< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجرّي
الجهة الثالثة : في التجري
ويقع الكلام فيه في جهات :
الجهة الأولى : إنَّ المكلف اذا قطع بحرمة شيء او بوجوب شيء اخر وخالف وارتكب الحرام وكان قطعه مطابقا للواقع فلا شبهة في استحقاقه العقوبة والادانة كما انه اذا عمل بقطعه فلا شبهة في استحقاقه المثوبة اذا كان القطع مطابقا للواقع سواء أ كان القطع بالحرمة او بالوجوب، واما اذا قطع بحرمة شيء لم يكن مطابقا للواقع كما اذا قطع بحرمة شرب هذا المائع باعتقاد انه خمر في الواقع ولكن في الواقع انه خل، او اعتقد وقطع بوجوب شيء كما اذا قطع بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال مع انه في الواقع غير واجب بل هو مستحب، ففي مثل ذلك اذا خالف قطعه وتجرأ على المولى وتمرد فهل يستحق الادانة والعقوبة او لا يستحقها ؟ كما انه لو وافق هذا القطع وعمل على طبقه فهل يستحق المثوبة باعتبار انه انقياد للمولى او لا يستحقها ؟
هذا هو محل الكلام في المقام، فهل هناك فرق بين العاصي والمتجري في استحقاق الادانة والعقوبة او لا يكون بينهما فرق ؟
ثم ان هذا البحث لا يختص بالقطع، بل يجري في مطلق المنجز سواء اكان قطعا بالتكليف ام كان ظنا او احتمالا، فالمناط انما هو على المنجز سواء أكان المنجز عقليا كما في القطع فان الحاكم بان القطع منجز هو العقل او احتمال التكليف في اطراف الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي فان المنجز في كل طرف من اطراف التكليف هو احتماله باعتبار ان الاصل المؤمن لا يجري و يسقط اما من جهة المعارضة او انه في نفسه لا يجري، أي ان ادلة الاصول المؤمنة في نفسها قاصرة عن شمول اطراف العلم الاجمالي، فعلا كلا التقديرين الاصول المؤمنة لا تجري في اطراف العلم الاجمالي، فإذن احتمال التكليف منجز عقلا، أو كان المنجز شرعيا كما في الامارات كمنجزية اخبار الثقة بعد حجيتها، ومنجزية ظواهر الآيات والروايات بعد حجيتها .
فإذن بحث التجري لا يختص بالقطع بل يجري في مطلق المنجز، فهل مخالفة مطلق المنجز وان لم يكن مطابقا للواقع توجب استحقاق العقوبة او لا توجب استحقاقها ؟
الجهة الثانية : لا شبهة في ان المكلف يستحق العقوبة على مخالفة القطع اذا كان مطابقا للواقع سواء كان القطع بالحرمة او كان القطع بالوجوب، وانما الكلام في ان القطع اذا لم يكن مطابقا للواقع فهل يستحق العقوبة على المخالفة ام لا ؟ وبعبارة اخرى هل المتجري كالعاصي او لا ؟ فيه اقوال :
القول الاول : ما ذكره شيخنا الانصاري (قده) من ان التجري ليس بقبيح، وانما هو كاشف عن خبث سريرة الفاعل، فاذا قطع بحرمة شرب مائع ومع ذلك تجرى وشرب عالما وملتفتا بانه حرام، فلا شبهة في ان هذا العمل يكشف عن خبث باطنه وسوء سريرته، فالفعل المتجرى به ليس بقبيح فان فعل المتجرى به هو شرب هذا المائع وشرب هذا المائع في الواقع مباح وليس بقبيح، ولكن شربه يكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث باطنه [1].
القول الثاني : ما أختاره المحقق النائيني (قده) من ان التجري قبيح ولا شبهة في قبحه، ولكن قبحه فاعلي وليس بفعلي، يعني ان الفاعل شخص سيء وخبيث، واما الفعل المتجرى به فهو ليس بقبيح، فان الفعل المتجرى به بعنوانه الاولي مباح لأنه شرب للخل او شرب الماء سواء أكان مملوكا للشارب او مباحا، وليس هنا عنوان ثانوي يعرض على الفعل المتجرى به ويوجب قبحه غير تعلق القطع بحرمته، والقطع ليس من العناوين المقبحة .
فإذن التجري لا شبهة في قبحه ولكن قبحه فاعلي وليس بفعلي، فمن اجل ذلك لا يستحق المتجري العقوبة، فان الانسان لا يستحق العقوبة على سوء سريرته، وقبح باطنه فانه خارج عن اختياره وانما يستحق العقوبة على الفعل الخارجي الصادر منه باختياره وارادته او يستحق المثوبة عليه .
فإذن المتجري ليس كالعاصي، فان العاصي يستحق العقوبة لان الفعل الخارجي الذي اتى به مبغوض للمولى وهو منجز على المكلف، فالمكلف قام بارتكابه ملتفتا وعالما بانه محرم او بانه واجب وقد قام بتركه، ولهذا يستحق الادانة والعقوبة، واما في باب التجري فلا يرتكب الحرام لان ما فعله خارجا مباح، والمفروض ان المكلف لا يستحق العقوبة على سوء سريرته وخبث باطنه، فمن اجل ذلك المتجري ليس كالعاصي [2].
القول الثالث : ان المتجري يستحق الادانة والعقوبة كالعاصي ولا فرق بينهما [3]، فكما ان العاصي يستحق العقوبة فكذلك المتجري، وهذا القول هو الصحيح .
والوجه في ذلك : ان المتجري قد تجرأ على المولى عن علم وعمد، وقام بالطغيان على المولى وانتهاك حرمته وتفويت حقه وخروجه عن ذل الرقيّة وعن حدود العبودية، وهذا من اظهر افراد الظلم، فان الطغيان على المولى الحقيقي الذي هو خالقنا ورازقنا وجميع ما في ايدينا بيده تعالى وتقدس وانتهاك حرمته والتعدي عليه وتفويت حقه من أظهر افراد الظلم، فمن اجل ذلك لا شبهة في استحقاق العقوبة، فان ملاك استحقاق العقوبة هو تفويت حق الطاعة للمولى، فان للمولى حق الطاعة على عباده في المرتبة السابقة وتفويت هذا الحق وسلب المولى عن هذا الحق مصداق للظلم بل هو من أظهر افراد الظلم فمن اجل ذلك يستحق العقوبة والادانة، ولا فرق من هذه الناحية بين المتجري والعاصي فان العاصي ايضا يستحق العقوبة على تفويت حق المولى لا على ارتكاب الفعل الواقعي او ترك الواجب في الواقع او ارتكاب الحرام في الواقع، وانما يستحق العقوبة على تفويت حقه وانتهاك حرمة المولى والتعدي عليه والتجاوز على حقه وسلبه عن حقه الذي هو معنى الظلم .
فإذن ملاك استحقاق العقوبة والادانة في العاصي والمتجري شيء واحد، اما مطابقة الواقع وعدم مطابقته فهو خارج عن اختيار المكلف بل هو امر اتفاقي، والذي هو بيد المكلف هو تفويت حق المولى والتجري والتمرد عليه عالما وملتفتا والطغيان على المولى وانتهاك حرمته، هذا هو ملاك استحقاق العقوبة والادانة سواء أ كان القطع مطابقا للواقع ام لم يكن، فليس ملاك العقوبة ارتكاب الواقع المبغوض او ترك الواجب في الواقع، بل ملاكه انتهاك حرمة المولى عالما وملتفتا ومن اجل ذلك يستحق العقوبة والادانة عند الشارع ويستحق الذم عند العقلاء .
ثم ان هنا تصوريين :
التصوّر الاول : ان موضوع حق الطاعة وحق المولوية الثابت على العباد في المرتبة السابقة هو التكليف الواقعي الالزامي ومخالفته توجب العقوبة لأنها توجب تفويت هذا الحق وموافقته توجب المثوبة لأنها توجب ايصال صاحب الحق الى حقه، ولكن هذا التصوّر لا اساس له، اذ لا يمكن ان يكون التكليف بوجوده الواقعي موضوعا لحق الطاعة الثابت للمولى على العبد في المرتبة السابقة والا لزم ان يكون المكلف مستحقا للعقوبة على ترك التكليف في موارد الجهل المركب ايضا، ولكن مرّ ان حق الطاعة لم يثبت في موارد الجهل المركب ولا يعمها، فالتكليف بوجوده الواقعي ليس موضوعا لهذا الحق .
التصوّر الثاني : ان موضوع حق الطاعة الثابت للمولى على العبد في المرتبة السابقة الذي تفويته هو ملاك استحقاق العقوبة وادائه هو ملاك استحقاق المثوبة القطع بالتكليف او ما يشبه القطع في المنجزية .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo