< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب الموافقة الالتزامية
ذكرنا الصحيح ان التشريع عبارة عن ادخال ما لم يعلم انه من الدين في الدين وهذا المعنى هو المستفاد من الآيات والروايات .
وعلى هذا، فعلى المشهور من ان في كل واقعة حكم شرعي اجمالا فعندئذ اذا علم المكلف بثبوت حكم واقعي في كل واقعة اجمالا فهل هذا العلم الاجمالي يكون مانعا عن جريان الاصول العملية في هذه الواقعة او لا يكون مانعا ؟
والحواب انه : لا يكون مانعا اذ لا تنافي بين الالتزام بالمعلوم بالإجمال وهو الحكم الواقعي في كل واقعة وبين جريان الاصول العملية، فان جريانها وان كان يؤدي الى نفي هذه الاحكام ظاهرا ولكن لا تنافي بين الالتزام بنفي هذه الاحكام ظاهرا وبين العلم بثبوتها اجمالا،كما سيأتي في مسألة الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي فمن اجل ذلك لا مانع منه .
الا ان هذه المقالة وهو ان في كل واقعة حكم شرعي مبنية على ان الاباحة مجعولة في الشريعة المقدسة، ولكن الظاهر انه لا أصل لذلك فان الشريعة انما جاءت لجعل الاحكام الالزامية وما يلحق بها من الاستحباب والكراهة لئلا يكون الانسان مطلق العنان واما اباحة الاشياء اصالةً وذاتا فهي ثابتة طالما لم يحكم الشارع بالوجوب او الحرمة فالحرمة والوجوب بحاجة الى دليل، واما اباحة الشيء فهي ثابتة اصالة فلا تحتاج الى دليل .
فإذاً ليس للمكلف العلم الاجمالي في كل واقعة بثبوت حكم واقعي اجمالا .
وعلى هذا، فاذا علم المكلف بثبوت حكم كما اذا علم بنجاسة احد الاناءين، فهنا حكمان شرعيان :
احدهما : الحكم الاولي وهو نجاسة احد الاناءين .
الاخر : الحكم الثاني وهو وجوب الالتزام .
والنجاسة التي هي حكم اولي مأخوذة في موضوع الحكم الثاني أي يجب على المكلف الالتزام بنجاسة احد الاناءين، فهنا حكمان مستقلان طوليان غاية الامر ان الحكم الاولي مأخوذ في موضوع الحكم الثاني، والا فكلٌ منهما حكم مستقل ولكل منهما موافقة غاية الامر للحكم الاول موافقة عملية خارجية ومخالفة عملية خارجية، واما الحكم الثاني فله موافقة التزامية نفسية ومخالفة التزامية كذلك، ويترتب على كل منهما ثواب وعقاب وكل منهام مستقل في هذه الاثار .
وعلى هذا، فتارة ننظر الى جريان الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي بالنسبة الى الحكم الاولي، فان المكلف اذا علم بنجاسة احد الاناءين الشرقي او الغربي وكانا مسبوقين بالطهارة او مسبوقين بعدم النجاسة ويشك فعلا في بقاء طهارة كل منهما او بقاء عدم نجاسة كل منهما فعندئذ هل يجري استصحاب بقاء طهارة كل منهما ؟
لا يجري هذا الاستصحاب بلحاظ الحكم الاولي، لأن جريان كلا الاستصحابين يؤدي الى الترخيص في المخالفة القطعية العملية أي الترخيص في شرب النجس لأن المعلوم بالإجمال في الحكم الاولي هو الجامع الخارجي والترخيص في ترك افراد هذا الجامع ترخيص في تركه او الترخيص في ارتكاب افراد هذا الجامع ترخيص في ارتكابه فمن اجل ذلك يكون الترخيص في ارتكاب النجاسة مستلزما للترخيص في المخالفة القطعية العملية فمن اجل ذلك لا يجري هذان الاستصحابان .
واما مع قطع النظر عن الحكم الاولي، فهل الحكم الثاني وهو تعلق وجوب الالتزام بالمعلوم بالإجمال وهو نجاسة احد الاناءين فانه يجب على المكلف الالتزام بنجاسة احد الاناءين فهل هذا الوجوب وهذا العلم الاجمالي يكون مانعا عن جريان الاستصحاب في اطرافه او لا يكون مانعا ؟
إذاً لا بدّ من التفريق بين الاصول المحرزة والاصول غير المحرزة، فان الاصول إن كانت محرزة كالاستصحاب ونحوه فان استصحاب بقاء طهارة هذا الاناء الشرقي او الغربي او استصحاب عدم نجاستهما بالنسبة الى الحكم الثاني يكون رافعا الى موضوعه ظاهرا وعندئذ يكون هذا الاستصحاب حاكما على دليل وجوب الالتزام، فينتفي وجوب الالتزام بانتفاء موضوعه فيكون الاستصحاب حاكما على دليل وجوب الالتزام .
واما اذا كانت الاصول العملية اصول غير محرزة كأصالة البراءة ونحوها فان مفاد الاصول غير المحرزة التعّذير والتأمين ورفع التنجّز لا رفع النجاسة، بل النجاسة باقية ولكن المكلف معذور في ارتكابها بواسطة الاصول العملية غير المحرزة، فعندئذ لا مانع من جريان هذه الاصول في اطراف هذا العلم الاجمالي بالنسبة الى الوجوب الثاني كما انه لا مانع من وجوب الالتزام بالنجاسة لأن النجاسة باقية على حالها فموضوع وجوب الالتزام باقي على حاله فيجب عليه الالتزام بنجاسة احد الاناءين وفي نفس الوقت هو معذور عن ارتكاب النجاسة ولا مانع من ذلك .
فإذاً الاصول العملية تجري بلحاظ الوجوب الثاني وهو وجوب الالتزام بقطع النظر عن الوجوب الاول واما بلحاظ الوجوب الاول فلا تجري الاصول العملية مطلقا لا الاصول العملية المحرزة ولا الاصول العملية غير المحرزة لاستلزامه المخالفة القطعية العملية، واما مع قطع النظر عن الحكم الاول أي بلحاظ الحكم الثاني فلا مانع من جريان الاصول العملية المحرزة والاصول العملية غير المحرزة، غاية الامر ان الاصول العملية المحرزة رافعة لموضوع وجوب الالتزام ظاهرا فتكون حاكمة على دليل وجوب الالتزام، واما الاصول العملية غير المحرزة فهي لا تكون رافعة لموضوع وجوب الالتزام لذا يبقى وجوب الالتزام بحاله مع جريان هذه الاصول، هذا هو الفرق بين الحكم الاول والحكم الثاني .
إلى هنا قد تبين ان وجوب الموافقة الالتزامية ولو كان بحكم العقل فالموضوع له المعلوم بالإجمال بوصفه العنّواني الذي لا وعاء له الا وعاء الذهن واما اذا كان وجوب الموافقة الالتزامية بحكم الشرع لا بحكم العقل فموضوعه واقع المعلوم بالإجمال ولهذا لا يمكن جريان الاصول العملية في اطرافه لأن الاصول العملية تؤدي الى الترخيص في ترك افراده والترخيص في ترك افراد الجامع ترخيص في ترك الجامع ايضا لأن الجامع على هذا خارجي لا عنوان ذهني .
هذا هو الفرق بين ان يكون وجوب الالتزام عقليا وبين ان يكون شرعيا .
هذا تمام كلامنا في وجوب الموافقة الالتزامية .
وبعد ذلك يقع الكلام في العلم الاجمالي.
وقد تقدم الكلام في مستهل هذا البحث ان حجية القطع لا يمكن انفكاكها عنه ولا يمكن للشارع منع القطع عن العمل بقطعه لأنه بنظر القاطع تهافت وتناقض وهو مما لا يمكن، وايضا ان العلم الاجمالي هل يوجب حرمة المخالفة القطعية العملية وكذلك وجوب الموافقة القطعية العملية ؟ أي هل يكون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة العملية القطعية ولوجوب الموافقة القطعية العملية او يكون بنحو الاقتضاء ؟ فيه اقوال سوف يأتي الكلام فيها .
وعلى هذا فالكلام في المقام انما هو في ان العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي في تنجيز المخالفة القطعية العملية ووجوب الموافقة القطعية العملية او انه ليس كالعلم التفصيلي ؟
والجواب انه يقع الكلام هنا من عدة جهات .
الجهة الاولى : في حقيقة العلم الاجمالي .
وان حقيقته تختلف عن حقيقة العلم التفصيلي او انه لا تختلف عنه ؟
الجهة الثانية : ان العلم الاجمالي هل يوجب تنجيز المخالفة القطعية العملية او لا ؟
الجهة الثالثة : ان العلم الاجمالي هل يوجب تنجيز الموافقة القطعية العملية او لا ؟
اما الكلام في الجهة الاولى أي في حقيقة العلم الاجمالي ففيها عدة جهات وتفسيرات:
التفسير الاول : ما ذكره المحقق الخراساني (قده) في مبحث الواجب التخييري من ان الوجوب التخييري في الواجب التخييري متعلق بالفرد المردد، وعلل ذلك بان الوجوب امر اعتباري ولا مانع من تعلقه بالفرد المردد بل ذكر انه لا مانع من تعلق صفة حقيقة بالفرد المردد كالعلم كما في موارد العلم الاجمالي أي ان العلم الاجمالي تعلق بالفرد المردد ولا مانع من ذلك .
هكذا ذكره(قده) في مبحث الواجب التخييري [1].
وللمناقشة فيه مجال واسع .
فإن الفرد المردد في الخارج غير معقول ولا يعقل الفرد المردد في أي وعاء لا في الخارج ولا في الذهن ولا في لوح الواقع، فان كل فرد في كل وعاء اذا وجد فهو متعين ومتشخص فان الوجود مساوق للتشخص سواء ا كان وجودا خارجيا ام كان وجودا ذهنيا ولا فرق من هذه الناحية، فيستحيل ان يكون الشيء في الخارج مرددا بين وجود نفسه ووجود غيره بان يكون وجود زيدٍ مرددا بين وجود نفسه وبين وجود غيره، وكذلك في الذهن فان صورة الشيء في الذهن هي علم فلا يعقل تردده بين الوجود والعدم ولا بين الوجودين .
فإذاً الفرد المردد في أي وعاء فهو غير معقول لأن الوجود عين التشخص والتعيّن سواء أ كان في الذهن او كان في الخارج .
فما ذكره المحقق الخراساني (قده) من انه لا مانع من تعلق العلم الاجمالي بالفرد المردد رغم ان العلم صفة حقيقة فضلا عن الوجوب الذي هو امر اعتباري غير تام .
ومن هنا يظهر ان الوجوب ايضا لا يمكن ان يكون متعلقا للفرد المردد لأن الفرد المردد لا وجود له لا في عالم الذهن ولا في عالم الخارج ولا في عالم الاعتبار كي يتعلق به الوجوب او الحرمة او ما شاكل ذلك .
فإذاً كما لا يعقل تعلق العلم بالفرد المردد كذلك لا يعقل تعلق الوجوب به .


[1] كفاية الاصول، المحقق الخراساني، ص141.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo