواجب في الواقع هو صلاة الظهر أو الواجب هو صلاة الجمعة وكذلك الحال اذا دار الامر بين الصلاة تماما والصلاة قصرا فهو متمكن من الاتيان بالصلاتين بعنوانها الخاص واسمها المخصوص ولكنه لا يتمكن من التمييز في مرحلة الانطباق والامتثال ولا يدري ان الواجب هل هو الصلاة قصرا في الواقع او الصلاة تماما؟
هذا مضافا الى انه لا دليل على اعتبار التمييز في صحة العبادات بل الدليل على خلافه موجود.
نعم قد يستدل على اعتبار التمييز في العبادات بأمرين:
الاول: ان العقل يحكم باعتبار التمييز في مقام الامتثال والانطباق.
والجواب عن ذلك واضح فإن العقل انما يحكم بوجوب إطاعة المولى وقبح معصيته وأداء حقه وهو حق الطاعة وذلك بالإتيان بالعبادة بتمام أجزائها وشروطها ومنها قصد القربة والاخلاص وقصد اسمها الخاص وعنوانها المخصوص، واما التمييز في مقام الامتثال والانطباق فلا يحكم العقل به سواء أ كان الواجب صلاة الظهر او الواجب صلاة الجمعة فهذا لا أثر له لأنه على كلا التقديرين قد أتى بالصلاة بتمام أجزائها وشروطها.
فإذاً العقل لا يحكم باعتبار قصد التمييز في مقام الامتثال.
الثاني: دعوى الاجماع على بطلان عبادة مَن أخذ بالاحتياط وعدم مشروعيته.
والجواب أن هذه الدعوى خلاف الضرورة والوجدان فكيف يمكن الحكم بحرمة الاحتياط وقبحه مع ان العقل بالوجدان يحكم بحسن الاحتياط وحسن الانقياد ويرى ان الانقياد والاحتياط من أرقى مراتب الطاعة العبودية فكيف يمكن الحكم بقبحه وحرمته ومبغوضيته، مضافا الى ذلك عدم ثبوت الاجماع فإن الاجماع انما يكون حجة اذا كان واصلا الينا من زمن الائمة (ع) يد بيد وطبقة بعد طبقة ومن الواضح ان هذا الاجماع لم يكن كذلك فلا أثر له بل تحصيل الاجماع في هذه المسألة مشكل لأن هذه المسألة لم تكن موجودة في كلمات القدماء من الاصحاب وإنما هي مطروحة في كلمات المتأخرين ولا قيمة لإجماع المتأخرين ولا يكون حجة.
هذا إضافة الى ان منشأ دعوى الاجماع تخيّل ان قصد التمييز معتبر في صحة العبادة ولكن من الواضح انه لا دليل على اعتبار قصد التمييز في مقام الامتثال والانطباق بل الدليل على خلافه موجود حيث ان العقل حاكم بالوجدان بحسن الاحتياط والانقياد ويرى انه من ارقى مراتب العبودية والاطاعة فكيف يكون قصد التمييز معتبر في صحة العبادة.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى لو فرض الشك في اعتبار قصد التمييز في صحة العبادة وعدم اعتباره، فبناءً على ما ذكرناه من ان قصد التمييز كقصد القربة وقصد الوجه يمكن أخذه في متعلق الامر كسائر الاجزاء والشروط أي لا فرق من هذه الناحية بين القيود الاولية والقيود الثانوية فكما ان القيود الاولية مأخوذة في متعلق الامر فكذلك القيود الثانوية مأخوذة في متعلق الامر، وعلى هذا إذا شككنا في اعتبار قصد التمييز في صحة العبادة فلا مانع من التمسك بإطلاق دليل العبادة لنفي اعتباره إن كان لدليل العبادة إطلاق وأما إذا لم يكن له إطلاق فتصل النوبة الى الأصل العملي وهو في المقام أصالة البراءة ولا مانع من الرجوع اليها لنفي اعتباره في العبادة أي نفي كونه قيدا للواجب العبادي.
هذا إذا كان أخذه في متعلق الامر ممكنا كما قويناه.
واما إذا لم يمكن أخذ القيود الثانوية في متعلق الامر كما هو المشهور وانما يكون اعتبارها بحكم العقل ولا يمكن ان يكون بحكم الشرع، فقد ذكرنا أن العقل لا يمكن ان يكون شارع وجاعل بل العقل دليل وكاشف عن ان هذه القيود دخيلة في الملاك وإن لم تكن دخيلة في الواجب إن لم تكن قيدا للواجب ولكنها دخيلة في ترتب الملاك على الواجب، والكاشف قد يكون العقل وقد يكون الشرع، وحينئذ لا يمكن التمسك بالإطلاق لنفي اعتبار قصد التمييز في صحة العبادة فإن التقابل بين الاطلاق والتقييد في مقام الاثبات من تقابل العدم والملكة فإذا استحال التقييد في مورد استحال الاطلاق فيه ايضا، نعم الاطلاق والتقييد في مقام الثبوت التقابل بينهما تقابل الايجاب والسلب بناءً على ما ذكرناه أو تقابل التضاد بناءً على ما ذكره السيد والاستاذ (قد) او تقابل العدم والملكة كما ذكره المحقق النائيني(قد) وعليه اذا شككنا في اعتبار قصد التمييز وعدم اعتباره في مقام الاثبات فلا يمكن التمسك بالإطلاق لأن الطلاق في مقام الاثبات عبارة عن كون الحكم مجعولا على الطبيعي وكون المتكلم في مقام البيان وعدم نصب قرينة على التقييد فإذا تمت هذه المقدمات انعقد الاطلاق وأما اذا لم يتمكن المتكلم من التقييد في مقام الاثبات لوجود مانع كالتقية او نحوها لم ينعقد الاطلاق لاحتمال ان يكون مراد المتكلم في الواقع مقيدا ولكن لا يتمكن من التقييد ومن هنا اذا شككنا في اعتبار قصد التمييز وعدم اعتباره وحث ان المتكلم لا يتمكن من تقييد المأمور به وتقييد الواجب به فلا ينعقد الاطلاق فمن أجل ذلك لا يمكن التمسك بالإطلاق لعدم انعقاد الاطلاق وبطبيعة الحال تصل النوبة الى الاصول العملية والمعروف والمشهور بين الاصوليين ان أصالة البراءة لا تجري في المقام والوجه في ذلك أن موضوع أصالة البراءة هو الحكم المشكوك لأن المراد من الموصول في رفع ما لا يعلمون الحكم المجهول والمشكوك والذي لا يعلم المكلف به واما في المقام قصد التمييز دخيل في ملاك الواجب لا في وجوبه إذ ليس مأخوذا في متعلق الوجوب ولا يمكن أخذه في متعلق الوجوب لأنه دخيل في الملاك لا في وجوب الواجب فلا يكون مشمولا لدليل أصالة البراءة فإن دليل أصالة البراءة لا ينفي دخله في الملاك فلا يمكن التمسك بأصالة البراءة.
ولكن ذكرنا في محله أنه لا مانع من التمسك بأصالة البراءة فإن موضوع دليل أصالة البراءة وإن كان الحكم الا ان حقيقة الحكم وروحه هو الملاك والحكم بما هو اعتبار فلا قيمة له فالشك في الحكم لا ينفك عن الشك في الملاك فتجري أصالة البراءة عن الحكم بما له من ملاك، وعلى هذا فلا مانع من التمسك بأصالة البراءة لنفي دخل قصد التمييز في الملاك وتفصيل الكلام في مبحث البراءة بعونه تعالى وتقدس.
واما اذا قلنا بعدم جريان اصالة البراءة الشرعية فلا مانع من التمسك بأصالة البراءة العقلية باعتبار ان موضوعها عدم البيان وليس موضوعها الحكم الفعلي المشكوك.
الوجه الثالث: ان الاحتياط بما انه يستلزم التكرار في العبادة والتكرار لعب بأمر المولى ولهو ومن الواضح ان اللعب بأمر المولى قبيح وحرام واذا كان حراما فلا يمكن التقرب به فمن اجل ذلك لا يمكن الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي.
والجواب عن ذلك نقضاً وحلاً.
أما نقضاً فلازم ذلك انه لا يمكن الاحتياط في الواجبات التوصلية ايضا لأن في الواجبات التوصلية ايضا التكرار لعب بأمر المولى وهو قبيح وحرام ويستحيل ان يكون الحرام مصداقا للواجب فإن الواجب لا ينطبق على الحرام والمحبوب لا ينطبق على المبغوض والمراد لا ينطبق على المكروه مع انه لا شبهة ولا إشكال في صحة الاحتياط في الواجبات التوصلية.
واما حلاً فقد أجاب عن ذلك المحقق الخراساني[1] تارة بأن التكرار إنما يكون لغوا إذا لم يكن بداع عقلائي وأما اذا كان بداع عقلائي فلا مانع منه ولا يكون لغوا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo