< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حجية الدليل العقلي
ذكرنا أنَّ في المسألة قولين :
الاول : ما نسب الى المشهور منهم المحقق الاصفهاني(قده) من ان الحسن والقبح حكمان مجعولان من قبل العقلاء تبعا لما يدركونه من المصالح والمفاسد العامة كسائر احكامهم التشريعية لحفظ نظامهم العام .
الثاني : انهما امران واقعيان ثابتان في متن الواقع الذي هو اعم من متن الوجود ويدركهما العقل، فليسا هما من الاحكام الجعليّة العقلائية .
والقول الثاني هو الصحيح، فإنَّ الحسن صفة للعدل والقبح صفة للظلم، ولا شبهة في ان العدل والظلم من الامور الواقعية ولا يمكن ان تكون صفة الامر الواقعي امرا اعتباريا لا واقع موضوعي له بل لا بد ان تكون امرا واقعيا.
فإذن هذا القول هو الصحيح لأمرين :
الاول : ان العقل يحكم بحسن العدل وقبح الظلم بالفطرة وذاتا بدون ملاحظة أي مقدمة خارجية، بل يدرك ذلك الصبيان فضلا عن الانسان الراشد، ومن الواضح ان الفطرة ذاتية للإنسان ولا تتغير بتغير الزمان ولا المكان ومن هنا لو لم يكن وجود للعقلاء في سطح هذه الكرة الا فرد واحد كما ذكره السيد الاستاذ(قده) فانه يدرك بالفطرة ان العدل حسن والظلم قبيح، وهذا دليل على ان الحسن والقبح امران واقعيان ثابتان في الواقع ويدركهما العقل وجدانا وفطرةً .
الثاني : انه من المشاهد والمحسوس الخارجي عدم تبعية الحسن والقبح للمصالح والمفاسد، فلا شبهة في قبح ضرب اليتيم للإيذاء او لغرض اخر ولكن قد تترتب عليه مصلحة اكبر من مفسدته .
قد يقال كما قيل : ما الفرق بين العقل النظري والعقل العملي ؟ فانه ليس للإنسان عقلين، عقل عملي وعقل نظري بل للإنسان عقل واحد غاية الامر بحسب المدرك يكون العقل نظريا واخرى يكون عمليا، فاذا كان المدرك بحسب كلا العقلين امرا واقعيا أي كما ان المدرك في العقل النظري امر واقعي كادراك الدور والتسلسل وما شاكل،كذلك المدرك في العقل العملي امر واقعي فان الحسن والقبح امران واقعيان .
والجواب عن ذلك : ان العقل العملي يختلف عن العقل النظري في نقطة ويشترك معه في نقطة اخرى، اما الاشتراك فانهما يشتركان في المدرك، فالمدرك في كلا العقلين امر واقعي، واما الفرق بينهما فهو في اقتضاء المدرك فان المدرك في العقل العملي يقتضي في نفسه الجري العملي على طبقه، فاذا ادرك العقل حسن شيء فحسن الشيء في نفسه وبقطع النظر عن أي مقدمة اخرى يقتضي العمل المعين على طبقه، وقبح الشي في نفسه وبقطع النظر عن أي مقدمة اخرى يقتضي الجري العملي على طبقه كالقطع بالوجوب والحرمة، فكما ان القطع بالوجوب يقتضي الجري العملي على طبقه والقطع بالحرمة يقتضي الجري العملي على طبقها في نفسه بقطع النظر عن أي مقدمة، واما المدرك في العقل النظري فليس كذلك فان العقل يدرك مصلحة ملزمة في فعل ويدرك مفسدة ملزمة في فعل اخر ولكن المصلحة في نفسها لا تقتضي الجري العملي على طبقها طالما لم يكن وجوب للفعل من قبل الشارع، فالذي يقتضي بنفسه الجري العملي هو الوجوب لا المصلحة الملزمة وكذلك المفسدة فهي لا تقتضي في نفسها الجري العملي على طبقها وانما الذي يقتضي ذلك هو الحرمة، هذا هو الفارق بين العقل العملي والعقل النظري .
واما الاشتراك بينهما فهو ان المدرك في كلا العقلين امر واقعي لا ان المدرك في العقل العملي امر اعتباري والمدرك في العقل النظري امر واقعي، فإنه على المشهور الفرق بينهما في المدرك فان المدرك في العقل النظري امر واقعي واما المدرك في العقل العملي فهو امر اعتباري وجعلي كالوجوب او الحرمة او الاحكام المجعولة من قبل العقلاء كالحسن والقبح اذ المشهور ان الحسن والقبح امران اعتباريان مجعولان ولا واقع موضوعي لهما لا في لوح الواقع ولا في عالم الخارج، وانما هما موجودان في عالم الذهن فقط .
فإذن على المشهور الفرق بينهما في المدرك، واما بناءً على ما هو الصحيح فلا فرق بينهما في المدرك بل هما يشتركان في هذه النقطة وانما الفرق بينهما في اقتضاء المدرك اذ المدرك في العقل العملي يقتضي بنفسه العمل المعين في الخارج بقطع النظر عن أي مقدمة اخرى واما المدرك في العقل النظري فلا يقتضي بنفسه ذلك من دون ضم مقدمة اخرى كالوجوب او الحرمة او ما شاكل ذلك .
وبعد بيان الفرق بين العقل العملي والنظري يقع الكلام في ان الملازمة بين العقل العملي والحكم الشرعي ثابتة او انها غير ثابتة ؟
فيه قولان : المعروف والمشهور بين الاصحاب ثبوت الملازمة بينهما فاذا حكم العقلاء بشيء فبطبيعة الحال يحكم الشارع ايضا بذلك الشيء باعتبار انه رئيسهم وفي طليعتهم واظهر افرادهم، ومن هنا يظهر ان التعبير بالملازمة مبني على التسامح اذ الصحيح التعبير بالتضمن باعتبار ان الشارع داخل في العقلاء لا انه خارج عنهم .
وللمناقشة فيه مجال
اما على القول الصحيح من ان الحسن والقبح امران واقعيان فيكون خروج عن محل الكلام اذ معنى الحكم بحسن بشيء او قبحه ادراك العقلاء للحسن والقبح ومنهم الشارع باعتبار انه رئيسهم وفي طليعتهم، ومن الواضح ان هذا الفرض خارج عن محل الكلام اذ ان محل الكلام انما هو في جعل الشارع حكما يماثل حكم العقل فان العقل اذا حكم بحسن شيء فان الشارع يحكم بالوجوب وهذا هو معنى الملازمة بين حسن شيء وبين وجوبه وبين قبح شيء وبين حرمته، فمحل الكلام انما هو في جعل الشارع ما يماثل حكم العقل أي الملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع وهو انما يتصور فيما اذا كان الحسن والقبح امران اعتباريان أي مجعولين من قبل العقلاء فاذا جعل العقلاء حسن شيء يكون الشارع قد جعل وجوب له واذا جعلوا قبح شيء يكون الشارع قد جعل له الحرمة، واما اذا كان الحسن والقبح امران وقعيان وثابتان في لوح الواقع وليسا بمجعولين من قبل العقلاء فلا يتصور فيه هذا النزاع فنزاع الملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع انما يتصور على مسلك المشهور في الحسن والقبح .
فإذن الكلام على مبنى المشهور في انه هل ان هذه الملازمة ثابتة او غير ثابتة ؟ فان كانت المصلحة ملزمة ولم يكن لها مزاحم فان العقلاء يحكمون بحسن شيء تبعا لما يدركونه من المصلحة في ذلك الشيء وهي تكشف عن وجوب ذلك الشيء واذا حكم العقلاء بقبح شيء تبعا لما يدركونه من المفسدة فيه فاذا كانت تلك المفسدة ملزمة فهي تكشف عن حرمته ومن الواضح ان كشف المصلحة عن الوجوب وكشف المفسدة عن الحرمة فهي من العقل النظري وليس من العقل العملي فان العقل اذا ادرك مصلحة ملزمة فهي تكشف عن الوجوب من جهة تطبيق قاعدة عامة على هذه الصغرى وهي ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيتين، فكشف المصلحة عن الوجوب وكشف المفسدة عن الحرمة من العقل النظري وليس من العقل العملي فلا ملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع فهذه المصلحة التامة كما انها ملاك للوجوب كذلك هي ملاك للحسن والمفسدة التامة كما انها ملاك للحرمة كذلك هي ملاك للقبح فيكون الوجوب والحرمة في عرض الحسن والقبح لا في طولهما .
واما اذا لم تكن تلك المصلحة ملزمة فهي لا تكشف عن الوجوب وكذلك المفسدة لو لم تكن ملزمة .
فإذن المصلحة الناقصة ملاك للحسن ولكنها ليست ملاك للوجوب والمفسدة الناقصة ملاك للقبح ولكنها ليست ملاك للحرمة، فمن اجل ذلك لا ملازمة بين حكم العقل العملي بحسن او قبح شيء وحكم الشارع بالوجوب او الحرمة، اذ ان حكم الشارع تابع لملاكه وهو المصلحة الملزمة والمفسدة الملزمة .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo