< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : القطع

إلى هنا قد تبين أنه على القول بأن خبروية أهل الخبرة منوطة بالعلم الوجداني بالواقع ولو كان علم به بالعلم التعبدي او العلم العرفي فلا يكون من أهل الخبرة وعلى ضوء هذا القول يعتبر في حجية قول أهل الخبرة وأخباره توفر عناصر ثلاثة :
العنصر الاول : ان يكون عالم بالواقع بالعلم الوجداني .
العنصر الثاني : أن يكون الواقع مشتركا بينه وبين غيره .
العنصر الثالث : أن يترتب على أخباره أثر عملي .
فإذا توفرت هذه العناصر الثلاثة كان قول أهل الخبرة حجةٌ، يجب الرجوع اليه من باب رجوع الجاهل الى العالم .
أما العنصر الأول فقد أشرنا فيما تقدم أنه لا أصل له، فإنه لو قلنا بأن خبروية أهل الخبرة منوطة بالعلم الوجداني بالواقع، فلازم ذلك ان لا يوجد أهل الخبرة في العلوم النظرية ألا نادراً، وهو خلاف الضرورة والوجدان، ولا شبهة في أن الطبيب من أهل الخبرة، وكذلك المهندس، والخبير بقيم الأشياء وما شاكل ذلك، والرجوع اليهم من باب رجوع الجاهل الى العالم .
فإذن العنصر الأول لا أصل له، ولا يمكن الأعتماد عليه، بل يكفي في كون الشخص من أهل الخبرة أن يكون عالماً بالواقع بالعلم التعبدي أو بالعلم العرفي، فإذا كان عالماً بالواقع بالعلم التعبدي أو العرفي كفى ذلك في كونه من أهل الخبرة ويجب الرجوع اليه من باب الرجوع الى أهل الخبرة والرجوع الى العالم .
وأما العنصر الثاني فهل يعتبر في أهل الخبرة أن يكون الواقع مشتركاً بينه وبين غيره أو أنه غير معتبر ؟ وسوف نشير اليه .
وأما العنصر الثالث، فلا شبهة في أعتباره فإنّ سيرة العقلاء الجارية على حجية قول أهل الخبرة وإخباره إنما جرت فيما إذا ترتب عليه أثر عملي، وأما إذا لم يترتب عليه أي أثر عملي فلا يكون مشمولاً للسيرة .
وعلى هذا، فإذا فرضنا أن إخبار المجتهد عن الاحكام الظاهرية لعلمه بها وجداناً، ولكن الاحكام الظاهرية لا تثبت الواقع بالعلم الوجداني، وإنما تثبت الواقع تعبداً أو تنجيزاً، فبناءاً على إعتبار العنصر الأول، فالمجتهد من أهل الخبرة بالنسبة الى الاحكام الظاهرية دون الاحكام الواقعية، ولكن إخبار المجتهد عن الاحكام الظاهرية لا يترتب عليه أي أثر عملي، فإن الاحكام الظاهرية ليست أحكاماً موضوعية، بل هي طريقية محضة، وشأنها إثبات الواقع تعبداً أو تنجيزاً وليس لها شأن أخر، ولهذا لاتترتب على مخالفتها عقوبةٌ وعلى موافقتها مثوبةٌ فمن أجل ذلك إخبار المجتهد عن الاحكام الظاهرية لا يكون حجة، ولا يكون مشمولاً للسيرة حتى يجب على غيره الرجوع اليه فيها، ولكن بما أن العلم الوجداني غير معتبرٍ في كون الشخص من أهل الخبرة بالواقع، فالمجتهد يكون من أهل الخبرة بالنسبة الى إثبات الواقع لأن الاحكام الظاهرية تثبت الواقع تعبداً أو تنجيزاً، فيجب على غيره الرجوع اليه من باب رجوع
الجاهل الى العالم او من باب الرجوع الى أهل الخبرة والبصيرة، بإعتبار أن قول المجتهد وإخباره عن الواقع يترتب عليه أثر عمليٌ، ويكون مشمولاً للسيرة .
بقي هنا مسألتان :
الأولى : هل يعتبر في كون الشخص من أهل الخبرة أن يكون إخباره عن الواقع المشترك بينه وبين غيره أو لا يعتبر ذلك ؟
والظاهر عدم إعتباره، فيكفي في كون الشخص من أهل الخبرة أن يكون الواقع مختصاً بغيره، كما هو الحال في أحكام النساء، فإن المجتهد عالمٌ بأحكام النساء كأحكام الحيض والنفاس وماشاكل ذلك، بالعلم التعبدي، ولا شبهة في أنه يصدق على المجتهد أنه من أهل الخبرة مع أن الواقع لا يكون مشتركاً بينه وبين غيره، بل الواقع مختصاً بالنساء، فإذن لا يتوقف صدق أهل الخبرة على كون الواقع مشتركاً بينه وبين غيره وسوف يأتي تفصيله .
الثانية : لا شبهة في أن حجية الأمارات التي هي أحكام ظاهرية كأخبار الثقة وظواهر الكتاب والسنة مشروطةٌ بالفحص عن المخصص والمقيد والمعارض وماشاكل ذلك، وهذا الفحص مختصٌ بالمجتهد، ولا يتمكن غيره من هذا الفحص، لكن الكلام في أن هذا الفحص هل هو مختص بالمجتهد الأعلم أو أنه يعم الجميع بلا فرق بين الأعلم وغيره ؟
أما على الأول وهو أختصاص الفحص الذي هو شرط للوجوب بالمجتهد الأعلم، فلا أثر لفحص غير الأعلم، ولا يكون شرطاً لحجية إخبار الثقة وغيرها من الأمارات، ولا يجوز للمجتهد غير الأعلم الإفتاء إستناداً إليها لإنها ليست حجةً بالنسبة إليه، بإعتبار أن فحصه ليس شرطاً لحجية الأمارات، ووجوده كالعدم، ولا يترتب عليه أي أثر .
فإذن الشرط لحجية إخبار الثقة وظواهر الكتاب والسنة هو فحص أهل الخبرة إذا كان أعلم، وأما على الثاني وهو ان الشرط هو فحص كل مجتهد أعم من أن يكون أعلم او لايكون أعلم فإذا قام المجتهد غير الأعلم بالفحص تحقق شرط الحجية حتى بالنسبة الى المجتهد الأعلم، وهو كما ترى .
وهذا الإشكال غير وارد بكلا شقيه، أما الشق الأول فلأن من يقوم بالفحص من المجتهدين في الغالب يرى نفسه أعلم من غيره أو مساويا له، وأما إذا رأى نفسه أنه غير أعلم، ولكنه لا يعتبر في نظره الأعلمية في وجوب الفحص أي أن الشرط لا يكون هو فحص الأعلم، فينحل الإشكال، فإن من يرى نفسه غير أعلم يرى ان الأعلمية غير معتبرة في وجوب الفحص، وأن الفحص شرط مطلقاً سواء أكان من الأعلم أو من غير الأعلم .
وأما الشق الثاني، فهو مبني على أن يكون الفحص بصرف وجوده شرطاً، والأمر ليس كذلك، فإن فحص كل مجتهد شرطٌ في حجية الأمارات بالنسبة اليه، ولايكفي فحص مجتهد في حجية الأمارات بالنسبة الى مجتهد أخر، فكل مجتهد لابد أن يقوم بالفحص عن المقيد والمخصص والمعارض حتى يحرز أن هذه الأمارة حجةٌ، ولا مقيد ولا مخصص ولا معارض له، فإذن هذا الإشكال مبنيٌ على أن الفحص بصرف وجوده شرطاً، والأمر ليس كذلك .
هذا كله في المرحلة الأولى، وهي الأحكام الظاهرية في موارد الأمارات .
وأما الكلام في المرحلة الثانية، وهي الإصول العملية الشرعية كالإستصحاب وأصالة البراءة وأصالة الأحتياط الشرعية وأصالة الطهارة وماشاكل ذلك، فإنها أحكام ظاهرية، وهي مختصة بالمجتهد، فإنّ الإستصحاب مختصٌ بالمجتهد لإختصاص موضوعه به، وهو اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها، فإن تحصيل اليقين للحالة السابقة والشك في بقائها في الشبهات الحكمية، مختص بالمجتهد، ولا يتمكن غيره من ذلك، فإن حصول هذا اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائه منوطٌ بالفحص وعدم وجدان الدليل أو وجدان الدليل المجمل أو الدليل المعارض، فمن أجل ذلك يحصل له الشك، فإن كانت حالته السابقة متيقنة، فهو مورد للإستصحاب، وإلا فهو مورد لأصالة البراءة، فالإستصحاب كأصالة البر اءة الشرعية، مختص بالمجتهد لإختصاص موضوعه به، وعلى هذا فلا يجوز الرجوع الى المجتهد بالنسبة الى هذا الحكم الظاهري وتقليده به والعمل به لأن الرجوع إليه في هذا الحكم في الإستصحاب أو أصالة البراءة الشرعية غير جائز لانه تشريع محرمٌ من جهة أختصاص هذا الحكم بالمجتهد لإختصاص موضوعه به، ولا يجوز للمجتهد الإفتاء بمضمون الإستصحاب أو بمضمون أصالة البراءة، لأنه إفتاء بغير ماأنزل الله وإغراء للجاهل، فمن أجل ذلك لا يجوز الرجوع الى المجتهد في موارد الأصول العملية الشرعية، لإختصاصها بالمجتهدين من جهة أختصاص موضوعاتها بهم .
هذا ملخص الأشكال في المسألة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo