< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الامتثال الاجمالي
إلى هنا قد تبين أن دوران الامر إذا كان بين التعيين والتخيير فالمرجع هو التخيير وأصالة البراءة عن التعيين لأن فيه كلفة زائدة مدفوعة بأصالة البراءة دون التخيير هذا إذا كان دوران الامر بين التعيين والتخيير شرعيا وأما إذا كان دوران الامر بينهما عقليا فهل يمكن التمسك بأصالة البراءة فيه؟ كما في القيود الثانوية كقصد القربة في الصلاة وقصد التمييز وقصد الوجه وما شاكل ذلك التي هي من القيود الثانوية بناءً على أن اعتبارها بحكم العقل لا بحكم الشرع وأنه لا يمكن أن تؤخذ في متعلق الامر شرعا ولهذا يكون اعتبارها عقليا فإذا دار الامر بين التعيين والتخيير في مثل هذه القيود الثانوية التي يكون اعتبارها عقليا فهل يمكن التمسك بأصالة البراءة أو لا يمكن؟
قد ذكر السيد الاستاذ أنه لا يمكن التمسك بأصالة البراءة فيما إذا كان الشك في اعتبار هذه القيود عقلا فإذا كان دوران الامر في هذه القيود بين التخيير والتعيين عقلا فلا يمكن التمسك بأصالة البراءة لأن أدلة أصالة البراءة ناظرة الى ما هو معتبر شرعا وما هو بيد الشارع وضعا ورفعا فإذا كان القيد بيد الشارع وضعا ورفعا فعند الشك فيه يمكن التمسك بأصالة البراءة فإن مفادها الرفع الشرعي ظاهرا وهذا إنما ينطبق في القيود التي يكون وضعها ورفعها بيد الشارع وأما القيود التي لا يكون وضعها ورفعها بيد الشارع وانما تكون بيد العقل فلا يمكن التمسك بأصالة البراءة ولا تكون أدلة البراءة ناظرة الى هذه القيود لأن هذه القيود اعتبارها بيد العقل فإذا لم يمكن التمسك بأصالة البراءة في موارد الشك في هذه القيود فالمرجع لا محالة هو أصالة الاشتغال فلا بد من التفصيل بين ما إذا كان دوران الامر بين التعيين والتخيير شرعا أي في القيود الشرعية فالمرجع هو اصالة التخيير وأصالة البراءة عن التعيين دون أصالة الاشتغال وأما إذا كان دوران الامر بين التعيين والتخيير عقلا فالمرجع هو قاعدة الاشتغال لأن اصالة البراءة لا تجري في القيود التي يكون اعتبارها بيد العقل لا بيد الشرع وإذا لم تجر أصالة البراءة التي هي من القيود المؤمنة فلا محالة يكون المرجع هو قاعدة الاشتغال.
هكذا ذكره السيد الاستاذ(قد)[1].
ولنا تعليق على هذا التفصيل بين دوران الامر بين التعيين والتخيير شرعا وبين دوران الامر بين التعيين والتخيير عقلا، وحاصله:
إن شروط الوجوب وقيوده شروط للحكم في مرحلة الجعل وللملاك في مرحلة المبادي كالبلوغ والعقل والاستطاعة ودخول الوقت وما شاكل ذلك فإنها قيود للحكم في مرحلة الجعل إذا الشارع جعل وجوب الصلاة على البالغ العاقل الداخل عليه الوقت وجعل وجوب الحج على البالغ العاقل المستطيع، فهذه الشروط شروط للحكم في مرحلة الجعل ولاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادي فإن الاستطاعة كما أن لها دخل في وجوب الحج كذلك لها دخل في اتصاف الحج بالملاك وكذلك البلوغ كما أن له دخلا في وجوب الصلاة كذلك له دخلا في اتصاف الصلاة بالملاك وهكذا البواقي، ولكن ليس كلامنا في هذه الشروط ومحل الكلام في المقام إنما هو في قيود الواجب لا قيود الوجوب كطهارة البدن واللباس والطهارة من الحدث الاكبر والاصغر والستر والقيام والاستقبال وما شاكل ذلك التي هي قيود للواجب أعني الصلاة، وهذه القيود على قسمين قيود للصلاة بعنوانها الاولي مباشرة كالأشياء التي ذكرناها كطهارة البدن والثوب والستر في الصلاة وغيرها التي هي من قيود الواجب مباشرة، وقيود ثانوية بعد تعلق الامر كقصد القربة وقصد الوجه وقصد التمييز وما شاكل ذلك.
أما القيود الاولية فلا شبهة في اعتبارها شرعا فإن الشارع اعتبر هذه القيود في الصلاة فإن لها دخل في ترتب الصلاة خارجا فإذا أتى بالصلاة بدون طهارة الثوب لا يترتب علها ملاك أو اذا أتى بالصلاة بدون استقبال القبلة لا يترتب عليها ملاك وبذلك يحكم بفساد الصلاة فإن المقوّم لصحة كل واجب ترتب الملاك عليه وقيود الصلاة الاولية دخيلة في ترتب الملاك على الصلاة ومع فقد واحد منها لا يترتب الملاك عليها ولهذا يحكم بفسادها وهذه القيود معتبرة وثابتة بالأدلة الشرعية وليست هي قيود للوجوب إذ الوجوب فعلي بعد دخول الوقت وإن كان المكلف غير متطهر من الحدث الاكبر او الاصغر او ثوبه نجس او بدنه ولكن الوجوب فعلي ومتوجه اليه فعلا ولهذا يجب عليه تحصيل هذه الشروط والقيود والاتيان بها مع هذه القيود.
واما القيود الثانية التي ــــ على المشهور ــــ ان اعتبارها عقلي لا شرعي بمعنى انه لا يمكن اخذها في متعلق الامر كما في قصد القربة وقصد التمييز وقصد الوجه ولهذا يكون الحاكم بها العقل دون الشرع فإنها واجبة عقلا.
ولكن من الواضح أن ليس شأن العقل ان يكون جاعلا ومشرعا إذ يستحيل عليه ان يكون مشرعا فإن المشرع هو الله تعالى وتقدس لا غيره واما العقل فشأنه أدراك الواقع وليس شأنه جعل الحكم وتشريعه، فإذاً معنى ان اعتبار هذه القيود عقلي معناه أن العقل يدرك دخل هذه القيود في ترتب الملاك على الواجب كسائر القيود والكاشف عن ذلك هو العقل ولكن قد يكون الكاشف عن ذلك هو الشرع كما هو الغالب ومعنى ذلك ان الشارع جعل هذه القيود دخيلة في ترتب الملاك على الواجب وهو الذي كشف عنها وقد يكون الكاشف عن هذه القيود التي لها دخل في ترتب الملاك على الواجب هو العقل، وعليه فالكاشف قد يكون هو الشرع وقد يكون هو العقل، ونظير ذلك ما ذكرناه في شروط الوجوب فإنّا بنيّنا على ان القدرة شرط شرعي للوجوب والكاشف عن ذلك هو العقل لا الشرع والا فاعتبارها من قبل الشرع ولكن قد يكون الكاشف عن الحكم في مقام الثبوت هو العقل و قد يكون هو الشرع، وفي المقام ايضا كذلك فإن في المقام الكاشف عن اعتبار هذه القيود والشروط ودخلها في ترتب الملاك على الواجب هو العقل واما دخلها في ترتب الملاك يكون من قبل الشرع غاية الامر في مقام الاثبات قد يكون الكاشف هو الشرع أي الادلة الشرعية فإن الادلة الشرعية كاشفة عن ذلك لا انها جاعلة كما في العقل.
ومن هنا يظهر ان ما ذكره السيد الاستاذ(قد) من التفصيل بين ما اذا كان دوران الامر بين التعيين والتخيير شرعيا وبين ما اذا كان عقليا لا يمكن المساعدة عليه فإن دوران الامر بين التعيين والتخيير دائما شرعي ولا يمكن ان يكون عقليا فإن العقل يستحيل ان يكون مشرعا وجاعلا فإن شأنه الادراك فقط كما ان ما ذكره المحقق النائيني(قد)[2] من ان المرجع في موارد دوران الامر بين التعيين والتخيير هو التعيين أي اصالة الاشتغال دون اصالة البراءة لا يمكن المساعدة عليه فإن المرجع في دوران الامر بين التعيين والتخيير هو اصالة البراءة عن التعيين.
ومع الاغماض عن جميع ذلك وتسليم ان القيود انما يكون اعتبارها بحكم العقل، ولا يمكن التمسك بأصالة البراءة الشرعية، ولكن لا مانع من التمسك بأصالة البراءة العقلية فإن موضوع البراءة العقلية عدم البيان ومن الواضح أن بإمكان الشارع البيان على اعتبار هذه القيود فإن أخذ هذه القيود في متعلق الامر الاول لا يمكن ولكن لا مانع من أخذها في متعلق الامر الاول بالأمر الثاني او بيان اعتبارها بجملة خبرية بأن يقول المولى أن قصد القربة معتبر في الصلاة، فإذا كان البيان ممكنا فلا مانع من التمسك بأصالة البراءة العقلية فإن موضوعها عدم البيان فإذا لم يقم بيان من الشارع على اعتبار قصد القربة في الواجب مع انه بإمكانه البيان فحينئذ لا مانع من التمسك بأصالة البراءة العقلية.
هذا كله في الوجه الاول ونقده.
الوجه الثاني: أن صحة العبادات متقومة بقصد اسمها وعنوانها الخاص فاذا أتى بصلاة الظهر بعنوانها الخاص واسمها المخصوص فهي صحيحة لأن عنوانها مقوم للصلاة وأما اذا أتى بأربع ركعات بدون قصد عنوان الظهر فلا تقع صلاة الظهر فلا يكون مصداقا لصلاة الظهر ولا لصلاة العصر ولا لصلاة العشاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo