< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

34/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 ذكرنا ان الجهل اذا كان مركباً فهو في الحقيقة غافل فلا يكون مكلفاً بشيء , فان الغافل والناسي والمضطر والمكروه والخاطيء خارج عن عمومات ادلة التكليف ومن المستثنيات ولا يكونوا مكلفين في الواقع واما الجاهل اذا كان بسيطاً فان كان مقصراً فلا شبهة في انه مكلف في الواقع على تقدير ثبوته كما اذا كانت الشبهة قبل الفحص فان احتمال التكليف منجز ولا يمكن له التمسك باصالة المؤمن فيجب عليه الاحتياط في المقام , فلا يجوز له ارتكاب الجلوس في مشكوك الغصبية او الوضوء او الغسل بالماء المشكوك الغصبية او ما شاكل ذلك , واما اذا كان جهله عن قصور لا عن تقصير فلا يكون الواقع منجزاً عليه من جهة الاصول المؤمنة التي هي مانعة عن تنجيز الحكم الواقعي في الواقع على تقدير ثبوته , كما اذا شككنا في ماء انه مغصوب او مباح ففي مثل ذلك اذا فرضنا انه لا مانع من الرجوع الى اصالة البراءة عن حرمته او استصحاب عدم كونه ملكاً لغيره ففي مثل ذلك فالحرمة الواقعية على تقدير ثبوتها لا تكون منجزة فلا يجب عليه الاحتياط .
 وهل هذه الحرمة غير المنجزة مانعة عن صحة الوضوء ؟ فاذا توضأ بهذا الماء فهل وضوئه فاسد او انه صحيح ؟ المعروف والمشهور بين الاصحاب ان وضوئه صحيح فالجاهل مثل الناسي , فكما ان وضوء الناسي من هذا الماء صحيح فكذلك وضوء الجاهل صحيح , بل قد ادعي عليه الاجماع ايضاً .
 واشكل عليه السيد الاستاذ (قده) : انه لا مجال لدعوى الاجماع في المقام فان المسألة مبنية على القواعد العقلية والشرعية ولا مجال لدعوى الاجماع فيها , ولو كان هناك اجماع فمدركه القواعد , وليس اجماعاً تعبدياً , وكيفما كان فلا أثر لدعوى الاجماع . واما ان المسألة هل هي من مسألة النهي في العبادات او انها من مسألة اجتماع الامر والنهي ؟ ذهب المحقق صاحب الكفاية (قده) الى انها من مسألة الامر والنهي وليست من مسألة النهي عن العبادات , ولكن ذكر السيد الاستاذ (قده) انها من مسألة النهي في العبادات .
 والظاهر ان الصحيح هو ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قده) : فان المال المشكوك الغصبية لا نعلم انه مغصوب او مباح , فاذا توضأ من هذا الماء نظير الارض مشكوكة الغصبية فان الصلاة فيها صحيحة او فاسدة , فالمسألة بين الامر بالصلاة والنهي عن الغصب لا محالة من مسالة اجتماع الامر والنهي , وفي المقام بين الامر بالوضوء والنهي عن الغصب اذا كان في الواقع مغصوباً , وليس النهي متعلقاً بالعبادة مباشرة كما هو الحال في مسالة النهي عن العبادات, فان النهي متعلق بالعبادة مباشرة , واما في المقام فالنهي تعلق بالتصرف الغصبي ولم يتعلق بالعبادات مباشرة , واما تعلق النهي بالوضوء فمن جهة انه مصداق للغصب , فالمسالة من اجتماع الامر والنهي .
 الاّ ان الظاهر انه لا ثمرة بين كون المسالة من مسالة اجتماع الامر والنهي او من مسالة النهي في العبادة , وعلى كلا التقديرين فالوضوء من هذا الماء منهي عنه وحرام اذا كان في الواقع مغصوباً , على تقدير حرمة التصرف في هذا الماء . وذكر السيد الاستاذ (قده) : ان المانع من صحة العبادة والوضوء من هذا الماء هو ان المانع الحرمة الواقعية الفعلية وان لم تكن منجزة في الواقع باعتبار ان الحرام لا يكون مصداقاً للواجب , وليس المانع عدم قصد القربة لامكان التقرب في المقام فان المانع عن التقرب انما هو الحرمة المنجزة والحرمة غير منجزة , وكذلك ليس المانع هو الحرمة المنجزة بل المانع هو الحرمة الفعلية وان لم تكن منجزة باعتبار ان الحرام لا يمكن ان يكون مصداقاً للواجب , فمانعية الحرمة لا تتوقف على العلم بها وعلى كونها منجزة , نعم في باب التزاحم المانعية منوطة بالعلم بالحرمة , فاذا وقع التزاحم بين الحرام والواجب , او بين الواجبين او بين الحرامين فالتزاحم منوط بالعلم بالوجوب او العلم بالحرمة , واما اذا كان جاهلا بحرمة احدهما فلا تزاحم في البين واما في باب التعارض فلا يعتبر ذلك فلا تكون المانعية مشروطة بالعلم بها فالحرمة الواقعية الفعلية مانعة وان لم يعلم بها , وان لم تكن منجزة فهي مانعة .
 ثم ذكر السيد الاستاذ (قده) : انه لا فرق في ذلك بين الواجب العبادي والواجب التوصلي , فاذا اطعم شخص زوجته من مال مغصوب لم تسقط نفقتها عن ذمته فانه ليس مصداق للانفاق الواجب على الزوج فلا يجزي .
 وما ذكره السيد الاستاذ (قده) قابل للمناقشة : فان الحرمة اذا لم تكن منجزة فلا أثر لها ووجودها كالعدم , فان الاصول المؤمنة تجري في المقام وهي مانعة عن تنجيزها , فاذا لم تكن منجزة لم تكن المفسدة الموجودة في متعلقها منجزة, فالمفسدة اذا لم تكن منجزة فلا أثر لها ووجودها كالعدم , وكذلك الحرمة فمثل هذه الحرمة لا تصلح مانعة عن انطباق المامور به على الفرد الماتي به , فالفرد الماتي به وان كان في الواقع حراما ولكن حرمته لا اثر لها ووجودها كالعدم ,ومثل هذه الحرمة لا تصلح ان تكون مانعة , فاذا لم يكن لها اي اثر فكيف تكون مانعة عن انطباق المامور به على الفرد الماتي به في الخارج .
 واما ما ذكره (قده) في الانفاق فالظاهران الامر ليس كذلك فان الزوج اذا غصب مالا واطعم زوجته به فهو ضامن لهذا المال بالمثل او القيمة , ومع ضمانه له فهو يملك المال التالف , فاذا كان مالكاً فيسقط عن ذمته الانفاق , والانفاق ليس مصداقا للحرام فان ذمته مشغولة بالمثل او القيمة ومع اشتغالها بمثل هذا المال او قيمته فهذا المال خرج عن ملك المالك ودخل في ملك الغاصب , وعندئذ لا مانع من كونه مصداقا للانفاق وسقوط ذمته عن الانفاق .
 فالنتيجة ان ما ذكره (قده) قابل للمناقشة فان الحرمة اذا لم تكن منجزة فمجرد وجودها في الواقع لا اثر له ,ووجودها كالعدم ولا تصلح ان تكون مانعة عن الانطباق .
 واما ما ذكره الماتن (قده) من انه اذا جلس على المغصوب ناسيا او جاهلا فهذا مبني على مسلكه (قده) من ان الجلوس على المغصوب مبطل للاعتكاف , واما بناءاً على ما ذكرناه من انه لا يكون مبطلا للاعتكاف فالجلوس عالما عامدا لا يكون مبطلا للاعتكاف فضلا عن كونه ناسيا او جاهلا او مضطرا او مكرها , فان الجلوس على المغصوب لا يكون مبطلا لاعتكافه كما تقدم .
  المسألة (34) : اذا وجب عليه الخروج لاداء دين واجب الاداء عليه او لاتيان واجب اخر متوقف على الخروج ولم يخرج اثم ولكن لا يبطل اعتكافه على الاقوى .
 ما ذكره (قده) من عدم بطلان الاعتكاف هو الصحيح لامور :
 اولاً : من جهة الترتب : فان الامر بالاعتكاف مشروط بعدم الخروج , والخروج واجب ولا يتمكن من الجمع بينهما وامتثال كليهما معاً , امتثال الامر بالاعتكاف وامتثال الامر بالخروج , وبطبيعة الحال يكون الامر بالاعتكاف مشروطاً بعدم الخروج واذا خرج سقط اطلاق الامر بالاعتكاف , واما اذا لم يخرج فالامر بالاعتكاف ثابت ومترتب على عدم الخروج - بناءاً على امكان القول بالترتب ولا مانع من الحكم بصحة الاعتكاف من جهة الترتب .
 ودعوى : ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده , فالامر بالخروج يقتضي النهي عن الاعتكاف , فالاعتكاف يكون منهي عنه , فاذا كان منهياً عنه فيقع باطلاً .
 مدفوعة : بانا لو سلمنا ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده , الاّ ان هذا النهي نهي غيري وليس بمولوي , ولا اثر له ولا عقوبة على مخالفته , ولا مثوبة على موافقته , ولا ملاك في متعلقه , فانه ناشيء من ملاك في الخروج فان النهي الغيري ناشيء من ملاك موجود في الخروج , واما تعلقه بالاعتكاف لا يكشف عن وجود مفسدة فيه , ومن هنا النهي الغيري ليس بنهي مولوي شرعي ولا يترتب عليه اي اثر لا المثوبة ولا العقوبة ولا يكشف عن وجود ملاك في متعلقه , فمن اجل ذلك وجود هذا النهي او عدم وجوده لا يمنع من الترتب , ولا يقتضي فساد متعلقه .
 ثانياً : اذا لم نقل بالترتب فلا مانع من القول بصحة الاعتكاف . وسياتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى .
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo