< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : القطع
ذكرنا أن صاحب الكفاية (قده) قد أدرج في التقسيم مجموعة من العناصر لم تكن موجودةً في تقسيم الشيخ (قده) .
العنصر الأول : أنه (قده) جعل المقسم البالغ الذي وضع عليه القلم، بينما المقسم في تقسيم الشيخ المكلف الذي إلتفت الى حكم شرعي .
العنصر الثاني : أنه (قده) قد قيد الحكم بالحكم الفعلي، بينما الشيخ لم يقيد الحكم الوارد في التقسيم بالفعلي .
العنصر الثالث : أنه (قده) جعل الحكم أعم من الحكم الواقعي والحكم الظاهري، بينما يكون مراد الشيخ من الحكم هو خصوص الحكم الواقعي .
العنصر الرابع : أنه (قده) جعل التقسم ثنائياً، بينما الشيخ جعله ثلاثياً .
أما العنصر الأول ، وهو جعل المقسم البالغ الذي وضع عليه القلم، فهو مبني على نكتةٍ، وهي أن المقسم لو كان هو المكلف لكان تقيده بالإلتفات لغواً، فإنَّ المكلف في نفسه ظاهر في المكلف الفعلي الملتفت الى أنه مأمور ومكلف بالأحكام الشرعية الألزامية من الوجوبات والتحريمات، فتقيده بالإلتفات يكون لغواً، لأنَّ المشتق ظاهر في المتلبس بالمبدأ بالفعل، والمكلف ظاهر في المتلبس بالتكليف بالفعل، فيكون القيد قيداً توضيحياً وليس حقيقياً، فمن أجل ذلك جعل المقسم البالغ الذي جعل عليه القلم، لأن تقيده بالإلتفات لا يرد عليه هذا الإشكال، فإذن عدول صاحب الكفاية عما جعله الشيخ مقسماً مبنيٌ على هذه النكتة .
والجواب عن ذلك ، أن ماذكر من النكتة إنما يتم إذا كان المراد من الإلتفات مطلق التوجه الى الأحكام الشرعية، بأن يرى المكلف أنه مأمور بالأحكام الشرعية من الوجوبات والتحريمات، وملتفت اليها، وحينئذٍ يتم إشكال صاحب الكفاية على الشيخ، إلا أن الظاهر أن مراد الشيخ من الإلتفات هو النظر الى الأدلة من كافة جهاتها داخلياً وخارجياً، والإلتفات بهذا المعنى مختص بالمجتهد، والعامي لا يتمكن من ذلك، فإذن لا يلزم ما ذكره (قده) من المحذور، ولا يرد ماذكره صاحب الكفاية .
وأما العنصر الثاني ، فإنه (قده) قد قيد الحكم بالفعلي، وهو مبني على تخيّل أن الآثار الشرعية إنما هي مترتبةٌ على الأحكام الفعلية، كالتنجز والتعذر والموافقة والمثوبة وماشاكل ذلك، فإنَّ المكلف مأمور بالإتيان بالواجبات الألهية الفعلية والإجتناب عن المحرمات الإلهية كذلك، فالأثر إنما يترتب على الأحكام الفعلية، واما الأحكام الإنشائية في مرحلة الجعل فلا أثر لها، إذ لا تترتب عليها شيء من هذه الآثار، فمن أجل هذه النكتة قد قيد الحكم في التقسيم بالفعلي .
والجواب عن ذلك واضح ، فإنَّ للأحكام الفعلية آثاراً وهي تنجزها وتعذرها وإستحقاق العقاب على مخالفتها والثواب على موافقتها، فهذه الآثار آثارٌ للأحكام الفعلية الواصلة الى المكلف المنجزة عليه، ولا تترتب على الأحكام الإنشائية في مرحلة الجعل، فإنَّ المكلف طالما لم يدخل عليه الوقت فلا يكون مأموراً بالصلاة ولا يستحق العقوبة على ترك الصلاة قبل الوقت ولا المثوبة على الإتيان بها قبل الوقت، فشيء من هذه الآثار غير مترتب على الأحكام الإنشائية في مرحلة الجعل، وأما إذا دخل الوقت وصار وجوب الصلاة فعلياً ومنجزاً على المكلف، فهذه الآثار تترتب عليه، لأنه يرى نفسه مأموراً بالصلاة ويرى أنه مستحق للعقوبة على تركها والمثوبة على فعلها .
وأما الآثار المترتبة على الأحكام الإنشائية في مرحلة الجعل فهي فتوى الفقيه، وعملية الإستنباط، فإنَّ المجتهد ينظر الى الأدلة المتكفلة لجعل الأحكام الشرعية بنحو القضية الحقيقية التي أُخذ الموضوع فيها مفروض الوجود في الخارج سواء أ كان موجودا فيه أم لم يكن، مثلاً المجتهد ينظر الى الأدلة المبينة لأن الماء إذا تغيّر بأحد أوصاف النجس تنجس، سنداً ودلالةً وجهةً، فإذا تمت هذه الأدلة لدى المجتهد ولم يكن لها معارض ولا مقيد ولامخصص، فعندئذٍ يفتي المجتهد بنجاسة الماء المتغير بأحد أوصاف النجس وإن كان الماء بقدر الكر أو كان الماء جارياً، سواء أ كان الماء المتغير موجودا في الخارج أم لم يكن موجوداً .
فإذن فتوى الفقيه وعملية الإستنباط إنما هي بنحو القضية الحقيقية ومن الآثار للأحكام الإنشائية في مرحلة الجعل.
وعليه، لا وجه لتقيد الحكم في التقسيم بالفعلي، لأن الآثار لا تكون مختصة بالحكم الفعلي غاية الأمر أن الآثار المترتبة على الحكم الفعلي غير الآثار المترتبة على الحكم الإنشائي في مرحلة الجعل .
وأما العنصر الثالث ، فقد ذكر (قده) أن بحث القطع والظن والشك ليس مختصاً بالحكم الواقعي، فكما أن البحث يجري في الحكم الواقعي فكذلك يجري في الحكم الظاهري أيضاً .
ولكن سوف نبين أن المراد من الحكم في التقسيم هو الحكم الواقعي وليس المراد منه الأعم من الحكم الواقعي والحكم الظاهري .
وأما العنصر الرابع ، وهو جعل التقسيم ثنائياً، فإن المجتهد إذا نظر الى الأدلة فإما أن يحصل له القطع بالحكم وإما أن لايحصل له القطع فينتهي به الأمر الى الظن الإنسدادي على القول بالحكومة، فإن لم يحصل له هذا الظن فينتهي أمره الى الإصول العملية العقلية كقاعدة قبح العقاب بلا بيان وقاعدة الإشتغال، وهذا مبني على ان الحكم الظاهري لا يقع متعلقاً للظن لأنه أما أن يكون مقطوعا أو لايكون كذلك، ولا ثالث في البين، فإنَّ الدليل إن كان قطعياً من تمام الجهات فهو يفيد القطع بالحكم الواقعي، وأما إذا كان ظنياً أو في موارد الشك فلا يفيد القطع بالحكم الواقعي ففي موارد الأمارات الشرعية وموارد الإصول العملية الشرعية، فالحكم الظاهري في كلا الموردين قطعي، فإنَّ الحكم الظاهري في موارد الأمارات وهو حجية أخبار الثقة قطعية وليس بظنية، وكذلك الحكم الظاهري في موارد الإصول العملية الشرعية كحجية الإستصحاب، فإذا لم يحصل القطع للمجتهد لا بالحكم الواقعي ولا بالحكم الظاهري فلا محالة ينتهي الأمر الى إنسداد باب العلم، إذ لو كان باب العلم أو العلمي مفتوحاً لحصل له القطع إما بالحكم الواقعي أو بالحكم الظاهري، وإذا لم يحصل له القطع لا بالحكم الواقعي ولا بالحكم الظاهري فمعناه أن أخبار الثقة لم تكن حجة، أي أن المجتهد لم يتمكن من إثبات حجية أخبار الثقة وظواهر الألفاظ كظواهر الكتاب والسنة، فإذن باب العلمي منسد على المجتهد، وكذلك لم يتمكن من إثبات حجية البراءة الشرعية وحجية الإستصحاب، لأن الدليل على حجيتهما أخبار الثقة، فإذا لم تكن الروايات حجة فلا يمكن إثبات حجيتهما .
فمن أجل ذلك باب العلم والعلمي منسد، وحينئذٍ ينتهي الأمر الى حكم العقل، فإن قلنا أن العقل يحكم بحجية الظن من باب الحكومة فلا مناص من العمل به، وإن قلنا أن العقل لا يحكم بذلك أو لم يحصل الظن فالمرجع هو الإصول العملية العقلية كقاعدة قبح العقاب بلا بيان وقاعدة الإشتغال، فمن أجل ذلك جعل التقسيم ثنائياً
ولكن يرد عليه :
أولاً : أن الأحكام الظاهرية كالأحكام الواقعية، فكما أن الأحكام الواقعية قد يحصل القطع بها، إذا كان الدليل عليها قطعياً من جميع الجهات، وكذلك الأحكام الظاهرية، وقد يحصل الظن بها إذا لم يكن الدليل عليها قطعياً وكذلك الأحكام الظاهرية، مثلاً حجية أخبار الثقة قطعية من جهة أن دليلها قطعي وهو السيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة الممضاة شرعاً، وأما إذا قام خبر الثقة على حجية الخبر الحسن أو خبر الممدوح فحجية خبر الممدوح ظنية لأن خبر الثقة ليس بقطعي، والدليل على الحكم الظاهري إذا كان ظني فالحكم الظاهري أيضاً ظني .
فما ذكره (قده) من أن الحكم الظاهري قطعي دائماً غير تام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo