< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أقسام القطع
ذكرنا ان القطع بالحكم تارة مأخوذ في موضوع حكم مخالف لحكم مقطوع واخرى مأخوذ في موضوع حكم مضاد له وثالثة مأخوذ في موضوع حكم مماثل ورابعة مأخوذ في موضوع نفسه ، اما القسم الاول فلا اشكال فيه كما اذا قال المولى اذا قطعت بوجوب الصلاة فتصدق بدينار فهذا مما لا تنافي فيه بين الحكمين ، واما القسم الثاني فهو مستحيل لا من جهة اجتماع الوجوب بما هو اعتبار مع الحرمة بما هي اعتبار في موضوع واحد فانه لا محذور فيه لانهما من الامور الاعتبارية والامور الاعتبارية لا واقع موضوعي لها في الخارج الا في عالم الاعتبار والذهن فمن اجل ذلك لا مانع من ان الشارع يعتبر الوجوب وفي نفس الوقت يعتبر الحرمة ايضا ولا تنافي ولا تضاد بينهما والتضاد انما يتصور في الامور الواقعية الخارجية .
فالتنافي بين الحرمة والوجوب في مقام الجعل غير موجود ، وانما التنافي بينهما في مرحلة المبادي فان المصلحة الملزمة لا تجتمع مع المفسدة الملزمة وكذلك التنافي بينهما في مرحلة الفعلية والامتثال ، فان الحرمة الفعلية معناها ان فاعليتها فعلية ومحركيتها فعلية ومعنى فعلية الوجوب ان فاعلية الوجوب فعلية ومحركيته فعلية ومن الواضح انه لا يمكن الجمع بين فاعلية الوجوب مع فاعلية الحرمة أي لا يمكن الجمع بين محركيّة الوجوب ومحركيّة الحرمة في مرحلة الامتثال لان المفروض ان الفاعلية والمحركية من الامور التكوينية وليست من الامور الاعتبارية ، واما القسم الثالث وهو جعل حكم مماثل للحكم المقطوع كما اذا قال المولى اذا قطعت بوجوب الصلاة وجبت عليك الصلاة واذا قطعت بحرمة شرب الخمر حرم شربها عليك ، فان الشارع جعل القطع بوجوب الصلاة موضوعا لوجوب اخر وكذلك القطع بحرمة شرب الخمر موضوعا لحرمة اخرى ، فهل يمكن ذلك او لا اذا كان الحكم الثاني حكما مولويا واقعيا ؟
قد يقال كما قيل[1] انه لا يمكن لان كلا الحكمين اذا اجتمعا في شيء واحد اما ان يبقى كل واحد منهما بحده التام او يندك احدهما في الاخر فيصبحان حكما واحدا أقوى وأكد من كل واحد منهما ولا ثالث في البين وكلا الامرين في المقام مستحيل ، اما الامر الاول فلان الاحكام الشرعية كالأعراض الخارجية فكما ان الاعراض الخارجية لا تتحقق في الخارج الا في موضوع محقق فيه ولهذا يقال ان وجود العرض بنفسه عين وجوده لموضوعه في الخارج ولأجل ذلك يستحيل اجتماع عرضين في موضوع واحد فان موضوع واحد لا يمكن ان يكون موضوعا لعرضين وكذلك الاحكام الشرعية في مرحلة الفعلية لأنها لا تتحقق الا بتحقق موضوعها في الخارج فان فعلية الاحكام انما هي بفعلية موضوعاتها في الخارج فلا توجد الا بوجود موضوعها في الخارج وعندئذ لا يمكن اجتماع حكمين متماثلين في موضوع واحد فان هذا الموضوع لا يمكن ان يكون موضوعا لكلا الحكمين معا في وقت واحد ، ولأجل ذلك يستحيل اجتماع الحكمين المتماثلين في موضوع واحد لأنه كاجتماع العرضين في موضوع واحد ، واما الثاني وهو ان يكون احد الحكمين مندكا في الحكم الاخر فيصبحان حكما واحد اقوى وأكد من كل منهما فهو ايضا مستحيل فان هذا انما يمكن فيما اذا كان كلا الحكمين في عرض واحد كما اذا قال المولى اكرم العالم ثم قال اكرم الهاشمي ، فاذا كان فرد واحد عالما وهاشميا معا فبطبيعة الحال يندك احد الوجوبين في الوجوب الاخر فيصبحان وجوبا واحدا أكد وأقوى من كل واحد منهما ، فالاتحاد والتأكيد انما يتصور فيما اذا كان كلا الوجوبين المتماثلين في عرض واحد ، والمقام ليس كذلك فان الوجوب الثاني في المقام في طول الوجوب الاول ومتأخر عنه رتبة فان الوجوب الاول مأخوذ في موضوع الوجوب الثاني ومتقدم عليه رتبة ولا يمكن اتحاد الوجوب الثاني مع الوجوب الاول فان اتحاده اما في رتبة الوجوب الاول فيلزم تقدم الشيء على نفسه أي يكون الشيء المتأخر متقدما على نفسه او في مرتبة الوجوب الثانية فيلزم تأخر الشيء عن نفسه وكلاهما مستحيل ، فلا يمكن الاتحاد في المقام ، هكذا قيل .
ولكن كلا الامرين باطل ولا واقع موضوعي لهما ، اما الامر الاول فقد ذكرنا غير مرة ان الاحكام الشرعية امور اعتبارية لا واقع موضوعي لها في الخارج الا في عالم الاعتبار والذهن فلا مانع من اجتماع الوجوبين في موضوع واحد في مرحلة الجعل واما في مرحلة المبادي فأيضا لا مانع من اجتماع مصلحتين في شيء واحد غاية الامر تندك احدى المصلحتين في الاخرى وتصبحان مصلحة واحدة أقوى وأكد من كل واحدة منهما واما في مقام الامتثال فأيضا لا مانع فان فاعلية احد الوجوبين تندك في فاعلية وجوب الاخر وتصبحان فاعلية واحدة أقوى وأكد من فاعلية كل واحد منهما ، لما ذكرناه غير مرة ان المراد من فعلية الحكم بفعلية موضوعه فعلية فاعليته وفعلية محركيته والا فالحكم يستحيل ان يكون فعليا أي يكون موجودا في الخارج بوجود موضوعه والا لزم كون الحكم امرا خارجيا وهو خلف فرض انه امر اعتباري .
وعليه فلا مانع من ان تندك فاعلية احد الوجوبين في فاعلية وجوب الاخر ، وتصبحان فاعلية واحدة أقوى وأكد من فاعلية كل واحد منهما .
فإذن الوجوبان المتماثلان لا تنافي بينهما لا في مرحلة الجعل والاعتبار ولا في مرحلة المبادي ولا في مرحلة الفعلية والامتثال ، فلا مانع من جعل وجوبين متماثلين لموضوع واحد ، وبذلك يمتاز الحكمين المتماثلين عن الحكمين المتضادين .
واما الامر الثاني وهو ان الاتحاد والتأكد في المقام مستحيل من جهة ان الوجوب الثاني متأخر عن الوجوب الثاني رتبة وفي طول الوجوب الاول فلا يمكن اتحادهما .
فهذا ايضا غير صحيح ، فان التقدم والتأخر الرتبي انما هو بتحليل من العقل وفي عالم الرتب ولا وجود له في الخارج ، فان شيئين متقارنين زمنا ولكن مع ذلك احدهما متقدم رتبة على الاخر ومن هنا ذكرنا ان التقدم الرتبي بحاجة الى ملاك ولا يمكن بون ملاك فالعلة متقدمة على المعلول رتبة بملاك العليّة بعد تقارنهما زمنا ، واما عدم العلة فهو في رتبة العلة فلا يكون متقدم رتبة على المعلول.
فاذا كان الوجوبان في زمن واحد فلا مانع من التأكد فلا يلزم أي محذور ، فان التقدم والتأخر الرتبي تحليل عقلي في عالم الرتب ولا واقع موضوعي له في الخارج ، فاذا كان الوجبان متقارنان زمنا ومجتمعان في موضوع واحد فلا محالة يندك احدهما في الاخر فيصبحان وجوبا واحدا أقوى وأكد ، والتأكد والاتحاد بطبيعة الحال انما هو في مرحلة المبادي وفي مرحلة الفعلية لا في مرحلة الجعل ، فان الوجوب الاول مجعول مستقلا والوجوب الثاني مجعول مستقلا ايضا فلا اتحاد بينهما في مرحلة الجعل .
فالنتيجة ان ما قيل من ان اجتماع المثلين محال لا يرجع الى معنى محصل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo