< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/07/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
تحصّل مما ذكرنا، انه لا ملازمة بين شرب الخمر الواقعي وبين شرب مقطوع الخمرية لانهما متباينان، فان مقطوع الخمرية لا موطن له الا الذهن واما شرب الخمر الواقعي فموطنه الخارج، فهما امران متباينان لا متلازمان، ومع الاغماض عن ذلك فان شرب الخمر الواقعي امر خارجي تصديقي، واما شرب مقطوع الخمرية فهو امر ذهني تصوري، ولا يمكن تعلق الارادة التكوينية الا بالأمر الخارجي التصديقي، فمن اجل ذلك ايضا لا ملازمة بينهما، ومضافا الى ذلك ان مقطوع الخمرية في الذهن فانٍ في الخمر الواقعي ولا يرى المكلف الا الخمر الواقعي، فان مقطوع الخمرية مرآة له كما هو الحال في كل معلوم بالذات فهو مرآة للمعلوم بالعرض، فالمقطوع بالذات مرآة للمقطوع بالعرض، فلا يرى المكلف الا الخمر الواقعي، أي لا يرى هنا شيئان موجدان متلازمان، لكي يمكن سراية الارادة من احدهما الى الاخر بل يرى شيئا واحدا وهو الخمر الواقعي وما هو موجود في الذهن فهو مرآة له وفانٍ فيه، ومع الاغماض عن جميع ذلك فلا ملازمة بينهما، فان ارادة الخمر الواقعي وشربها في الخارج لا يستلزم القطع بالخمر، فقد يرتكب الخمر في الواقع واراد شربها بدون ان يقطع بها .
فإذن ارادة الاعم لا تسري الى ارادة الاخص، ولا يمكن سراية الارادة من الاعم الى الاخص .
ومضافا الى جميع ذلك وتسليم ان الملازمة بينهما ثابتة الا انه لا ملازمة بينهما لا في الارادة التكوينية ولا في الارادة التشريعية .
اما في الارادة التكوينية، فقد تقدم انه لا ملازمة بينهما فإرادة شرب الخمر الواقعي لا تستلزم ارادة شرب مقطوع الخمرية، فلا ملازمة بينهما في الارادة التكوينية .
واما الارادة التشريعية، فأيضا لا يمكن، فانه ان اريد بالإرادة التشريعية ترشح الحرمة من شرب الخمر الواقعي الى شرب مقطوع الخمرية كترشح المعلول من العلة فهو مستحيل، فان الحرمة امر اعتباري لا واقع موضوعي لها في الخارج الا في عالم الاعتبار والذهن فلا يتصور في الامور الاعتبارية العلية والمعلولية والتوليد والتولد والتأثير والتأثر، كل ذلك غير متصور في الامور الاعتبارية، فان هذه الامور انما تكون في الامور التكوينية الخارجية لا في الامور الاعتبارية، هذا مضافا الى ان الامر الاعتباري فعل اختياري مباشر للمعتبر فلا يعقل فيه التسبيب، والاحكام الشرعية امور اعتبارية وافعال اختيارية للمولى مباشرة .
فإذن ان اريد بالملازمة في الارادة التشريعية ترشح الحرمة من شرب الخمر الواقعي الى شرب مقطوع الخمرية فهو غير معقول، ونظير ذلك ذكرنا في مقدمة الواجب، فان الملازمة بين ارادة شيء وارادة مقدمته ثابتة، فان من اراد شيئا اراد مقدمته طبعا، فهذه الملازمة في الارادة التكوينية في مرحلة المبادي مطابقة للوجدان ولا بأس بالالتزام بذلك، واما الملازمة بينهما في الارادة التشريعية فلا يمكن، فانه ان اريد من الملازمة ترشح وجوب المقدمة من وجوب ذيها كترشح المعلول من العلة فهو غير معقول، فان الوجوب امر اعتباري، فلا يعقل كونه معلولا لوجوب اخر ومتولدا من وجوب اخر، هذا مضافا الى ان الوجوب فعل اختياري مباشر للمولى، فلا يعقل فيه التسبيب والعلية والمعلولية، وان اريد بالملازمة في الارادة التشريعية الملازمة في مرحلة الجعل، بمعنى ان المولى متى جعل الوجوب لشيء جعل الوجوب لمقدمته ايضا، فالملازمة ثابتة بنهما في مرحلة الجعل، فان المولى متى جعل الوجوب لشيء جعل الوجوب لمقدمته، وفي المقام متى جعل الحرمة لشرب الخمر الواقعي فقد جعل الحرمة لشرب مقطوع الخمرية ايضا، ان اريد ذلك فيرد عليه ان هذه الملازمة وان كانت ممكنة ثبوتا الا انها غير واقعة في مقام الاثبات، لان جعل الوجوب لشيء من المولى لا يمكن ان يكون جزافا وبلا نكتة تبرر ذلك الجعل، فان صدور اللغو والجزاف من المولى غير معقول، فإذن جعل الوجوب للمقدمة لا محالة باحد امرين، اما من جهة ان هذا الوجوب يكون كاشفا عن وجود الملاك في المقدمة ومبرزا له، وجعل الوجوب يكون بداعي ابراز وجود الملاك في المقدمة، او من جهة ان هذا الوجوب بداعي تحديد وظيفة المكلف سعة وضيقا بالنسبة الى حق الطاعة للمولى، فالجعل اذا كان لاحد هذين الامرين لا مانع منه .
ولكن، كلا الامرين مفقود في المقام، اما الامر الاول فلا ملاك في المقدمة والملاك انما هو قائم بذي المقدمة، اذ لو كان فيها ملاك لكان وجوبها نفسيا لا غيريا، فعندئذٍ لا تكون مقدمة، فإذن لا ملاك في المقدمة حتى يكون وجوبا بداعي ابراز الملاك فيها، واما الثاني فقد ذكرنا سابقا ان وجوب المقدمة وجوب غيري وليس مركزا ومصبا لحق الطاعة، فلا يجب على المكلف لا طاعة وجوب المقدمة ولا حرمة مخالفته ولهذا لا يستحق العقوبة على مخالفة وجوب المقدمة ولا يستحق المثوبة على موافقته، فوجوب المقدمة وجوب غيري وهو ليس بوجوب حقيقي مولوي حتى يكون مركزا ومصبا لحق الطاعة للمولى .
فإذن الوجوب الغيري لا يكون مركزا ومصبا لحق الطاعة للمولى، فلا يمكن جعله بهذا الداعي ايضا ولهذا يكون جعل الوجوب للمقدمة لغوا، ومن هنا بنينا على ان مقدمة الواجب ليس بواجبة وما نحن فيه ايضا كذلك، هذا من ناحية .
ومن ناحية اخرى، ان الارادة ليست ملاك اختيارية الفعل، فان ملاك اختيارية الفعل ليس كون الفعل مسبوقا بالإرادة، وذلك لوجوه :
الوجه الاول : ان كثيرا ما يصدر الفعل عن الانسان باختياره وسلطنته وقدرته بدون وجود ارادة في نفسه بمرتبتها العالية، فالفعل يصدر عن الانسان كثيرا بل قد يصدر الفعل عن الانسان مع وجود الكراهة في النفس له فضلا عن الارادة، فلو كان ملاك اختيارية الفعل كونه مسبوقا بالإرادة فيستحيل اتصاف الفعل بالاختيار مع عدم كون الارادة في نفس الانسان، فكثيرا ما يصدر الفعل الاختياري عن الانسان ومع ذلك الارادة اما غير موجودة او موجودة ولكن ليست بمرتبتها العليا او الكراهة موجودة في النفس .
الوجه الثاني : ان الارادة مهما بلغت ذروتها وحدها الاعلى لا توجب سلب السلطنة والقدرة عن الانسان بالنسبة الى فعله، ومع ذلك الانسان قادر اي له ان يفعل وله ان لا يفعل، فان هذه السلطنة ذاتية للإنسان، وهذا امر وجداني فان كل فرد اذا رجع الى وجدانه وفطرته السليمة الثابتة في اعماق نفسه تشهد على ان الارادة مهما بلغت ذروتها لا توجب سلب السلطنة والقدرة عن الانسان، فما ذكره الفلاسفة من ان الارادة علة تامة للفعل فاذا بلغت الارادة درجتها الكاملة فتوجب تحريك العضلات قهرا نحو الفعل فلا يمكن للمكلف المنع عن ايجاد الفعل وان لا يفعل، فان ترتب المعلول على العلة امر قهري ولا يمكن منع ترتبه على العلة،فالارادة اذا بلغت درجتها العالية فهي علة تامة لصدور الفعل من الانسان، والفعل مترتب على الارادة قهرا كترتب المعلول على علته، وهذا مخالف للوجدان ضرورة ان هناك فرق بين حركة يد المرتعش وبين حركة يد غيره، وبين حركة ______ وبين حركة يد الاصابع وفرق بين الافعال الاختيارية والافعال المترتبة على المرض او على الخوف كاصفرار الوجه واحمراره المترتب على الخوف قهرا، فالفرق بينهما امر وجداني .
وذكرنا ان الامر الوجداني غير قابل للبرهان، فان البرهان انما هو في الامور النظرية، أي تطبيق الكبرى على الصغرى، وما الامر الوجداني فهو مدرك مباشرة بالوجدان بلا حاجة الى تطبيق الكبرى على الصغرى .
فإذن الارادة مهما بلغت ذروتها ودرجتها العالية لا تكون علة تامة لصدور الفعل عن المكلف .
الوجه الثالث : ان الارادة لو كانت علة تامة للأفعال، فلا فرق حينئذٍ بين الافعال الاختيارية والافعال المترتبة على المرض كحركة يد المرتعش او المترتبة على الخوف كاصفرار الوجه ونحوه، فان الافعال الاختيارية هي الافعال المعلولة للإرادة وترتبها على الارادة قهري كترتب اصفرار الوجه على الخوف، وايضا لو كانت الارادة علة تامة لأدى ذلك الى ابطال ارسال الرسل وانزال الكتب وتبليغ الاحكام، فان المكلف غير قادر على الفعل وتوجيه التكليف اليه حينئذٍ لغو، فاذا فرضنا ان الارادة علة تامة للفعل وترتب الفعل على الارادة امر قهري فلا معنى للتكليف اذ التكليف حينئذٍ لغو، فاذا تحققت الارادة لدى المكلف بالنسبة الى الصلاة فالصلاة تتحقق في الخارج قهرا، وان لم توجد الارادة في نفس الانسان لها فيستحيل تحقق الصلاة في الخارج، اذ وجود المعلول مستحيل بدون وجود العلة والمفروض ان الارادة علة، فان وجدت وجد المعلول وان لم توجد يستحيل وجود المعلول، فمن اجل ذلك يكون ارسال الرسل وانزال الكتب وتبليغ الاحكام لغوا، وقد فصلنا الحديث في ذلك في مبحث الجبر والتفويض.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo