< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: وجوب الموافقة القطعية العملية
إلى هنا قد تبين أن العلم الاجمالي المتعلق بأحدهما أو أحدها حينما تعلق به بعنوان أنه مشير الى ما هو متعلق التكليف في الواقع، وأما عنوان أحدها او أحدهما فهو عنوان انتزاعي منتزع من قبل العقل بعد ثبوت التكليف، مثلا في الشبهات الحكمية لا شبهة في أن الشارع جعل الوجوب في يوم الجمعة لأحدى الصلاتين أما لصلاة الظهر بعنوانها الخاص وباسمها المخصوص وأما لصلاة الجمعة كذلك، ولكن المكلف لا يدري والتردد انما هو من المكلف والا في الواقع وعلم الله معلوم أن التكليف متعلق بالفرد بحده الفردي، وحيث أن المكلف لا يعلم بذلك فالعقل ينتزع مفهوما اعتباريا انتزاعيا مخترع في وعاء الذهن بالحمل الاولي للإشارة به الى واقعه الخارجي بالحمل الشائع الصناعي التصديقي بإشارة ترددية الى فردين مرددين في الخارج، وفي الواقع التكليف إنما يتعلق بالفرد إما بخصوص صلاة الجمعة أو بخصوص صلاة الظهر، ولم يتعلق التكليف بأحدهما المفهومي لأنه مفهوم في وعاء الذهن الذي هو جامع بينهما والعقل يخترع من جهة ان العلم لا يتعلق بالموجود الخارجي مباشرة وإنما تعلق بواسطة المفهوم الذهني ولهذا يخترع هذا المفهوم للإشارة به الى ما هو متعلق التكليف في الواقع وهو الفرد المردد بين هذا وذاك.
فإذاً متعلق التكليف روحا وحقيقة هو الفرد بحده الفردي وأما عنوان أحدهما فهو عنوان انتزاعي متأخر عن الحكم ومنتزع من قبل العقل من جهة أن العلم لا يمكن يتعلق بالفرد الخارجي مباشرة والا لزم استحالة خطأ العلم للواقع، فالعلم إنما يتعلق بالمفهوم المشير الى الواقع في الخارجي غاية الامر الواقع الخارجي اذا كان معينا فالعلم تفصيلي وان كان مرددا فالعلم اجمالي، فكلا العلمين متعلق بالمفهوم الذهني بعنوان أنه مرآة للخارج، فان المفهوم بذاته مرآة وبذاته إشارة الى ما في الخارج وليس للمفهوم موضوعية فالمفهوم بنفسه مشير الى الواقع.
وعلى هذا فالتكليف المتعلق بعنوان أحدهما مفهوم التكليف لا واقع التكليف، إذ واقع التكليف تعلق بالفرد بحده الفردي في الخارج، وأما التكليف المتعلق بعنوان أحدهما فهو مفهوم التكليف ومخترع من قبل العقل ومتأخر عن واقع التكليف، فالعلم تعلق بمفهوم التكليف المتعلق بمفهوم متعلقه المشير الى الواقع بإشارة ترددية الى فردين مرددين في الخارج، فالتكليف متعلق بالفرد بحده الفردي، فاذا علم اجمالا بوجوب احدى الصلاتين إما صلاة القصر او الصلاة تماما فبطبيعة الحال الوجوب تعلق بصلاة القصر بعنوانها الخاص او بصلاة التمام بعنوانها الخاص، فإن الشارع جعل الوجوب لأحدى الصلاتين في الواقع أما لصلاة التمام بعنوانها الخاص أو للصلاة قصرا بعنوانها الخاص وبحدها الفردي، ولكن العقل يخترع مفهوما من جهة ان العلم لا يمكن تعلقه بالفرد الخارجي وانما يتعلق بالمفهوم الذهني، وهو مفهوم أحدهما للإشارة الى الواقع.
وهذا في الشبهات الحكمية واضح، أن التكليف متعلق بالفرد بحده الفردي غاية الامر ان المكلف لا يعلم به، وعنوان احدهما عنوان انتزاعي ومتأخر عن تعلق التكليف وليس متعلقا للتكليف، والتكليف المتعلق بعنوان أحدهما هو مفهوم التكليف لا واقع التكليف وواقع التكليف متعلق بالفرد بحده الفردي.
وكذلك الحال في الشبهات الموضوعية، فالمكلف إذا علم بوقوع قطرة دم في أحد الاناءين إما الاناء الشرقي أو الاناء الغربي، فبطبيعة الحال النجس هو كل من الاناءين بحده الشخصي وهو متعلق النجاسة فالنجاسة موضوعها الاناء الشخصي بحده الشخصي، وحيث أن المكلف مردد ولا يعلم مع أنه في الواقع معلوم بأن هذه القطرة من الدم وقعت في أيٍ منهما؟ فالمكلف لا يعلم بالحال ولهذا ينتزع العقل مفهوم أحدهما في وعاء الذهن وهو المفهوم الاختراعي الاصطناعي الانتزاعي بالحمل الاولي للإشارة الى ما هو الواقع الخارجي بإشارة ترددية الى الفردين المرددين في الخارج.
فإذاً لا فرق في الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية أن عنوان أحدهما متأخر عن تعلق التكليف، والتكليف متعلق بالفرد بحده الفردي ولم يتعلق بالجامع بل الجامع منتزع من قبل العقل للإشارة به إلى ما هو في الواقع متعلق التكليف، والنجاسة المتعلقة بالجامع بين الاناءين وهو نجاسة أحدهما، وهو مفهوم النجاسة لا واقع النجاسة وهو منتزع من قبل العقل للإشارة به الى واقع النجاسة، أي أن واقع النجاسة مردد بين الاناء الشرقي والاناء الغربي، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى لا شبهة في أن المحرك للمكلف سواء أ كان تحريكه إلى جلب المنفعة لنفسه او لعرضه أو لماله أو لمؤمن آخر او لدفع الضرر عن نفسه أو عرضه أو عن ماله أو عن مؤمن آخر، المحرك لذلك هو العلم بالشيء بوجوده العلمي لا شبهة في ذلك، لكنه محرك بما هو مرآة إلى الواقع ومشير الى الواقع لا بما هو موضوع، فإذا رأى الانسان حيوانا وعلم بأنه أسد فلا شبهة في أنه يرى الضرر فيه ويدافع عن نفسه، ولكن هذا العلم بما هو مرآة الى الأسد الواقعي الخارجي والا فصورة الأسد في الذهن لا أثر لها ولا قيمة لها، فهذا العلم محرك للمكلف بما هو مرآة للخارج وبما هو مشير الى الخارج.
فإذاً في كل مورد الأمر كذلك في الأمور الخارجية وفي الاحكام الشرعية، العلم بالمعلوم بالذات لا أثر له والأثر إنما هو للمعلوم بالعرض في الخارج والمعلوم بالذات بما هو مرآة له ومشير إليه، وتنجز المعلوم بالذات لا اثر له وانما بما هو طريق الى المعلوم بالعرض ومشير اليه ومرآة له بينما تنجز المعلوم بالعرض له الاثر.
وعلى هذا فالعلم الاجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية لأن التكليف متعلق بالفرد بحده الفردي لا بالجامع وما هو متعلق بالجامع هو مفهوم التكليف فلا اثر له، فإذا كان التكليف متعلق بالفرد وقد أتى بأحد فرديه فلا يحصل القطع بالموافقة للتكليف، لاحتمال أن ذمته مشغولة بالفرد الآخر فاذا أتى بإحدى الصلاتين فلا يحصل له القطع بالفراغ لاحتمال ان ذمته مشغولة بالصلاة الاخرى، وكذلك اذا اجتنب عن أحد الاناءين فلا يحصل له القطع بالفراغ بالاجتناب عن النجس لاحتمال ان يكون النجس الاناء الاخر.
فمن اجل أن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، وبما أنه يعلم أن ذمته مشغولة بأحد الفردين فلا بد أن يكون العلم الاجمالي مقتض لوجوب الموافقة القطعية العملية فما ذكره السيد الاستاذ(قد) من أن التكليف بما أنه متعلق بالجامع ويكفي في الاتيان بالجامع الاتيان بأحد فرديه فإنه مصداق للجامع غير تام، ولا يمكن المساعدة عليه، فإن التكليف لم يتعلق بالجامع لأن الجامع منتزع من قبل العقل ومتأخر عن التكليف ومفهوم التكليف هو المتعلق بالجامع وهو متأخر عن واقع التكليف فلا اثر له.
هذا كله في الدعوى الأولى وهو أن العلم الاجمالي هل يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية.
وأما الدعوى الثانية فقد ذكر(قد) أن تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على تساقط الأصول المؤمنة في أطرافه بالتعارض، فان أراد(قد) من ذلك الأصول المؤمنة مطلقا أعم من العقلية والشرعية.
فيرد عليه: أن الاصول المؤمنة العقلية كقاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإنها ثابتة في الواقع فلا يتصور التعارض بين الأصول العملية العقلية، لأنها قطعية فإذا تحقق ملاكها وموضوعها فالأصل قطعي، فإن مضوع قاعدة التأمين عدم البيان وهو ملاك هذه القاعدة فإذا تحقق فهو ثابت في الواقع جزما، ولا يتصور التعارض بين الأدلة القطعية سواء أكانت عقلية أم كانت شرعية، إذا التعارض بينها خلف فرض أنها قطعية كما اذا فرضنا أن الآيات المباركات قطعية سندا فإذا كانت من حيث الدلالة أيضا قطعية فلا يعقل التعارض بين آية وآية أخرى، فما ذكره(قد) من أن تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على تعارض الاصول المؤمنة في أطرافه وتساقطها، فإن أراد ذلك الاصول العملية المؤمنة مطلقا الأعم من العقلية والشرعية فلا يمكن المساعدة عليه، لأن هذه الأصول العقلية قطعية وثابتة في الواقع فلا يعقل التعارض بينها إذ التعارض إنما يتصور في الادلة الظنية من مقام الاثبات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo