< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حجية الدليل العقلي
الى هنا قد تبين انه لا ملازمة بين حكم العقل النظري وبين الحكم الشرعي فالكبرى وان كانت ثابتة بمعنى ان العقل لو ادرك مصلحة ملزمة في فعل وادرك انه لا مزاحم لها، يستكشف الوجوب الشرعي لهذا الفعل الا انه ليس للعقل طريق الى ادراك المصلحة الملزمة في الفعل، ولو فرض انه ادرك الا انه لا يحرز انه ليس لها مزاحم، لأنه بحاجة الى علم الغيب وهو خارج عن امكان العقل، فالصغرى غير ثابتة في تمام المسائل الفقهية من البداية الى النهاية .
واما في العقل العملي فالكبرى ثابتة وهي ان العقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم وكل فعل ينطبق عليه العدل يحكم العقل بحسنه وكل فعل ينطبق عليه الظلم يحكم العقل بقبحه، الا انه لا ملازمة ببين حكم العقل بالحسن وحكم الشارع بالوجوب وبين حكم العقل بالقبح وحكم الشارع بالحرمة، فإن حكم العقل بالحسن تابع لمصلحة يدركها العقلاء فإن كانت تامة فهي تكشف عن الوجوب، الا ان هذا الكشف من العقل النظري وليس من العقل العملي وان كانت غير تامة فلا تكشف عن الوجوب وان كانت تصلح لأن تكون ملاكا للحسن ولكنها لا تصلح ان تكون ملاكا للوجوب على ما تقدم .
وفي مقابل ذلك قول باستحالة الملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع، فان الشارع اذا جعل الحكم فانه بغرض ايجاد الداعي والمحرك في نفس المكلف للإتيان بالمتعلق على اساس حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية فان معنى الطاعة هو اداء حق العبودية وهو من اظهر مصاديق العدل اذ ان حق العبودية حق ذاتي للمولى، ولهذا يحكم العقل بحسنه واستحقاق المثوبة عليه، واما المعصية فهي تمرد على المولى وتفويت لحقه وهو حق الطاعة ومن اظهر مصاديق الظلم، فمن اجل ذلك يحكم العقل بقبحها واستحقاق العقوبة عليها فالمحرك هو حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية، وهذا الحكم يستحيل ان يستلزم حكما شرعيا بوجوب الطاعة وحرمة المعصية، بان يجعل الشارع الوجوب للطاعة تبعا لحكم العقل بالحسن والحرمة للمعصية تبعا لحكم العقل بالقبح، فإن جعل الوجوب للطاعة انما هو بغرض ايجاد الداعي في نفس المكلف، وكذلك جعل الحرمة للمعصية انما هو بغرض ايجاد الداعي في نفس المكلف والمفروض ان الداعي موجود في نفس المكلف ولا حاجة الى ايجاده مرة ثانية فانه لغو وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل، مثلا اذا امر المولى بالصلاة فلا محال يكون امره بغرض ايجاد الداعي في نفس المكلف وتحريكه نحو الاتيان بها، على اساس حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية فالعقل مستقل بحسن الطاعة وقبح المعصية وهو يدرك استحقاق المثوبة على الطاعة فيكون حكمه هذا محركا للمكلف ويدرك استحقاق العقوبة على المخالفة والمعصية ويكون هذا محركا له نحو الاتيان بالصلاة، واذا امر المولى ثانيا بالإطاعة ونهى عن المعصية، فلا محالة يكون هذا الامر والنهي بغرض ايجاد الداعي في نفس المكلف، والداعي موجود في نفس المكلف وهو حكم العقل فجعل داع اخر لغو وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل، واما اذا فرضنا ان حكم العقل لا يكون داعيا ولا يكون محركا فلا اثر للحكم الشرعي، فان الامر بالإطاعة كالأمر بالصلاة فان الامر بالصلاة لوحده لا يكون محركا الا بضميمة حكم العقل فكذلك الامر بالإطاعة فانه لا يكون محركا الا بضميمة حكم العقل، فالمحرك هو حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية وباستحقاق المثوبة على الطاعة والعقوبة على المعصية، فالأمر بالإطاعة بغرض ايجاد الداعي من المولى يكون لغوا وجزافا وكذلك النهي عن المعصية وهو مستحيل لأن صدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل، وهذا هو معنى استحالة الملازمة بين حكم العقل بحسن الطاعة وحكم الشارع بالوجوب وحكم العقل بقبح المعصية وحكم الشارع بحرمتها .
والجواب عن ذلك : تارة يقع الكلام في الامر والنهي الوارد في سلسة معلولات الاحكام واخرى في سلسلة عللها .
اما الامر والنهي الوارد في سلسلة معلولات الاحكام، مثلا المولى امر بالصلاة اولا وبعد الامر بالصلاة يحكم العقل بحسن اطاعته وقبح معصيته والامر الثاني الوارد في سلسلة معلولات الاحكام وهو الامر بالإطاعة والنهي عن المعصية والمعروف والمشهور بين الاصوليين ان الامر بالإطاعة المولوي مستحيل والنهي نهيا مولويا مستحيل لأنه لغو، ولكن للمناقشة فيه مجال
فإن الامر بالإطاعة والنهي عن المعصية وان كان ظاهرا في الارشاد الى حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية الا انه يمكن حمله على المولوية في مقام الثبوت والوجه في ذلك ان المولى اذا امر بالطاعة بغرض ايجاد الداعي في نفس المكلف امرا مولويا يكشف عن اهتمام المولى بالمصلحة الواقعية وانه لا يرضى بتركها، فالأمر بالصلاة يكشف عن وجود مصلحة ملزمة فيها ولكن الامر بإطاعة الامر بالصلاة يكشف عن اهتمام المولى بهذه المصلحة اكثر من كشف الامر بالصلاة عنها، اذ ان الامر بالصلاة يكشف عن اصل وجود المصلحة الملزمة فيها، واما الامر بالإطاعة فهو يكشف عن اهتمام المولى بهذه المصلحة وان المولى لا يرضى بتفويتها على كل حال، فلا يكون هذا الامر لغوا لأنه يكشف عن ملاك جديد غير الملاك الذي يكشف الامر عنه، وهو اهتمام المولى بالمصلحة الواقعية وعدم رضائه بتفويتها على كل حال، ومن الواضح ان هذا الملاك الجديد يؤكد حكم العقل ويترتب على هذا الملاك الجديد عقوبة شديدة ومثوبة شديدة، ولهذا يكون مؤكدا لحكم العقل فلو فرض ان حكم العقل وحده لا يكون محركا للمكلف، ولكنه اذا انضم مع هذا الامر فمجموعهما يكون محركا للمكلف، لأنه يزيد في تحريك المكلف باعتبار انه يكشف عن ملاك جديد وهو يؤكد حكم العقل فلا يكون الامر الثاني المتعلق بالإطاعة لغوا حتى يحمل عل الارشاد .
فالنتيجة ان هذا الامر وان كان ظاهرا في الارشاد الا انه يمكن حمله على المولوية في مقام الثبوت .
وبعبارة اخرى، لو فرضنا ان المصلحة الموجودة في الصلاة مصلحة كاملة تبلغ عشر درجات والامر المتعلق بالصلاة يكشف عن خمس منها وهي ملزمة ايضا واما الامر المتعلق بالطاعة فهو يكشف عن الخمسة الاخرى أي يكشف عن مصلحة كاملة، واهتمام المولى بهذه المصلحة الكاملة وعدم رضائه بتفويتها على كل حال، فلهذا يكون الامر الثاني كاشفا عن ملاك جديد ويترتب على اطاعته مثوبة شديدة وعلى مخالفته عقوبة شديدة .
فما ذكره المشهور من ان هذا الامر لا يمكن ان مولويا والنهي عن المعصية لا يمكن ان يكون مولويا لا يمكن المساعدة عليه .
واما في موارد سلسلة علل الاحكام، فان حكم العقل بالحسن او القبح قد تقدم انه لا يكون محركا للمكلف دائما، لأنه انما يكون محركا للمكلف اذا كان ناشئاً عن مصلحة تامة وتلك المصلحة تكشف عن الوجوب او ناشئاً عن مفسدة تامة وتلك المفسدة تكشف عن الحرمة، والا فحكم العقل بحسن شيء لا يستلزم استحقاق المثوبة عليه والعقوبة على مخالفته ما لم يصدر من المولى وجوب او حرمة والحال انه لم يصدر من المولى شيء بل هو مجرد ادراك العقل وحكمه بحسن شيء او قبح شيء اخر، فلا يمكن الحكم بحرمته او وجوبه وطالما لم يحكم الشارع بالوجوب او الحرمة فلا يمكن الحكم باستحقاق المثوبة او العقوبة، فاذا فرضنا ان العقل يحكم بحسن الصدق وطالما لم يكن الصدق واجبا من قبل الشارع فلا استحقاق للمثوبة عليه ولا استحقاق للعقوبة على مخالفته، واذا حكم العقل بقبح الكذب فانه لا يستلزم استحقاق العقوبة طالما لم يصدر نهي من المولى عن الكذب .
فإذن حكم العقل بالحسن او القبح في موارد علل الاحكام لا يستلزم استحقاق العقوبة والمثوبة دائما بل يختلف ذلك باختلاف الموارد .
هذا تمام كلامنا في الملازمة بين حكم العقل النظري وبين حكم الشرع، وبين حكم العقل العملي وبين حكم الشرع .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo