< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/07/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التجري
الى هنا قد تبين عدم الفرق بين العاصي والمتجري في استحقاق العقوبة، فكما ان العاصي يستحق العقوبة على العصيان، كذلك المتجري يستحق العقوبة على التجري، وملاك العقوبة فيهما واحد، والفرق بينهما في نقاط اخرى لا صلة لها فيما هو ملاك استحقاق العقوبة، فلا شبهة في ان الفعل المتجرى به قبيح .
المقام الثالث : في حرمة الفعل المتجرى به شرعا
فهل الفعل المتجرى به حرام شرعا او انه ليس بحرام شرعا ؟
وقد استدل على حرمته شرعا بوجوه :
الوجه الاول : اطلاقات الادلة من الكتاب والسنة، فهي تشمل الفعل المتجرى به ايضا .
الوجه الثاني : الاجماع، فان الاجماع من العلماء قائم على حرمة الفعل المتجرى به .
الوجه الثالث : قاعدة الملازمة بين حكم العقل بقبح شيء وحكم الشرع بحرمته، ولا شبهة في ان العقل يحكم بقبح الفعل المتجرى به .
الوجه الرابع : الروايات التي يستدل بها على حرمة الفعل المتجرى به .
اما الكلام في الوجه الاول، وهو اطلاقات الادلة، فالتمسك بإطلاقات الادلة من الكتاب والسنة يتوقف على تمامية مجموعة مقدمات :
المقدمة الاولى : لا شبهة في ان متعلق التكليف لا بد ان يكون مقدورا، اذ يستحيل تعلق التكليف بإمر غير مقدور، لان توجيه التكليف الى العاجز قبيح ولغو، وصدور القبيح من المولى الحكيم مستحيل، فلا بد من ان يكون متعلق التكليف - سواء ا كان التكليف وجوبيا ام كان تحريميا - مقدورا، واما اذا كان خارجا عن قدرة المكلف وسلطنته فلا يمكن تعلق التكليف به، ولا فرق في اعتبار القدرة في متعلق التكليف ان تكون باقتضاء نفس الخطاب كما اختاره المحقق النائيني (قده) او تكون بحكم العقل كما هو الصحيح .
المقدمة الثانية : ان الباعث والمحرك للمكلف نحو الاتيان بالواجب والابتعاد عن الحرام انما هو احراز التكليف أي التكليف بوجوده العلمي لا التكليف بوجوده الواقعي، فان التكليف بوجوده الواقعي لا يكون محركا للمكلف وباعثا وداعيا له، فاذا علم الانسان بوجوب الصلاة عليه من جهة دخول الوقت او البلوغ فهذا العلم محرك للمكلف نحو الاتيان بالصلاة، وكذلك سائر الواجبات كوجوب الحج ونحوه، واما اذا كان جاهلا بوجوب الصلاة اما من جهة عدم العلم بدخول الوقت او من جهة عدم علمه ببلوغه فهذا الوجوب لا يكون محركا وداعيا وباعثا، فان التكليف متعلق بما يراه المكلف انه واقع سواء أ كان مطابقا للواقع ام لم يكن، وسواء أ كانت رؤيته مستندة الى العلم الوجداني او العلم التعبدي او الاصل العملي .
فلا شبهة في ان المحرك للإنسان هو العلم بلا فرق في ذلك بين الامور التشريعية والامور التكوينية، فكما ان في الامور التشريعية المحرك والباعث هو العلم واحراز التكليف فكذلك الحال في الامور التكوينية، فاذا كان الانسان عطشانا وكان الماء قريبا منه ولكن هو لا يعلم به فلا يكون محركا واما اذا علم بوجود الماء فهو محرك وان كان علمه غير مطابق للواقع، فإذن العلم علة تامة للتحريك وللداعوية وللباعثية .
المقدمة الثالثة : ان الغرض من وراء جعل التكليف هو داعويته ومحركيته نحو الاتيان بمتعلقه في الخارج، ومن الواضح ان داعوية التكليف انما هي الى متعلقه المقدور، فاذا كان متعلقه مقدورا فالتكليف يصلح ان يكون داعيا وباعثا ومحركا المكلف نحو الاتيان به، واما اذا كان متعلقه غير مقدور وخارج عن قدرة المكلف فلا يمكن دعوته الى الممتنع، فداعوية التكليف انما هي الى الفعل المقدور للمكلف .
وعلى هذا، فمتعلق التكليف بمقتضى المقدمة الاولى لا بد ان يكون اختياريا، فيستحيل توجيه التكليف الى امر خارج عن اختيار المكلف، وبمقتضى المقدمة الثانية ان الباعث والمحرك هو التكليف بوجوده العلمي واما التكليف بوجوده الواقعي فلا يكون محركا، وبمقتضى المقدمة الثالثة التكليف انما يدعو الى الاتيان بمتعلقه اذا كان مقدورا واما اذا لم يكن مقدورا فيستحيل ان يكون داعيا الى الاتيان به لاستحالة داعويته الى الممتنع، فلا بد ان يكون متعلق التكليف امرا اختياريا للمكلف .
فإذن لا بد من الالتزام بان متعلق التكليف هو اختيار الفعل وارادته بوجوده العلمي سواء أ كان مطابقا للواقع ام لم يكن مطابقا للواقع، ولا يمكن ان يكون متعلق التكليف اختيار الفعل بوجوده الواقعي، لان الوجود الواقعي للفعل غير مقدور للمكلف، فليس بيد المكلف مطابقة قطعه للواقع الا من باب الاتفاق والصدفة، والاتفاق والصدفة امر خارج عن اختيار المكلف، لا يمكن ان يكون متعلق التكليف اختيار الفعل مقيدا بكونه واقعا حقيقة فانه ليس باختيار المكلف، ام كون الفعل واقعا في الخارج ام لم يكن واقعا في الخارج فهو امر تصادفي واتفاقي وليس بيد المكلف، والذي هو بيد المكلف واختياره هو ارادة الفعل الذي يراه انه واقع أي الفعل بوجوده العلمي ارادته باختياره سواء أ كان مطابقا للواقع ام لم يكن مطابقا للواقع .
فإذن متعلق التكليف اختيار الفعل بوجوده العلمي، فمتعلق التكليف ارادة الصلاة بوجودها العلمي ومتعلق التكليف ارادة شرب الخمر بوجوده العلمي، ولا يمكن ان يكون متعلق التكليف ارادة الصلاة بوجودها الواقعي، فان الوجود الواقعي للصلاة ليس باختياري للمكلف وقد يكون قطعه مطابقا لوجود الصلاة في الواقع وقد لا يكون مطابقا وهو امر تصادفي وليس امرا اتفاقيا .
فنتيجة هذه المقدمات الثلاث، ان التكليف تعلق بمتعلقه بوجوده العلمي لا بوجوده الواقعي، فعندئذٍ تشمل الخطابات الشرعية من الكتاب والسنة الفعل المتجرى به ايضا فانه ان كان مطابقا للواقع فهو عاص وان لم يكن مطابقا للواقع فهو متجري، وعلى كلا التقديرين فالفعل متعلق للتكليف لان الفعل بوجوده العملي متعلق للتكليف سواء أ كان مطابقا للواقع ام لم يكن .
وعلى هذا فالفعل المتجرى به محكوم بالحرمة بمقتضى اطلاقات الادلة، هذا هو مقتضى التمسك بالوجه الاول .
والجواب عن ذلك :
اما المقدمة الاولى فهي تامة ولا شبهة فيها، وانما الكلام في المقدمة الثانية والثالثة، حيث لا يمكن الاخذ بهما من وجوه :
الوجه الاول : ان الاحكام الشرعية تابعة للملاكات الواقعية من المصالح والمفاسد، ومن الطبيعي ان الملاكات الواقعية قائمة بالفعل بوجوده الواقعي لا بالفعل بوجوده العلمي، اذ ان الفعل بوجوده العلمي لا موطن له الا الذهن والملاكات امور تكوينية واقعية وهي قائمة بالفعل بوجوده الواقعي الخارجي .
وذكرنا ان حقيقة الحكم وروحه هو ملاكه، واما الحكم بما هو اعتبار فلا قيمة له اذ هو ليس بحكم مولوي، ولا يعاقب على مخالفته ولا يثاب على موافقته كوجوب المقدمة الذي لا ملاك له، فالوجوب الذي لا ملاك له لا روح له .
وعلى هذا فمتعلق التكليف لو كان الفعل بوجوده العلمي فمعناه انه مجرد اعتبار ومعناه ان التكليف لا يكون تابعا للملاكات الواقعية فان الملاكات الواقعية قائمة بالأفعال بوجوداتها الواقعية الخارجية، فلا بد ان يكون متعلق التكليف نفس تلك الافعال لا الافعال بوجودتها العلمية .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo