< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الامتثال الاجمالي
كان كلامنا في الامتثال الاجمالي، وذكرنا أن الكلام فيه يقع في مقامين:
المقام الاول: في الواجبات التوصلية فهل الامتثال الاجمالي فيها في طول الامتثال التفصيلي أو أنه في عرضه؟
المقام الثاني: في الواجبات العبادية فهل أن الامتثال الاجمالي فيها في طول الامتثال التفصيلي أو أنه في عرضه؟
أمّا الكلام في المقام الاول، فقد يقال كما قيل[1] أن الامتثال الاجمالي في بعض الواجبات التوصلية كالعقود والايقاعات في طول الامتثال التفصيلي، لأن المعتبر في العقود والايقاعات الجزم بالإنشاء والتردد فيه موجب للبطلان أي يعتبر في صحة العقد أن يكون العاقد جازما بالإنشاء وأما إذا كان مترددا فالعقد باطل وكذلك الحال في الايقاعات.
وعلى هذا فإذا تردد أمر العقد بين صيغتين ولا ندري أن إنشائه بهذه الصيغة صحيح أو إنشائه بصيغة أخرى هو الصحيح كما إذا فرضنا أنا لا نعلم أن إنشاء البيع بالمعاطاة صحيح أو ليس بصحيح وكذلك إنشائه بالعقد الفارسي هل هو صحيح أو ليس بصحيح؟ فالتردد بينهما يوجب التردد في الإنشاء، وإذا كان العاقد مترددا في الإنشاء فالعقد غير صحيح.
ولكن هذا الاشكال غريب جدا فإن الانشاء مدلول تصوري والمدلول التصوري هو المدلول الوضعي فالإنشاء مدلول وضعي لصيغة العقد أو لصيغة الايقاع، فإن المدلول التصوري عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ تصورا وهذا لا يتوقف على أي شيء غير الوضع فإن المكلف إذ تلفظ بالعقد بالفارسي فقد أنشاء العقد إنشاءً تصوريا أي أوجد المعنى وهو المبادلة بين العوضين تصورا وكذلك إذا كان بالمعاطاة فقد أنشاء المعنى بالمبادلة تصورا فإنشاء المبادلة إنشاء لمضمون البيع تصورا لا يتوقف على شيء وهو امر ممكن بل انشاءه وتصديقه كلاهما امر ممكن فإن العاقد إذا أحتاط في المقام وأنشاء البيع بالمعطاة تارة وبالعقد بالفارسية تارة أخرى ومن الواضح أنه أنشاء البيع بالمعاطاة تصورا وتصديقا وكذلك أنشاء البيع بالصيغة الفارسية تصورا وتصديقا والشك إنما هو في أمضاء الشارع ولا يدري أن الشارع أمضى أنشاء العقد الذي هو بالمعاطاة أو أمضى أنشاء العقد الذي هو بالصيغة الفارسية، فالعاقد يعلم أن الشارع أمضى العقد بإحداهما ولكن لا يدري أن الممضى هو العقد بالمعاطاة أو بالصيغة الفارسية، فالتردد إنما هو في أمضاء الشارع لا في الانشاء لا تصورا ولا تصديقا هذا مضافا الى أن في ابواب العقود والايقاعات دوران الامر بين المتباينين لو كان فهو قليل جدا والغالب إنما هو الشك في شروط المعاملة إذا القدر المتيقن في المعاملات موجودة، فالقدر المتيقن بالبيع الممضى شرعا بالآيات والروايات هو إنشاء البيع بالصيغة العربية والماضوية وأما إذا شككنا في أنه هل يمكن إنشائه بالصيغة الفارسية أو أن الماضوية معتبرة أولا؟ فهذا شك في اعتبار شرط زائد على المقدار المتيقن فإن لم يكن هنا دليل على اعتبار هذا الشرط فالمرجع إطلاقات الادلة كإطلاق قوله تعالى ﴿أحل الله البيع[2] ﴿وافوا بالعقود[3] وما شاكل ذلك فيتمسك بإطلاق الآية المباركة ويحكم بعدم اعتبار الشرط وان الماضوية غير معتبرة في صيغة عقد البيع وهكذا بالنسبة الى الايقاعات كالطلاق ونحوه وإن لم يكن في البين إطلاق فالمرجع هو الاستصحاب استصحاب عدم تحقق المبادلة بين المالين أي عدم انتقال الثمن من ملك المشتري الى ملك البائع وعدم انتقال المثمن من ملك البائع الى ملك المشتري وكذا في غير البيع.
هذا كله في باب العقود والايقاعات، وظهر أنه لا شبهة في أن الامتثال الاجمالي ليس في طول الامتثال التفصيلي بل هو في عرضه.
واما الكلام في المقام الثاني وهو الواجبات العبادية
ففيه قولان: ذهب جماعة الى القول الاول وهو أن الامتثال الاجمالي فيها في طول الامتثال التفصيلي وان المكلف طالما يتمكن من الامتثال التفصيلي فلا تصل النوبة الى الامتثال الاجمالي فإذا دار الامر بين الصلاة قصرا والصلاة تماما فإن كان متمكنا من تحديد أن الواجب هو الصلاة تماما أو الصلاة قصرا أما اجتهادا أو تقليدا فلا يجوز له الاحتياط وهو الامتثال الاجمالي طالما يتمكن من الامتثال التفصيلي وتشخيص الواجب عن غير الواجب يجب عليه ذلك بالاجتهاد او التقليد ولا يجوز له الامتثال الاجمالي، وقد استدلوا على ذلك بوجوه:
الوجه الاول: ما ذكره المحقق النائيني(قد) من ان عبادية العبادة متقوّمة بعنوان الحسن والقرب، فإذا كان معنونا بعنوان الحسن والقرب وحيث ان الحاكم في المقام هو العقل والعقل لا يحكم بحسن الامتثال الاجمالي طالما يتمكن المكلف من الامتثال التفصيلي فلا يكون الامتثال الاجمالي حسنا ومقربا إذا كان المكلف متمكنا من الامتثال التفصيلي[4].
ولكن هذا الوجه أيضا لا يرجع الى معنى محصل، فإنه(قد) إن اراد بعنوان الحسن والقرب الحسن الفعلي ومحبوبة العبادة بنفسها وبعنوانها الاولي واشتمالها على الملاك في مرحلة المبادي فلا شبهة في اعتبار ذلك في صحة العبادة، فإن محبوبيتها بنفسها واشتمالها على الملاك في مرحلة المبادي لا شبهة في اعتبارها في صحتها ولكن ليس ذلك بحكم العقل إذ لا طريق للعقل الى ان العبادة محبوبة لله تعالى وتقدس ومشتملة على الملاك في مرحلة المبادي، فالعقل لا يتمكن من كشف ان العبادة محبوبة بنفسها بعنوانها الاولي ومشتملة على الملاك في مرحلة المبادي والكاشف عن ذلك إنما هو الحكم الشرعي فإن الحكم الشرعي إذا تعلق بالعبادة فهو كاشف عن أن العبادة محبوبة بذاتها كما إذا تعلق الوجوب بالصلاة فإنه كاشف عن أنها محبوبة بعنوانها الاولي وبذاتها ومشتملة على الملاك في مرحلة المبادي واما مع قطع النظر عن تعلق الوجوب بالصلاة فلا طريق للعقل الى كشف ان الصلاة محبوبة لله تعالى ومشتملة على الملاك في مرحلة المبادي.
فإذاً في مثل ذلك العقل لا يحكم بالحسن والقرب حتى يقال أنه إنما يحكم بحسن الامتثال الاجمالي وقربه في طول الامتثال التفصيلي فطالما يتمكن المكلف من الامتثال التفصيلي فلا يكون الامتثال الاجمالي مقربا وحسنا فليس للعقل طريق الى ذلك.
وإن أراد(قد) من أن عنوان الحسن والقرب الحسن الفاعلي لا الحسن الفعلي.
فيرد عليه: أن الحسن الفاعلي لا ينفك عن الحسن الفعلي فإن الفعل إذا كان حسنا في نفسه ومحبوبا ومشتملا على الملاك في مرحلة المبادي فصدوره من الفاعل أيضا حسن واما إذا كان الفعل قبيحا وحراما ومبغوضا لله تعالى كان صدوره من الفاعل ايضا قبيحا وحراما فالحسن الفاعلي لا ينفك عن الحسن الفعلي كما ان القبح الفاعلي لا ينفك عن القبح الفعلي والمفروض أن في الحسن الفعلي لا فرق بين الامتثال الاجمالي والامتثال التفصيلي فكما ان الامتثال التفصيلي حسن فعلا فصدوره من المكلف ايضا حسن وكما أن الامتثال الاجمالي حسن فصدوره من المكلف ايضا حسن ولا فرق بينهما في ذلك.
وإن أراد(قد) من عنوان الحسن القرب العبودية والاطاعة.
فيرد عليه:
أولا: أن عنوان العبودية والاطاعة وإن كانت مقوّمة للعبادة فإن عبادية العبادة متقوّمة بالعبودية والاطاعة إلا انه لا فرق في ذلك بين الامتثال التفصيلي والامتثال الاجمالي فكما ان الامتثال التفصيلي مقرب وحسن فكذلك الامتثال الاجمالي بل الامتثال الاجمالي من أرقى مراتب العبودية فإن الانقياد والاحتياط أرقى مراتب العبودية فالمكلف إذا لم يدر أن الواجب صلاة الجمعة في يوم الجمعة أو صلاة الظهر في يومها فإذا أحتاط يكون هذا الاحتياط انقياد منه والانقياد من أرقى مراتب العبودية فكيف يكون الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي بل هو في عرضه.
وثانيا: ان المراد من العبودية إذا كان هو قصد القربة فأيضا لا فرق بين الامتثال الاجمالي والامتثال التفصيلي فإن حقيقة قصد القربة إضافة الفعل الى المولى فإذا أضاف الفعل الى المولى فقد أتى بقصد القربة ومن الواضح أنه يكفي في تحقق هذه الاضافة محبوبيّة الفعل للمولى فإذا كان الفعل محبوبا للمولى يصح إضافته اليه وإن لم يكن متعلقا للأمر فإن قصد القربة لا يتوقف على الامر بل يكفي فيه كون العمل محبوبا في نفسه للمولى وحينئذ يصح الاتيان به مضافا الى المولى وبذلك يتحقق قصد القربة.
وعلى هذا فلا فرق بين الامتثال الاجمالي والامتثال التفصيلي فكما ان الامتثال التفصيلي محبوب لله تعالى كذلك الامتثال الاجمالي محبوب لله تعالى وتقدس ولا فرق بينهما.
فالنتيجة أن ما ذكره المحقق النائيني(قد) من الوجه لا يتم على جميع هذه الاحتمالات، ومن هنا ذكر السيد الاستاذ(قد) وجها آخر لما ذكره المحقق النائيني(قد).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo