< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

34/08/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 ذكرنا ان المستفاد من الروايات المتقدمة التي تدل على جواز الخروج من المسجد من اجل حاجة ضرورية شرعية او عرفية او من اجل تشييع جنازة او عيادة مريض المتفاهم العرفي منها هو الخروج على النحو المتعارف في المشي باختيار الطريق وفي قضاء الحاجة بحيث لا يكون متسامحا ومتساهلا في قضاء الحاجة , فاذا فرضنا ان قضاء حاجة يستغرق من الوقت نصف ساعة مثلاً وهو يتسامح ويتساهل ويأخذ من الوقت بمقدار ساعة فهذا لا يجوز فان تاخيره بمثل الساعة كان عمديا وهو موجب لبطلان الاعتكاف ولا يجوز له ان يبقى خارج المسجد , فان بقاءه خارج المسجد اكثر من المتعارف اذا كان عمديا فهو مبطل , وكذلك الحال في المشي اذا كان متأنياً بحيث يكون المتعارف من المشي يمكنه طي هذه المسافة بربع ساعة مثلا وهو يستغرق اكثر من نصف ساعة , فلا يجوز بقاءه في خارج المسجد بهذا المقدار الزائد من الوقت فانه يبقى في الخارج متعمدا وهو مبطل لاعتكافه . وكذلك الحال في الطريقين اذا كان احدهما اقرب من الآخر , فاذا كان الطريق الاقرب طريقاً غير متعارف كما اذا كان طريقا جبليا ولا يذهب فيه بحسب المتعارف الاّ نادراً فلا يجب عليه اختيار هذا الطريق ويجوز له اختيار الطريق المتعارف الآخر وان كان اطول منه , ولا يجب عليه اختيار اقصر الطريقين , واما اذا كان هناك طريقان وكلاهما متعارف ولكن احدهما اقصر من الآخر لخصوصية فهل يجب عليه اختيار الطريق الاقصر او لا يجب ؟ الظاهر عدم الوجوب فان يجوز له اختيار الطريق المتعارف في المشي والوصول الى مكان حاجته وكلا الطريقين متعارف وان كان احدهما اقصر من الآخر فالمستفاد من الروايات المتقدمة اختيار الطريق المتعارف والمشي المتعارف ولا يجب عليه الاسراع في المشي , فلا يجب عليه اختيار الطريق الاقصر اذا كان كلاهما متعارفاً , وعلى هذا فما ذكره الماتن (قده) من الاحتياط مطلقاً وكذلك ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من الفتوى مطلقاً بوجوب اختيار الطريق الاقصر لا يتم على اطلاقه بل لابد من التفصيل في المقام .
 ثم ذكر الماتن (قده) : ويجب ايضاً ان لا يجلس تحت الظلال مع الامكان .
 هذا منصوص ودلت عليه صحيحة داود بن سرحان( [1] ) , واما الماتن (قده) فقد قيده بالامكان وهذا القيد لم يرد في الروايات , والظاهر ان مراده (قده) به الامكان العرفي - اي اذا لم تكن هناك حاجة او ضرورة للجلوس فلا يجلس تحت الظلال , واما مع الحاجة او الضرورة فلا بأس - .
 ثم ذكر الماتن (قده) : بل الاحوط ان لا يمشي تحته ايضاً .
 وذكر صاحب الوسائل (قده) انه لا يجوز ان يجلس تحت الظلال ولا يمشي تحته( [2] ) , اما المشي تحت الظلال فلا دليل عليه اصلاً ولم يرد في شيء من الروايات . والوارد هو عدم جواز الجلوس تحت الظلال والنهي عنه , ولا يمكن قياس المعتكف بالمحرم , فان المحرم لا يجوز له المشي تحت الظلال المتحرك واما الظلال الثابت كجدران البيوت او ظلال الاشجار او الجبال او النفق او الجسر فلا مانع من ان يمشي تحته , فالنتيجة ان ما ذكره صاحب الوسائل (قده) من عدم الجواز , وما ذكره الماتن (قده) من الاحتياط فلا دليل عليه .
 ثم ذكر الماتن (قده) : بل الاحوط عدم الجلوس مطلقاً الاّ مع الضرورة .
 الاحوط عدم الجلوس مطلقاّ تحت الظلال او لا , وتدل على ذلك روايتان :
 الرواية الاولى : صحيحة داود بن سرحان عن ابي عبد الله (ع) في حديث : قال : ولا ينبغي للمعتكف ان يخرج من المسجد الجامع الاّ لحاجة لابد منها , ثم لا يجلس حتى يرجع , والمرأة مثل ذلك ( [3] ) . تدل على عدم جواز الجلوس مطلقاً سواء تحت الظلال او لا .
 الرواية الثانية : صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله(ع) قال : لا ينبغي للمعتكف ان يخرج من المسجد الاّ لحاجة لابد منها , ثم لا يجلس حتى يرجع , ولا يخرج في شيء الاّ لجنازة , او يعود مريضأ , ولا يجلس حتى يرجع , قال : واعتكاف المرأة مثل ذلك ( [4]
 ) . فان هاتين الصحيحتين تدلان على عدم جواز الجلوس تحت الظلال مطلقاً . واما السيد الاستاذ (قده) على ما في تقرير بحثه فقد ذكر انه لابد من رفع اليد عن هذا الاطلاق باحد امرين :
 الامر الاول : ان خروجه لتشييع الجنازة يمكن ان يكون بلا جلوس , واما عيادة المريض فغالباً لا يمكن ان تكون بلا جلوس , فتستلزم الجلوس بحسب المتعارف كخمس دقائق او اكثر او اقل , فلابد من رفع اليد عن اطلاق عدم جواز الجلوس بمثل عيادة المريض فانه لابد من الجلوس عرفاً , وعيادة المريض بلا جلوس غير متعارف .
 الامر الثاني : حمل المطلق على المقيد لا بملاك حمل المطلق على المقيد فان هذا الحمل لا يجري في النواهي كما في تقرير بحثه بل من جهة ما ذكره (قده) في الاصول من الالتزام بمفهوم الوصف , بمعنى انه لابد ان يكون الحكم غير ثابت للطبيعي على نحو الاطلاق فانه ورد في صحيحة الحلبي ( لا يجلس ) مطلقاً , وورد في صحيحة داود بن سرحان ان ( لا يجلس تحت الظلال ) فانه قرينة على ان هذا الحكم غير ثابت للجلوس تحت الظلال مطلقا والاّ لكان قيد (الظلال ) لغواً , فلو لم يجز الجلوس تحت الظلال مطلقاً لكان التقييد بتحت الظلال لغواً , فمن اجل ذلك لابد من رفع اليد عن الاطلاق , لا من باب حمل المطلق على المقيد فانه لا يجري في باب النواهي .
 ما ذكره (قده) قد تقدم في باب الاصول انه ليس من المفاهيم في شيء , بل هو انتفاء شخص الحكم بانتفاء القيد . وكيفما كان فان حمل المطلق على المقيد لا يجري في النواهي من جهة ان الحكم انحلالي , ولا يجري حمل المطلق على المقيد , لا ان للنهي خصوصية , وكذلك الحال في المثبتين من الاوامر اذا كان الحكم انحلالي كما اذا قال المولى (أكرم العلماء ) ثم قال (أكرم العلماء العدول ) فانه لا يحمل المطلق على المقيد بل يحمل المقيد على افضل الافراد اذ لا تنافي بينهما , وكذلك الحال في النواهي , فلا مانع من ان يكون الجلوس تحت الظلال غير جائز , والجلوس مطلقاً غير جائز ايضاً ولا تنافي بينهما , غاية الامر ان عدم جواز الجلوس تحت الظلال اهم من عدم جواز الجلوس مطلقاً , فالمقيد محمول على الاهم , لا انه يحمل المطلق على المقيد . فما في عبارة التقرير من ان حمل المطلق على المقيد لا يجري في باب النواهي فهو من هذه الناحية اذ لا موجب لحمله بل يحمل المقيد على الاهم كما هو الحال في الاوامر.


[1] الوسائل (آل البيت) /ج 10 / ص 549 / باب 7 / كتاب الاعتكاف / الحديث 1.
[2] الوسائل (آل البيت) /ج 10 /ص 551 / الباب 8 / كتاب الاعتكاف .
[3] الوسائل (آل البيت) /ج 10 / ص 549 / باب 7 / كتاب الاعتكاف / الحديث 1.
[4] الوسائل (آل البيت) /ج 10 / ص 549 / باب 7 / كتاب الاعتكاف / الحديث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo