< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

36/11/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

بقي هنا أمران:-

الامر الاول:- ذكر انه يستحب دفع زكاة اهل البادية لأهل البادية واهل الحضر لأهل الحضر لأنه قد ورد في الصحيحة ان النبي الاكرم (صلى الله عبيه وآله) قسم زكاة أهل البادية في البادية وزكاة أهل الحضر في الحضر ، وهذا يدل على الاستحباب.

ولكن الكلام فعلا في ان هذا التقسيم من النبي الاكرم هل يدل على الاستحباب او لا يدل؟

الجواب:- لا شبهة ان فعل المعصوم (عليه السلام) يدل على الاولوية وعلى الرجحان ، وأما الاستحباب الشرعي فإستفادته من الفعل مشكل ، فلعله توجد مصلحة أخرى غير الاستحباب الشرعي مثلُ ان لا يقول اهل البادية انه وزع زكاتهم على اهل الحضر.

وذكر بعضهم ان هذا التقسيم بلحاظ اعطاء زكاة اهل البادية لأهل البلد يستلزم نقل الزكاة من منطقة الى منطقة اخرى والنقل غير جائز ، ومن اجل ذلك قسم النبي الاكرم زكاة اهل البادية في اهل البادية وزكاة اهل البلد في اهل البلد.

ولكن هذا البيان غير صحيح ، فان مقتضى اطلاق هذه الرواية هو ان النبي الاكرم قسم ذلك حتى لو كان اهل البلد واهل البادية موجودين في مكان واحد ، فمع ذلك قسم زكاة اهل البلد في اهل البلد وزكاة اهل البادية في اهل البادية , فما ذكره البعض لتفسير هذه الرواية غير جائز.

وذكر البعض ان هذا التقسيم بلحاظ ان الزكاة فان الزكاة لابد ان تعطى للمثل ، فزكاة اهل البادية لابد ان تعطى لأهل البادية وزكاة اهل البلد لأهل البلد.

ولكن هذا ايضا لا وجه له ولا دليل عليه ، وهو مجرد اعتبار لا اثر له.

وكيف ما كان فهذا التقسيم لا يدل شيء لأنه فعلٌ للنبي الاكرم (صلى الله عبيه وآله) والفعلُ جهته مجهولة لا نعلم انه للاستحباب او لمصلحة اخرى مثل دفع الحزازة او ما شاكل ذلك.

الامر الثاني:- ذكر الماتن (قدس الله نفسه):- (كما أنه يستحب ترجيح الأقارب وتفضيلهم على الأجانب)[1] .

فقد يقال:- ان صحيحة محمد ابن مسلم وزرارة منافية لذلك فان الوارد فيها ان الصدقة لا يحابيها قريب ولا يمنعها بعيد؟

ولكن يقال:- ان الظاهر ان هذه الصحيحة لا تنافي هذا الاستحباب فان هذه الصحيحة في مقام بيان انه لا تدفع الزكاة كلها للقريب بحيث يـُحرم البعيد منها ، ولا تدل على عدم تقديم الاقارب على الاجانب وانه لا يكون مستحبا كما ورد نظيره في صحيحة اخرى.

ثم بعد ذلك ذكر الماتن (قدس الله نفسه):- (إذا قال المالك: أخرجت زكاة مالي أو لم يتعلق بمالي شئ قبل قوله بلا بينة ولا يمين)[2] .

هذا مما لا شبهة فيه لان ولاية اخراج الزكاة للمالك وولاية دفعها الى مستحقيها للمالك ولا يجب عليه نقل الزكاة الى الحاكم الشرعي بل الولاية له على تقسيمها وتوزيعها على مستحقيها ولهذا لا شبهة في قبول قوله بالنسبة للزكاة التي تحت ولايته فهو مالك لولاية الزكاة وهو مشمول لقوله (عليه السلام) من ملك شيئا ملك الاقرار به ، ولذلك قوله مقبول سواء قال انه دفع الزكاة او قال انه لم يتعلق الزكاة بماله لعدم اكتمال النصاب ولا يطلب يمين منه ولا بينة.

واما عدم طلب اليمين منه فقد علل ذلك السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) بان قوله مطابق للأصل وهو عدم تعلق الزكاة بماله ومطابق لعدم بلوغ ماله حد النصاب وحيث ان قوله مطابق للأصل فهو حجة بلا يمين.

والظاهر انه لا نحتاج الى ذلك فان قوله حجة سواء اكان مطابقا للأصل او مخالفا ، فان قوله من الامارات وداخل في قوله (عليه السلام) من ملك شيئا ملك الاقرار به ولا شبهة في حجية قوله كحجية قول الوكيل بل هو اولى من الوكيل ، فاذن التعليل بان قوله مطابق للأصل لا وجه له.

ومضافا الى ذلك فانه يدل عليه بعض الروايات المعتبرة:-

الاولى:- صحيحة زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ـ (في حديث زكاة الابل ـ قال : وكل من وجبت عليه جذعة ولم تكن عنده وكانت عنده حقة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده وكانت عنده جذعة دفعها وأخذ من المصدق شاتين او عشرين درهما ، ومن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده حقة دفعها واعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض دفعها وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكان عنده ابن لبون ذكر فانه يقبل منه ابن لبون وليس يدفع معه شيئا)[3] .

الثانية:- صحيحة بريد بن معاوية (قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : بعث امير المؤمنين ( عليه السلام ) مصدقا من الكوفة إلى باديتها ، فقال له : يا عبدالله ، انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ، ولا تؤثر دنياك على آخرتك ، وكن حافظا لما ائتمنتك عليه ، راعيا لحق الله فيه ، حتى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ، ثم قل لهم : يا عباد الله ، أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه ، فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا ، فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا باذنه فان أكثره له ، فقل : يا عبدالله ، أتأذن لي في دخول مالك ؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء ، فأيهما اختار فلا تعرض له ، ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ، ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله ، فاذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه ، وإن استقالك فأقله ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله ، فاذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشيء منها ، ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل ناد الينا نصيره حيث أمر الله عزّ وجلّ ، فاذا انحدر بها رسولك فأوعز اليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ، ولا يفرق بينهما ، ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها ، ولا يجهدنها ركوبا ، وليعدل بينهن في ذلك ، وليوردهن كل ماء يمربه ، ولا يعدل بهن عن نبت الارض إلى جواد الطرق في الساعة التي فيها تريح وتغبق ، وليرفق بهن جهده حتى تأتينا باذن الله سبحانه سحاحا سمانا غير متعبات ولا مجهدات فنُقسمهن باذن الله على كتاب الله وسنة نبيه على اولياء الله ، فان ذلك أعظم لأجرك ، وأقرب لرشدك ، ينظر الله إليها وإليك ، وآل جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته ، فان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولامامه إلا كان معنا في الرفيق الأعلى)[4] .

فهذه الرواية اولاً في مقام بيان صفات المصدق ، فلابد ان يكون تعامله مع الناس بالاعتدال وبالرأفة والرحمة وبكلام طيب وتسال منهم وكل من عليه زكاة في ماله تؤديه فان قال لا ، تقبل قوله فهذه الصحيحة تدل بوضوح على حجية قول المالك.

الثالثة:- صحيحة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) (قال : كان علي صلوات الله عليه إذا بعث مصدقه قال له : اذا أتيت على رب المال فقل : تصدق رحمك الله مما أعطاك الله ، فان ولى عنك فلا تراجعه)[5] .

فان هذه الصحيحة ايضا واضحة الدلالة على قبول قوله وان قوله حجة فاذا قال لا ، فلا تراجعه مرة ثانية.

اذن مضافا الى ان قبول قوله على مقتضى القاعدة فانه تدل عليه هذه الروايات.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo